أفرزت أزمة كورونا ظاهرة جديدة أطلق عليها اسم " القرصنة الحديثة "، التي نشأت إثر إقدام العديد من الدول المتقدمة، على تحويل وجهات المعدات الوقائية والأجهزة الطبية نحوها، وهو ما أشعل فتيل حرب باردة بين القوى الاقتصادية الكبرى، التي باتت تلهث وراء الكمامات والقفازات !! فالولاياتالمتحدةالأمريكية التي سجلت نصف اصابات العالم عبر ترابها، انتقدت أكثر من مرة في هذا الشأن، حيث كشف مسؤولون من ألمانياوفرنسا أنها استحوذت على معدات طبية كانت موجهة في الأصل إلى بلديهما، حيث اعترضت سبيل شحنة كانت موجهة إلى ألمانيا، التي افرغت حمولتها في نهاية المطاف على الأراضي الأمريكية، كما أقدمت على تحويل شحنة أخرى من الأقنعة الطبية كانت متوجهة نحو فرنسا، معتمدة في ذلك على رفع سعر الشراء من أجل الحصول عليها، أي الأولوية لمن يدفع أكثر !! لا سيما أمام تزايد الطلب على هذه المعدات والوسائل الوقائية التي سجلت ندرة كبيرة، حتى في الدول العظمى، التي فاقت قدراتها ووسائلها وعجزت عن توفيرها، نظرا لعدد الاصابات والوفيات التي سجلها وجعلتها تحتل الصدارة في العالم، وباتت جد ضرورية لتفادي الاصابة بالفيروس والحد من انتشاره، في طل غياب اللقاح الذي يقضي على هذا الوباء. لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية نفت كل هذه الاتهامات الموجهة إليها، والتي طالت أيضا فرنسا، حيث أشارت بعض وسائل الإعلام الدولية، أن فرنسا حجزت أقنعة طبية سويدية الصنع، كانت في طريقها إلى إيطاليا وإسبانيا، الأكثر تضررا بجائحة كوفيد-19 في أوروبا، وسرعان ما انتشرت ظاهرة القرصنة الحديثة هذه في أوروبا، التي يبدو أنها باتت تنافس سرعة انتشار كورونا، حيث أن تشيكيا أيضا قطعت الطريق على شحنة من الأقنعة الطبية كانت متوجهة إلى إيطاليا، التي عمقت هذه الظاهرة الغريبة جراحها، في عز هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة...هذا ما فعله فيروس كورونا بالدول المتقدمة والمتطورة !! وكيف أشعل حرب المصالح بينها، وكشف عن المستور وعن أنانية الدول في عز الأزمات وأصعب الامتحانات، التي كانت مقنعة بلغة الدبلوماسية، لكنها بكل تأكيد، ستدفع بالكثير منها إلى، مراجعة سياستها الخارجية وعلاقاتها الدبلوماسية مستقبلا، في حين فإن المجتمعات مهما كان موقعها ستغير من سلوكياتها وتصحح الكثير من الممارسات خلال مرحلة ما بعد كورونا.