الفريق أول السعيد شنقريحة : "القيادة العليا للجيش تولي اهتماما كبيرا للاعتناء بمعنويات المستخدمين"    عطاف يستقبل بالرياض من قبل رئيس دولة فلسطين    مشروع بلدنا سيجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الجزائر    جدد دعم الجزائر لجميع القضايا العادلة في العالم.. قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    عكس اللوائح .. قرار يصدر "الكاف": هل ستجرى مباراة إياب نصف نهائي بين اتحاد العاصمة ونهضة بركان؟    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    بيانات موقع "ترانسفير ماركت" العالمي: الإسهام رقم 20 ..عمورة ينافس صلاح وتيسودالي في إحصائية مميزة    بسكرة: ضبط ممنوعات وتوقيف 4 أشخاص    أمن دائرة بابار : معالجة قضايا وتوقيف أشخاص وحجز مخدرات    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    الطاهر ماموني : المحكمة العليا حريصة على مواكبة جهود الدولة في مجال الرقمنة    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    عطاف يستقبل رئيس مفوضية مجموعة "إيكواس"    تقرير لكتابة الدولة الامريكية يقدم صورة قاتمة حول حقوق الانسان في المغرب و في الأراضي الصحراوية المحتلة    ألعاب القوى/ الدوري الماسي-2024 : الجزائري سليمان مولة يتوج بسباق 800 م في شوزو    وزير الداخلية: الحركة الجزئية الأخيرة في سلك الولاة تهدف إلى توفير الظروف الملائمة لإضفاء ديناميكية جديدة    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    العدوان الصهيوني على غزة: سبعة شهداء جراء قصف الاحتلال لشمال شرق رفح    بن ناصر يخسر مكانه الأساسي في ميلان وبيولي يكشف الأسباب    الدورة الدولية للتنس بتلمسان : تتويج الجزائرية "ماريا باداش" والاسباني "قونزالس قالينو فالنتين" بلقب البطولة    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    بوغالي يؤكد من القاهرة على أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    أهمية مركزية لمسار عصرنة قطاع البنوك وتفعيل دور البورصة في الاقتصاد الوطني    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    جسدت التلاحم بين الجزائريين وحب الوطن: إحياء الذكرى 66 لمعركة سوق أهراس الكبرى    فايد: نسبة النمو الإقتصادي بالجزائر بلغت 4,1 بالمائة في 2023    حوادث المرور: وفاة 16 شخصا وإصابة 527 آخرين بجروح خلال 48 ساعة الأخيرة    برج بوعريريج : فتح أكثر من 500 كلم المسالك الغابية عبر مختلف البلديات    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    النشاطات الطلابية.. خبرة.. مهارة.. اتصال وتعاون    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    توقيف 3 أشخاص بصدد إضرام النيران    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم اللقاء الوطني الأول لصناع المحتوى الكشفي    تفاعل كبير مع ضيوف مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة : بن مهيدي يصنع الحدث و غزة حاضرة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    بطولة الرابطة الثانية: كوكبة المهدّدين بالسقوط على صفيح ساخن    بهدف تخفيف حدة الطلب على السكن: مشروع قانون جديد لتنظيم وترقية سوق الإيجار    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    بلمهدي يلتقي ممثلي المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن مرافقة الدولة لفئة كبار السن    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    على السوريين تجاوز خلافاتهم والشروع في مسار سياسي بنّاء    استغلال المرجان الأحمر بداية من السداسي الثاني    ضرورة وضع مخطط لإخلاء التحف أمام الكوارث الطبيعية    قصص إنسانية ملهمة    "توقفوا عن قتل الأطفال في غزة"    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا توجد في الجزائر جريدة ليس ل «الشعب» لمسة فيها
نشر في الشعب يوم 09 - 12 - 2017

ارتبط اسمه ب «أوراق الخميس»، هكذا عرفه قراؤه كإسم إعلامي في عنوان كبير ك «الشعب»، الشاب المتخرّج حديثا من الجامعة وكله طموح وأحلام، بقي راسخا في أذهان كل من قرأ هذا الركن، فما إن تذكر أم الجرائد حتى تذكر أقلامها الإعلامية ذات التجربة الطويلة وحتى الشابة منها التي استطاعت أن تجد في صفحاتها مكانا لها. إنّه سليم قلالة الأستاذ الجامعي وأحد أبناء أول جريدة ناطقة بالعربية بعد الاستقلال، يسرد تجربته في حوار مشوّق وكل المراحل التي مرّ بها وظلت عالقة في ذكرياته.
