- التوازنات العالمية تغيرت بتغير أقطاب النفوذ كألمانيا واليابان والهند والبرازيل أيضا يثير إخفاق بعض المنظمات الدولية السياسية والاقتصادية على غرارهيئة الأممالمتحدة ومنها مجلس الأمن، وكذا المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي في حل بعض النزاعات الأزلية والقضايا المصيرية كالقضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية وحتى الأزمات الحديثة مثل تلك التي تشهدها الأراضي السورية واليمنية والليبية الكثير من التساؤلات لدى العام قبل الخاص، فهذه الهيئات الدولية والإقليمية لم تتمكن حتى من التخفيف من معاناة الشعوب التي تعيش أزمات أقل ما يقال بشأنها أنها أزمات إنسانية. هذا التساؤل يجرنا إلى أسئلة أخرى حول طبيعة النظام الدولي وتركيبته التي تسيرها جماعات ضغط تقوم سياستها على المصالح الاقتصادية والسياسية البحتة، لا يهمها في ذلك ما تقوم به من مأساة في حق الشعوب لدرجة أن بعض القضايا أصبحت من يوميات المجتمع الدولي. وفي هذا الإطار يقول الأستاذ بوسماحة نصر الدين العميد السابق لكلية الحقوق والعلوم السياسية لجامعة وهران 2 أن طبيعة المجتمع الدولي قائم على الصراع الذي يتجدد في الكثير من الحالات، والنزاعات الدولية في العالم كثيرة ومتعددة ومتشعبة جدا، بعضها معقد يرجع إلى خلافات ايديولوجية أو عرقية أو دينية أو إثنية لغوية، بينما بعضها الآخر يتعلق بقضايا تقرير المصير أو المصالح الاقتصادية. نزاعات تحتاج إلى آليات تسوية هذه النزاعات التي يفرضها واقع معين تحتاج إلى آليات تستخدمها الهيئات الأممية لإنهائها من أجل استقرار المنتظم الدولي حيث يقول الدكتور بوسماحة في هذا الصدد أنه ينبغي لنا للخوض في هذا الموضوع أن نركز على جانب الآليات المتعلقة بتسوية المنازاعات الدولية، ونجد على رأس هذه الهرميات مجلس الأمن الذي يملك آليات معينة في التدخل منصوص عليها في ميثاق الأممالمتحدة، الذي يشجع ما يسميه بالوكالات الاقليمية الأخرى للتدخل في تسوية هذه النزاعات. ليضيف محدثنا أننا في هذا الصدد سنكون أمام أمرين فإما حل أو تسوية في إطار دولي كالأممالمتحدة أو في إطار المنظمات الإقليمية والجهوية، كمنظمة الاتحاد الافريقي، وهنا بإمكان كل هذه المنظومة الدولية أن تنجح في إطار حل مشكل، لكن ممكن أن يكون هناك إخفاق على مستوى الأممالمتحدة، فيما ينجح على مستوى منظمة إقليمية والعكس صحيح. مجلس الأمن في قفص الاتهام وفي نظرة شاملة على الموضوع يقول الأستاذ بوسماحةأن هناك بعض المشاكل تم حلها في إطار هذه الآليات بشكل نهائي، لكن في المقابل هناك نزاعات لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا من بينها نزاعات عمرت أكثر من 60 سنة مثل النزاع حول كشمير بين باكستان والهند الذي يمتد من ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى الآن، فيما نزاعات أخرى في مناطق أخرى تجددت بعدما تم حلها وتأزمت الأوضاع بها إلى الآن. وهنا نجد أن أصابعالاتهام تتجه نحو مجلس الأمن كتركيبة لم تعد صالحة للنظام العالمي ما بعد الحداثة، مما يعرض الأممالمتحدة للانتقاد الدوري، وقد تصل إلى الفشل كسابقتها عصبة الأمم خاصة أمام تزايد بؤر التوتر عبر كل المنتظم، وهو ما يؤكده لنا الدكتور بوسماحة الذي يضيف بأن المختصين في القانون الدولي يرون بأن كل هذه الآليات في إطار هذه المنظمات غير كافية، لأنها وضعت في إطار ما بعد الحرب العالمية الثانية وتحتاج إلى مراجعة،خاصة وأن الأمور تغيرت والمقصود بالتغيير هنا تركيبة مجلس الأمن من حيث وجود دول دائمة العضوية تتمتع بحق الفيتو ودول أخرى لا تتمتع بهذا الحق. مطالبة بمراجعة ميثاق الأممالمتحدة فوزن الدول تغير وتركيبتها تغيرت من حيث النفوذ والعلاقات، وبالتالي الكثير من الدول أصبحت تطالب بمراجعة ميثاق الأممالمتحدة من أجل ضمان فعالية المجتمع