المستوطنون يستبيحون الضفّة الغربية    قصة مُرعبة من قلب جحيم غزّة    تجدد التزامها التاريخي للدفاع عن المصالح العليا للقارة    ربيقة يدعو إلى ترسيخ الثقافة التاريخية    تتويج طلبة جزائريين بالجائزة الكبرى لمسابقة "هواوي"    زيتوني: التعاون مع موريتانيا رِهان استراتيجي    مداحي تؤكد أهمية تكوين الموارد البشرية    توافق جزائري موريتاني    التعبئة من أجل تنمية الوطن و حماية المصالح الحيوية للبلاد    مديرا عاما للأمن الداخلي    ارتفاع عدد الشهداء إلى أزيد من 53 ألفاً    الخضر يتعرّفون على منافسيهم اليوم    المولودية تقترب من حسم البطولة    الدفع الالكتروني للغرامات المرورية عبر أجهزة الأمن والدرك    ضبط كمية كبيرة من المؤثرات العقلية بورقلة    دورة تكوينية في أمراض الثدي    تألق جزائري في الأسبوع الإفريقي    انتشار فيديوهات "السحر" يثير الهلع والوسواس    يعزي في وفاة المجاهد و المخرج الكبير محمد لخضر حمينة    دكان الزمن الجميل".. رحلة إلى ذكريات الماضي    تظاهرة "عاصمة الثقافة الحسانية لعام 2025"    الجزائر تجدد التزامها الراسخ بمبدأ التضامن الصحي الدولي    المخزن يواصل حملته القمعية في حق عائلات أسرى "اكديم إزيك"    المساعدات التي دخلت لا تمثل1% من احتياجات السكان    احتجاجات حاشدة بالمغرب مطالبة بإسقاط التطبيع مع اسرائيل    هكذا يتم التعامل مع لحوم الأضاحي المستورَدة بعد النحر    معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط : السيد زيتوني يؤكد على أهمية تعزيز تنافسية المنتوج الجزائري    تحضيرات مكثفة بمراكز العاصمة ومحيطها    هكذا يتم إغفال وتشفير إجابات "البيام" و"الباك"    الكاتب "ياسمينة خضرا" يتوّج بجائزة المجلس    نبحث عن شريك إستراتيجي بالجزائر لدعم القطاع الخاص    الفرع القنصلي بمكة المكرّمة.. إجراءات استثنائية خدمة للحجّاج    الجاهزية التامة خدمة للحجّاج في أيام المشاعر المقدّسة    التكفّل بالحجّاج صورة مصغّرة لتمثيلياتنا بالخارج    الجزائر تفقد قامة فنية شامخة    خالد بن يحي يشكر لاعبيه ويرفض الاحتفال المبكر    سعيدة تستضيف المهرجان الوطني الثامن    قلاب ذبيح يعلن استقالته من المنظمة الوطنية لناشري الكتب    قطار سياحي وفنادق جديدة تدخل الخدمة    30 مليارا لترميم المؤسسات التربوية    محليو "الخضر" يواجهون رواندا وديا في ملعب "تشاكر"    غويري سعيد مع "الخضر" ويرد على قرار ريان شرقي    حماية البنى التحتية المائية في النزاعات المسلحة: الجزائر تدعو أعضاء مجلس الأمن إلى توحيد أصواتهم    اليوم العالمي لإفريقيا:التزام مستمر للجزائر تجاه مصالح القارة    حققوا 4 جوائز مرموقة.. تألق 14 طالبا جزائريا في النهائيات العالمية لمسابقة هواوي    العمل على جعل السياحة قطاعا بديلا وحيويا خلاقا للثروة ولمناصب الشغل    كرة السلة/كأس الجزائر-2025 /سيدات/ : تتويج بحرية حسين داي بكأسها الرابعة في تاريخها على حساب اتحاد الجزائر 45-39    جثمان الفقيد محمد لخضر حمينة يوارى الثرى بمقبرة سيدي يحيى بالعاصمة    مظاهرات حاشدة عبر العالم تنديدا باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    كأس العرب فيفا- قطر 2025 : اختيار ستة ملاعب لاحتضان مباريات الدورة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    ما هي أنواع الحج؟    