كانت وجهتنا التالية إلى المدير العام الأسبق لجريدة «الجمهورية» بن عامر بوخالفة، المدير الوحيد الذي سير الجريدة أطول مدة، قدرت ب 15 سنة كاملة، والذي فتح أبوابها بعد غلقها لمدة شهر، توليه المهمة الصعبة آنذاك كان إستمرارا لمشوار عمل طويل بنفس الجريدة كمخرج ثم كمشرف على قسم الاخراج وكأمين عام في فترات متفرقة خرج فيها ليخوض تجارب جديدة في مجال الاعلام وعاد الى الجريدة الأم. كل هذه التفاصيل كانت في مسار احترافي عمره 40 سنة، هي تجربة بن عامر بوخالفة الرجل الذي فرض الانضباط والصرامة وعمل على رفع مستوى الأداء الصحفي والمهني في الجريدة على مدار سنوات. الحاج بن عامر الذي لازال صامدا رغم السنين والمشاكل الصحية، ولازالت نظرته الثاقبة ترعب كل من يلمحه، لازال شامخا ذو هيبة ولم تهزمة السنون ولا المرض، تنقلنا إليه بشغف لرؤيته بعد سنوات من تقاعده فرأيناه كما هو الحاج بن عامر بكل تفاصيل الحزم والصرامة..، لكن هذه المرة كانت الابتسامة والفرحة تملأ محياه، أولا لأننا ضيوفه وثانيا لأنه عاد من خلالنا إلى أيام وذكريات يحاول تناسيها أو تجاهلها لأن الحنين موجع حقا... أحسسنا خلال مقابلتنا له أنه في موعد مع التاريخ، موقف أجبره العودة 40 سنة الى الوراء، وأنطقه الشوق الى جدران ترعرع فيها شابا وخرج منها متقاعدا، قضى فيها عمرا من الأحداث المتتالية، وان كان في حديثه نوعا من التأسف على جريدة لم تصل بعد الى المستوى الذي تستحقه –حسب رأيه- بل أنه يرى أنها تراجعت بشكل كبير اذا ما تم النظر إلى عدد النسخ المسحوبة والتي وصلت في عهده الى 70 الف نسخة يوميا. إلتحق بوخالفة ب«لاريبيبليك» كمحرر سنة 1969عن طريق الصدفة، وقال أنه لم يختر المهنة وإنما هي اختارته، ثم تعلم الاخراج على يد بشير رزوق رحمه الله الذي كان مديرا عاما للجريدة آنذاك، وتكلم عنه الحاج بن عامر كثيرا: «.. 1971 عينت الوزارة مديرا جديدا ل«الجمهورية» كان السيد بشير رزوق رحمه الله اعطى للجريدة صبغة أخرى للمهنية.. كان مهنيا محررا، ومخرجا،.. رزوق بشير كان صحفيا ومخرجا معروفا في الجزائر، رجل رائع في المهنة، أعطى دفعا قويا للجريدة..اقترح ان يعلمني الاخراج وفعلا تعلمت على يده حتى أصبحت مشرفا على قسم الإخراج الذي كان قسما قائما بذاته..»، أجرى بوخالفة عدة تربصات في الخارج في الإخراج في جرائد عالمية منها جريدة le figaro . عاد الى الجريدة الأم مرة أخرى ليؤسس «الجمهورية» الأسبوعية التي بقيت لفترة تجاوزت السنة، كان فيها أسماء بارزة من الصحفيين أمثال عمار يزلي وعبد العزيز بن طرمول..وكانت تجربة ناجحة وفي سنة 1997 كلمه رئيس مجمع الصحافة بن محمود ياسين ليوكل إليه مهمة إعادة فتح الجريدة في مهلة أقصاها شهرا على ألا يتجاوز عدد العناصر 30 عنصرا، وبعد مهلة تفكير دامت أسبوعا قرر خوض التجربة وإعادة 25 صحفيا وجدوا أنفسهم في الشارع الى المؤسسة، فعين مديرا عاما في أكثر الفترات الحرجة للجريدة ليعيد إليها الحياة ب30 عاملا فقط، وقال «طُحْنا ونُضْنا وقبلنا المهمة..، قلت حينها لا يجب ان افشل، وعلينا نحن الفرونكوفون أن نبين أننا نستطيع تسيير الجريدة حتى وإن كنا جيلا مفرنسا، فاللغة ما هي إلا وسيلة لكن المهنية هي الاساس، وبدأنا المسار..» وعادت المؤسسة لتقلع من الصفر ونجحت التجربة وحدث التغيير. ومن أبرز المراحل التي عاشها بن عامر بوخالفة في جريدة «الجمهورية» هي مرحلة التعريب سنة 1976 التي دعا إليها طالب أحمد الإبراهيمي وتم تعريب «الجمهورية» بقرار سياسي، حتى سنة 1981 عمل كنائب مدير في جريدة «الجزائر الأحداث» بالفرنسية ثم جريدة «المجاهد»، و أسس بعدها جريدة «لوبينيو» مع الصحفي عبد الحفيظ شيبان. قال بوخالفة «دفعت مقابل كل تلك التضحية، وهو ما وصلت إليه من أمراض أصبت بها وأنا على رأس المؤسسة، كنت صارما، فرضت الانضباط، كنت أقول لهم تعلموا حتى لا يأتي اليوم وتندموا..حققنا الاستقرار وخدمنا مؤسسة محترمة حققت نتائج، قلت للصحفيين والعمال إنتهى عهد القلم والورق، وأطلقنا الموقع الالكتروني الرسمي ل«الجمهورية»». وبالفعل انتقلت الجريدة من الورقة والقلم الى الكمبيوتر. وفي الأخير ختم المدير العام الأسبق لمؤسسة «الجمهورية» بن عامر بوخالفة حديثه بكلمة وجهها إلى كل عمالها: «نتمنى لكم التوفيق لان المستقبل في الجريدة الرقمية، والورق سينتهي..»