❊ الشعب: كيف كان التحاقكم بالجريدة؟عن طريق مسابقة، الصّدفة؟
❊❊ الأستاذ سليم قلالة: تخرّجت من قسم العلوم السياسية والإعلام في جوان 1980 بأعلى معدل آنذاك 20 / 14، كان من بين الذين سبقوني بالتخرج بسنتين الأستاذ مختار مزراق، عَرَفَني أثناء الدراسة عندما أشرف على أحد الملتقيات التي كنت طالبا فيها، وسجَّل تفوّقي، حيث قدَّمني حينها إلى أول وسيلة إعلام كان لي اتصال بها، وهي مجلة «الجيش»، وهناك رأيت صورتي لأول مرة ورأتها عائلتي وأحسست بمدى أهمية الإعلام.
بمجرّد تخرّجي مكّنني الأستاذ مختار مرة أخرى من الاتصال بجريدة «الشعب»، حيث عَرَّفَني على المرحوم بشير حمّادي الذي كان رئيسا للقسم الوطني وأثنى عَليَّ أمامه، واتّفقنا على أن أتقدّم لامتحان الدخول بعد أيام، وكنت في الموعد، تمّ تكليف الأخ جمال صالحي بامتحاني كتابيا، وصاغ السؤال الأخ محمد عباس الذي كان رئيسَ تحرير الجريدة، ومازلت أذكر السؤال إلى اليوم: ماذا تعرف عن الميثاق الوطني؟ ثم طلب مِنِّي ترجمة وتلخيص مجموعة برقيات من شريط وكالتي الأنباء الفرنسية AFP ورويترز للأنباء REUTERS، وأجبت بإسهاب.
كنتُ مُطَّلعا على كافة فصول الميثاق الوطني بل أحفظ بعض فقراته، كما أحسنت الترجمة والتلخيص إلى اللغة العربية، ولا شك أن التقييم كان إيجابيا، إذ بعد أيام استقبلني رئيس التحرير وأعلمني بالقبول، وبأني سألتحق بالقسم الوطني لفترة تجريبية تدوم شهرين أو أكثر كمحرر مترجم وبعدها سأُقبل أو أُعفى. وقبلت العرض بفرح كبير، وفي ذهني تلك الصورة التي صدرت لي بمجلة «الجيش».
❊ كيف كانت طبيعة العمل وظروفها بالقسم الذي عملت به؟
❊❊ شرعتُ في العمل بالقسم الوطني كما ذكرت لك، وبدأت أتعرّف على أعضائه، جمال صالحي، مصطفى هميسي، عبد الله سعايدية، عبد الجليل جلالي، محمد الصالح بن حمودة رحمه الله، كنت العضو الجديد، قبل أن يلتحق بنا بعد سنة علي فضيل، وبعده أحمد حططاش ثم مصيطفي بشير، ومنصف بوزفور. كان مكتبنا بالطابق الأول من بناية الخطوط الجوية الجزائرية حاليا بساحة أودان، وكنّا نشتغل من الثالثة بعد الظهر إلى التاسعة مساء إذا لم نُكلَّف بعمل ميداني.
كان التعاون بيننا قويا خاصة فيما يخص الأخطاء النحوية أو اللغوية، أما الأسلوب أو المراجعة الأولية فكانت تتم مباشرة من قبل رئيس القسم حارس البوابة الأول، حذار من أن يصل أي خطأ إلى رئيس التحرير فما بالك المدير، غالبا ما كُنّا نستشير الأخ جمال صالحي قبل أن نستفتي الأستاذ القدير محمد فارح رحمه الله الذي كان علاّمة في اللغة، خطأ نحوي بسيط يُكلِّفك ثلاثة أيام خصم من الأجرة، فكيف لا ننتبه؟
ظروف العمل كانت صعبة، من حيث كثافة الجهد و طبيعة المطبعة، كانت اليومية الوطنية الوحيدة، وجريدة «الشعب» مطالبة بتغطية كل النشاط الرسمي والفعاليات...وحتى عندما كُنّا نجد بعض الوقت للنقاش أو الحديث، فإنّ رئيس التحرير إذا ما مرّ ووجد أحد الصحفيين غير منغمس في العمل يقدم له سلة كاملة من البرقيات غير المستغلة ويطلب منه تدريب نفسه على الترجمة والتحرير..لا مجال ليراك بلا عمل.
أما الأخ المدير محمد بوعروج - رحمه الله - فكان لا يتردّد أن يطلبك لمكتبه من غير سابق إنذار ليطرح عليك جملة من الأسئلة من بينها: ما هو برنامجك اليوم أو غدا؟ وعليك أن تُقنعه بما تفعل.