بوشكريو مدربا لمنتخب أقل من 19 سنة    205 عون حماية مدنية يرافقون الحجّاج    هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي    الأذكار المستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة    الاستغفار .. سر السكينة ومفتاح الرزق ومغفرة الذنوب    ..لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



... مجرزة الفراشيح
الذكرى ال 175 لمحرقة قبيلة "أولاد رياح" بمستغانم
نشر في الجمهورية يوم 19 - 08 - 2020

لا يمكن الحديث عن الحركة الاستعمارية في الجزائر دون ذكر صناع المجازر الجماعية المرتكبة في حق مواطنين عزل وهم يقارعون الآلة الحربية النابولونية التي احتلت أوروبا خلال النصف الثاني من القرن ال 18 ومطلع القرن ال 19 . ففي الوقت الذي كان فيه الجزائريون يدافعون عن أنفسهم بأدوات بدائية كالسيف والمنجل و الخنجر، البندقية التقليدية ... اختار المجرمون أمثال بيليسيي ، كافينياك ، سانت آرنو، بيجو وغيرهم وسائل رعب ودمار شامل كالنار و الكبريت والدخان بهدف إبادة قبائل بأكملها ، كما حدث لقبيلة أولاد رياح شرق مدينة مستغانم 1845، التي تعرضت للحرق في"مغارة الفراشيح"
وهي المكان الذي ارتكب فيه الكولونيل "بيليسيي" هذه المجزرة الرهيبة أيام 18 إلى 20 جوان 1845 ، وتقع المغارة ببلدية النقمارية بمنطقة الظهرة على بعد 115 كلم شرق مدينة مستغانم ، تمتد على طول 200 متر، وقد كان أولاد رياح يحتمون بهذا المغارة لأسباب عدة ، منها أنها كانت تقيهم من الاعتداءات و الغزوات الخارجية، و كانوا يلجأون إليها كلما رفضوا دفع الأتوات والضرائب للحاكم العثماني، ضف إلى أن هذه المغارة كانت تتميز بميزات خاصة كارتفاعها عن واد جراح ب 80 مترا ، مدخلها محمي بأشجار العرعار، وأخيرا أولاد رياح كانوا يؤمنون بأن هذه المكان محمي ببركة أحد الرجال الصالحين، وقد استمر الوضع على هذا الحال إلى غاية مجيء الكولونال" بيليسيي" الذي لم يتردد لحظة في متابعتهم وحرقهم داخل هذه المغارة.
بداية التخطيط لإبادة "أولاد رياح"
خلال شهر جانفي من عام 1845 دارت معركة كبيرة بمنطقة الظهرة، عرَفها الفرنسيون على أنها انتفاضة الطرق الصوفية، لأنها جمعت عدة طرق على غرار القادرية، الرحمانية، الدرقاوية والطيبية، قبيلة أولاد رياح كانت إحدى القبائل التي كانت تمد المقاومين بالدعم المادي والمعنوي، إلا أنها كانت أضعف قبيلة من بين القبائل المقاومة للاستعمار الفرنسي، لذا قرر الجنرال بيجو الانتقام منها بتكليف الكولونال " بيليسيي " للقيام بالمهمة قائلا " في حال رفضهم الخروج من المغارات، لكم أن تفعلوا ما فعله " كافينياك" الذي خنق ودون تردد قبيلة "سبيح"، لذا يستوجب عليكم أنتم كذلك حرق هؤلاء كالذئاب".