الدولي، وتركيبة مجلس الأمن بالدرجة الأولى من أجل تسوية الخلافات. وفي هذا الإطار ينبغي التذكير بأن التوازنات الدولية تغيرت بتغير أقطاب النفوذ في العالم، كألمانيا واليابان والهند والبرازيل أيضا، وكلها دول أصبح لها وزن اقتصادي في العالم يمكن أن تضغط به، حيث يقول محدثنا أنه بالفعل هناك دول تطالب بمكانة عضو دائم في مجلس الأمن، لكن الدول دائمة العضوية التي تمتلك حق الفيتو لن تقبل بهذا بسهولة، ولهذا نجد بعض النزاعات تم حلها والبعض الآخر تراوح مكانها، لأن الأمر متوقف على أطراف النزاع وعلاقاتهم بالدول القوية التي هي دائمة العضوية في مجلس الأمن، مثل القضية الفلسطينية التي نجد أن الطرف الثاني من الصراع تدعمه دول داخل مجلس الأمن تتمتع بحق الفيتو، وهذا ما يعرقل اتخاذ أي قرارات ضدها بسبب ما ترتكبه من انتهاكات في حق الفلسطينيين. حروب بالوكالة وهنا يضيف الدكتور بوسماحةأن طرق العمل القانونية لهذه الآليات قد تكون فعالة في مواجهة بعض الدول في حين تكون مصابة بالشلل وعديمة الفائدة في مواجهة الدول الأخرى إذ كانت التحالفات أو المصالح تستدعي وقوف أحد الأعضاء الدائمين إلى جانب دولة ما، كالأزمة السورية التي تعقدت لأن الصراع الدائر على الأرض السورية أصبح نوعا ما حربا بالوكالة ما بين قوى إقليمية وقوى عالمية، معنى ذلك أن كل الأطراف التي تحمل السلاح في سوريا لها ولاء أو دعم من جهة خارجية قوية ذات نفوذ في مجلس الأمن فتصيبه بالشلل. ما قيل عن الأممالمتحدة ومجلس الأمن ينطبق على المنظمات الإقليمية التي لم تعد تتسم بالحيادية كجامعة الدول العربية التي كان آخر موقف شجاع اتخذته رفضها للتطبيع المصري مع الصهاينة وتحويل مقرها إلى تونس تنديدا بالتوقيع عل اتفاقية كامب ديفيد، لكن أقل ما يقال عنها حاليا أنها تركب موجة الدول القوية لتزيد من ضعف الدول العربية بأياد من داخل الجامعة في حد ذاتها. منظمات فاشلة وفي هذا الصدد يقول الأستاذ بوسماحة أن المنظمة الإقليمية المؤهلة لكي تتصرف وتساعد على حل المشكل السوري مثلا ويا للأسف هي جامعة الدول العربية، التي يعتبرها منظمة فاشلة ولا يرجى منها خير ولا ينتظر منها أن تلعب دورا رياديا لحل مثل هذه المشاكل، بل يعتبرها جزءا من المشكلة، لأن الدول النافذة بها اتخذت مواقف من الصراع داخل سوريا وبالتالي هي داعمة لبعض الأطراف وساهمت في تأجيج الوضع بهذا البلد، مثلها مثل اليمن لأن دولا أطراف في جامعة الدول العربية ونافذة متورطة في هذا الصراع أيضا، وبالتالي المشاكل هنا تصبح معقدة أكثر من الآليات التي تسمح بحلها. ليضيف لنا أن هذا الأمر تتحكم فيه مصالح دول نافذة وذات تأثير تمتلك مفاتيح الحل، فإذا قررت أنه يجب بناء مسار سلام ووقف القتال يدخلون في عملية تسوية سياسية ويجدون الحلول اللازمة، أما إذا كان عكس ذلك ترفض وتترك الوضع على حاله وتفرض الحل العسكري ما يفاقم حجم الصراع، لهذا يقول محدثنا بأن الصراعات تكون أحيانا اعقد من أننا ننظر إليها من حيث مواجهة بين طرفين متحاربين، وإنما تكون مواجهة بالوكالة لقوى أخرى تقف وراءهما، وأغلب الصراعات ينظر إليها بهذا الشكل حيث ينطبق الوضع على ليبيا واليمن وسوريا ولبنان وفي مختلف المناطق التي تشهد أزمات. الجدير بالذكر أن هذا النوع من الصراعات تفتح هامشا للمناورات أمام أصحاب المصالح، الذين يعملون على ابتزاز باقي أطراف الصراع من أجل تأييد موقفها، لكن هذا تقابله تنازلات سواء في المجالاتالاقتصاديةأوالحصول على نفوذ في مناطق معينة وحتى تقديم ولاءات معينة. لكن يقول الأستاذ بوسماحةنصر الدين بأن هذا لا ينفي أنه تم حل الكثير من الأزمات وتسويتها على غرار النزاع الايرتيري الإثيوبي اللتين أصبحتا متحدتين ضد جبهة «التيغراي» ، على الرغم من أنه حسب رأيه فإن طبيعة المجتمع الدولي وتنظيمه بالشكل الحالي يحتاج إلى مراجعة و إلى تعديل.