أصعب ظروف العمل كانت في المطبعة، وهنا أرفع التحية إلى جميع عمّالها، كانت مناوبتنا تأتي دوريا حسب قائمة مُعَدة سلفا مرة في الشهر عادة، لنُتابع الجريدة باسم التحرير إلى غاية طباعتها، مع كتابة «آخر خبر» في أُذَيْن الصفحة الأولى، قبل غلق الصفحات عند منتصف الليل عادة، فكيف بعمالها الذين يشتغلون يوميا؟ كانت المطبعة تحت الطابق الأرضي، وكانت تشتغل بالرصاص، والتهوية ضعيفة، بالإضافة إلى الضجيج، ومع ذلك كثيرا ما كنت أشارك عمالها لحظات ضحك وسمرلا تُنسى...
❊ هل كانت هناك أقلام كنت معجبا بها ما شجّعك لدخول حقل الإعلام؟
❊❊ نعم، كنت أقرأ أول ما أقرأ لحظة تأمل لمحمد عباس، أما أكثر المقالات التي شدَّتي فهي تلك التي كان يكتبها كل من محمد عباس: «حديث الاثنين»، وحسن رويبح «أدب الحديث»، فضلا عن تلك المقالات التي كان يكتبها محيي الدين عميمور، أبو العيد دود، محمد العربي ولد خليفة، زهور ونيسي، وغيرهم من الكتّاب الخارجيّين...كنت مولعا بالمقالة.
كان حلمي أن أكتب مثل هؤلاء، في الصفحة الأخيرة، ولكن كان عليّ أن أبدأ من البداية، بكتابة الخبر ثم التغطية ثم التحقيق ثم العمود ثم التعليق لأصل إلى المقالة. المقالة حلم بدا لي بعيد المنال، ومع ذلك بدأت، نشرت أولى تغطياتي عن تعريب الحالة المدنية ببلدية المدنية، ثم أولى تحقيقاتي عن سوق الخضر والفواكه، وأول خروج لي للميدان كان على إثر كارثة زلزال الشلف، بعدها انطلقت في كتابة جميع الأنواع الصحفية، ونُشر لي أول عمود بعد ترسيمي كصحفي محترف بعد شهرين فقط من التجربة، ثم بَدأتْ محاولتي تتواصل إلى أن نُشرت لي أعمدة كثيرة، وبدأتُ أستطعم حلاوة النشر، وأتطلّع إلى المقالة، ذلك الحلم الكبير...
ولم تمر مدّة طويلة، حتى عُيِّن سعد بوعقبة رئيسا للتحرير، بعد انتخاب محمد عباس رئيسا لاتحاد الصحفيين، ولعله هو أول من اكتشف طموحي وأحسّ بأنّي لم أُمَكَّن من الفضاء الذي يسع قدراتي، وكانت المفاجأة أن فَتح لي إمكانية الكتابة في الصفحة الأخيرة مع كبارالكُتَّاب، وكان عمري آنذاك لم يتجاوز 25 سنة، فكتبت مقالات في ركن أسميته «أحداث وأحاديث»، مع صورة كاريكاتورية لي...ثم تَطوَّرَتْ هذه المقالات إلى «أوراق الخميس» التي كان لها صدى واسعا باعتبارها صفحة كاملة من الحجم الكبير بأركان مختلفة، إضافة إلى المقالة الرئيسة التي أكتبها أسبوعيا.
❊ ارتبط اسم سليم قلالة في جريدة «الشعب» ب «أوراق الخميس»، حدّثنا عن هذه التّجربة؟
❊❊ كما قلت لكِ هكذا بدأت «أوراق الخميس»، أما التفاصيل، فقد اقترحتُ الصفحة على رئيس التحرير بعد أن تمّ تغيير إخراج الجريدة واستبدل مكان مقالات الصفحة الأخيرة، بعد موافقة رئاسة التحرير التقيت مع المخرج عمّار بومايدة الذي رسم لي أولى مخططات الصفحة على الورق، الإخراج كان يتم بداية على الورق، بل ورسم «لوغو» الصفحة على الورق أيضا، واقترحت عليه مكان وضع الأركان والمقالة الرئيسة، وهكذا خرجت صفحة «أوراق الخميس»، بها المقالة التي كنت أكتبها في الصفحة الأخيرة ومواضيع أخرى لها علاقة بالحدث، ومساحة خاصة بالمساهمات الخارجية وأخرى للقراء.
ولأوّل مرة بدأتُ التّواصل مع القرّاء بالبريد العادي، كانت تصلني الرسائل من جميع أنحاء الوطن ولا أُهمل أي رسالة، وأريد أن أسجّل هنا أن المثقّف السوري صاحب دار الفكر محمد عدنان سالم اطّلع على بعض مقالاتي أثناء زيارته للجزائر وعلم بحدسه كناشر، وهو من تخصّص في نشر مؤلفات مالك بن نبي - رحمه الله - أنّها تصلح لأن تكون كتابا، فاتّصل بي عن طريق الأخ مولود سلمان الذي كان مديرا بوزارة الثقافة لأرسل له المقالات إلى دمشق.