خرجت القافلة العسكرية التي خصصت لعملية إبادة " أولاد رياح " من مدينة الشلف "أورليون فيل سابقا" يوم 17 جوان 1845، وكانت مكونة من 4000 عسكري فرنسي و 200 قوم / goums (قوات شبه عسكرية من أهالي المناطق التي احتلها الجيش الفرنسي وشكل منها قوات إضافية يسخرها ضد بني جلدتهم مقابل الأموال و الإمتزيازات)، هذه القوة العسكرية الكبيرة مارست كل أنواع الترهيب بجل المناطق التي مرت بها وطبقت فعلا فلسفة الجنرال "بيجو "سياسة الأرض المحروقة"، حيث أحرق جنودها كل المحاصيل الزراعية، قطعوا كل الأشجار وأبادوا البشر وقتلوا الحيوانات ، خربوا المنازل والممتلكات ، هذا الجيش كانت تسبقه وحدة استطلاعية، دورها تبليغ دوريا الكولونيل بيليسيي عن مدى تجهيز القبائل في مواجهته أو الاستسلام، عند وصولها قرية أولاد رياح جابت الجهة اليسرى من واد جراح، وانطلقت في حرق وتخريب الممتلكات وقتل المواشي .، ما دفع بأهالي أولاد رياح إلى مواجهتها ، فبدأت المناوشات بين الطرفين، خلال هذه الأثناء شاهد أهالي القبيلة قافلة عسكرية مدججة بأقوى الأسلحة الدفاعية والهجومية ، وهي قادمة من الجهة الشرقية، عندها قرر أولاد رياح نقل نسائهم وأطفالهم وشيوخهم والاحتماء داخل غار " الفراشيح " حاملين معهم كالعادة أمتعتهم من مؤونة غذائية وعدد من رؤوس الحيوانات، كل هذه الذرائع و المعتقدات والتخمينات لم تسمح لأهالي أولاد رياح بتحديد ومعرفة المصير المحتوم الذي سيلاقونه داخل هذا الغار خلال الساعات القليلة القادمة..
نيران مشتعلة لمدة 18 ساعة
صبيحة يوم 18 جوان 1845، طوق الجيش الفرنسي الغار بعدما عجز عن اقتحامه بسبب الطلقات النارية التي كان يطلقها المجاهدون المتواجدون في داخله، فأعطى " بيليسيي " أمرا لمدفعيته بقنبلة الغار بغية استسلام من بداخلها، وعند عجزه عن تحقيق هذا، أمر بتمركز قواته حول مداخل الغارين إلى غاية اليوم الموالي أي 19 جوان 1845، في حدود الساعة ال10 صباحا طلب الكولونال " بيليسيي " من عساكره جمع الحطب والقش المتواجد في المنطقة، ثم ربطها على شكل رزم ووضعها عند مدخل المغارتين و إضرام النار عليها ، الضابط الإسباني الذي كان شاهدا على الحادثة كتب إلى جريدة "المدريلان هيرالدو/ El Madriléne Heraldo" ... " في البداية أبت النار أن تشتعل بسبب المياه التي كانت تغمر مدخل الغار ، وفي حدود الساعة الواحدة مساء رمينا حزما أخرى من الحطب، فاشتعلت النيران ،و من الصدف بدأت الرياح تنقل الدخان إلى داخل الغار ، عندها راح العساكر يدفعون بالحزم الخشبية داخل فتحات الغار تماما كما يحدث عندما ندفع الخشب داخل الفرن " .
عسكري آخر بعث رسالة إلى عائلته بفرنسا : "استمرت النيران مشتعلة طول الليل، وعلى ضوء ألسنتها كنا نشاهد الوحدة العسكرية التي كانت مكلفة ببقائها ملتهبة، كنا نسمع صيحات الرجال والنساء والحيوانات، وكذا تصدع وتكسر الصخور المتفحمة التي كانت تسقط داخل الغار بفعل ارتفاع درجة الحرارة "، علما أن هذه المحرقة كانت تجري تحت حراسة مُشددة للضباط والمجندين الفرنسيين الذين كانوا يحرصون على بقاء نيرانها مشتعلة دون انقطاع ولمدة 18 ساعة، حيث أن المحرقة بدأت في حدود الساعة الواحدة مساء من يوم 19 جوان ولم تنته إلا في حدود الساعة السادسة صباحا من يوم 20 جوان 1845 ، و بخصوص ما حدث في هذا اليوم ، فهناك من قال أن بعض الرجال خرجوا من الغار واقترحوا على الكولونيل " بيليسيي " منحه 75 ألف فرنسي مقابل انسحاب جيشه من المنطقة، إلا أنه رفض هذا الطلب واعتبره شرطا غير إلزامي ، عندها عاد الرجال إلى الغار، فيما أمر بيليسيي بإعادة إشعال النيران من جديد وتأجيجها، ..أما القراءة الثانية فتقول، مع غروب الشمس حاول البعض ممن لجأ إلى الغار الخروج منه، بحثا عن الماء بالواد ، ومحاولة الهروب من ألسنة النيران و الدخان وكذا الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة، إلا أن العسكر الفرنسي استقبلهم بطلقات نارية مكثفة، رغم هذا تمكن أحد المجاهدين المصابين من النجاة و الفرار إلى قبيلة "زريفة" المجاورة، فأبلغ القايد عن ما حدث لأولاد رياح من حرق وإبادة جماعية، كما كشف له عن استعداد هذه العائلات المحاصرة في الغار الاستسلام شريطة أن يقدم لهم الكولونيل بيليسيي الأمان بعدم الاعتداء عليهم، فانتقل على التو القايد إلى مقر الكولونيل بيليسيي وأبلغه بالمستجدات ، بعد مفاوضات ماراطونية، اتضح أن الكولونيل " بيليسيي " كان يصر على نقل الرجال إلى سجن مستغانم المعروف بسجن "التعذيب" ، ورفضه المبلغ المالي المقدم له مقابل نجاة أولاد رياح، فاختارت هذه العائلات مصارعة الموت بدل الاستسلام.
760 جثة داخل المغارة
بعد انتهاء المحرقة صبيحة يوم 20 جوان 1845، دخل بعض الجنود الفرنسيين إلى الغار، حيث أن أحد المُجندين وهو إسباني الأصل،نقل المشاهد المروعة التي رآها في الغار ،قائلا " عند المدخل كانت الأبقار والحمير والخرفان مستلقية على الأرض، ووسطها كانت النساء والأطفال مرميين فوق بعضها البعض ، رأيت رجلا ميتا، ركبته في الأرض ويده تشد قرن ثور، حيث كان جليّا أن هذا الرجل،كان يبحث عن الطريقة التي ينقذ بها عائلته من هيجان الثور الذي كان يركض في كل مكان، وفي الجهة المقابلة وجدت امرأة تُعانق طفلها، وعلى ما يبدو أن الرجل الذي كان يشد قرن الثور اختنق في نفس الوقت الذي اختنقت فيه المرأة مع ابنها، وفي الأخير أحصينا 760 جثة داخل هذا الغار" . وهو الرقم الناجم عن "الهولوكوست" والذي ارتكبه المجرم "بيليسيي "، حسبما أكده الضابط الإسباني الذي كشف أيضا عن وجود ما بين 800 إلى 1000 جثة داخل الغار، أُخرج منها 600 جثة دون حساب أحرقوا جماعيا، حيث ذابت أجسامهم بفعل الحرارة ، كما توفي أغلبية الأطفال وهم مختبئين في الملابس الداخلية لأمهاتهم ، وبعد انتهاء المحرقة ونظرا لما أحدثته من سخط وسط البرلمانيين الفرنسيين، عملت فرنسا على طمس كل هذا، حيث أنها لم تتحدث إلا عن خسائرها التي حددتها في 5 جرحى، أحد منهم في حالة خطرة و 25 أصيبوا بالإسهال، أما المجرم بيليسيي صانع "الهولوكوست" رد على منتقديه قائلا : " كل ما جرى داخل هذا الغار تتحمله قبيلة أولاد رياح بسبب تعنتها، لقد حاولت مرارا تفادي ما حدث، أنا رجل معروف بالإنسانية، لم أجد خلال مهامي أي مخرج لإنقاذ هؤلاء المساكين من هذا المأزق الجهنمي الذي سقطوا فيه وكل ما حدث كان خارج إرادتي و ما طلبهم السخيف القاضي بعدم الذهاب إلى سجن مستغانم لدليل على ما أقول "، وقبل وفاته في سنة 1864 وحسب أحد الشهود كان " بيليسيي" وهو على فراش الموت يردد " قولوا وكرروا أنني لم أرغب يوما في قتل القبائل الثائرة " ، إلا أن صديقه الكولونال "سانت أرنو" فضحه عبر تلك الرسالة التي كان يبعثها لأخيه آدولف في جوان 1845 ، حيث يقول فيها "... كلفت مع الكولونال بيليسيي بمهمة الإستيلاء على منطقة الظهرة وقد نجحنا في ذلك، بيليسيي أقدم مني في الجيش الفرنسي وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، لذا عاملته باحترام وتركت له حصة الأسد إلا أنه يكون قد تعامل بنوع من الصرامة مع قبيلة أولاد رياح . لو كنت في مكانه لفعلت نفس الشيء " .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.