ولم أكن أتصوّر أنّني سأتلقّى بعد شهر من إرسالها مشروع عقد مع دار الفكر لنشرها في شكل كتاب، واقترحت للكتاب عنوان «التغريب في الفكر والاقتصاد والسياسة»، وكان أول كتاب يصدر لي ومازلت اعتبره الأفضل، رغم أنها مقالات شاب، فالعطاء الأفضل التلقائي والطبيعي يكون في هذه الفترة، وبعدها ستأخذ الكتابة طابعا آخر، وقد تتدخل عناصر أخرى فيها فلا يكون المقال طبيعيا بمعنى الكلمة.
❊ ماهي الأشياء الجميلة التي عشتها في الجريدة؟ وما هي الطّرائف التي صادفتك خلال عملك ومازلت تستعيدها من حين لآخر؟
❊❊ أجمل ما عشت هو تلك الروح الأخوية بيننا كصحفيين، وذلك التعاون الكبير، هذا يستفيد من هذا، وأفضل قصّة بقيت لاصقة في ذهني إلى اليوم تلك التي رواها لي الأخ علي كوهية في القاهرة، وهو مخرج مصري جاء في إطار اتفاقية تعاون مع الجريدة. وملخص القصة أنه في أيامه الأولى وقبل أن يعرف طبيعة المجتمع الجزائري، تفاجأ لما رأى عمي إيدير وهو عون الأمن يدخل إلى مكتب المدير دون أي بروتوكولات ويطلب منه سيجارة، فإذا بالمدير لا يكتفي بتقديم واحدة له بل ويُشعل له السيجارة.
قال مُحدِّثي: هذا غير ممكن الحدوث في مصر، بل مستحيل أن يحدث...ولكنه ما لبث أن عرف الحقيقة: أن عمي إيدير هذا كان مجاهدا في الثورة، ومدير الجريدة لم يكن سوى طالبا أرسلته الثورة لتونس للدراسة، وكل الفضل يعود لعمي إيدير حتى أصبح هذا المدير في منصبه...ولذلك فإنه لا غرابة أن يطلب منه ذلك.
وهنا يقول محدّثي، فهمتُ ما الذي أحدثته الثورة الجزائرية في المجتمع، وعرفتُ قيمة تضحيات الشعب الجزائري، وبدأتُ أُدرك لماذا هي العلاقات الاجتماعية مختلفة عن ما هي عندنا في مصر...هذا درس جميل تعلمته في الجريدة، أما أطرف ما عرفته هو تلك العبارة التي حفظناها عن رئيس التحرير محمد غراس - رحمه الله - عبارة «مقالك لا أثر له»! وكل الحكاية أنه عندما يُدخل سي محمد تعديلات على المقال ويريد الصحفي أن يبحث عن الأصل في أرشيف الأمس، يسارع سي محمد إلى قول عبارة «لا تُتعب نفسك»، المقال لا أثر له!
ومن الطرائف الأخرى أن الصحفي باديس قدادرة كُتِبَ اسمه خطأ بدل اسمي ليناوب فبات ليلته الأولى ساهرا، وفي اليوم الموالي طلبه المدير لأمر آخر، وظن أنه سيشكره على عمله البارحة، فاتّجه فرحا، وبعد دقائق عاد خائبا، وهو يقول بادرت المدير بمتاعب المناوبة وظننت أن الأمر يتعلق بها، فتركني إلى النهاية وبعدها قال لي: ومن طلب منك أن تناوب؟
❊ ما هي الشّخصيات التي كان ل «الشعب» الفضل في لقائها؟ وما هي الأمور التي علقت في الذّاكرة؟
❊❊ لعل أهم شخصية كان لجريدة «الشعب» الفضل في لقائها هي شخصية المرحوم قاصدي مرباح عندما كان وزيرا للفلاحة، كنت أتمنى التعرف عليه باعتباره كان أقوى رجل في جهاز المخابرات الجزائرية، ومكَّنتني الجريدة من ذلك بأن التقيت معه عدة مرات في حوار مطول، ومن بين ما أذكره أنه كان كثير القراءة وقد وجدته يوما منهمكا في قراءة كتاب عنوانه أي «حرب البذور»، وقال لي حينها، بنظرة استشرافية ثاقبة هذه هي الحرب القادمة التي تخص أمننا الغذائي. وفعلا تأكّد حدسه ومازالت الحرب قائمة إلى اليوم وبشراسة أكبر.
كذلك أعطتني الجريدة فرصة مقابلة مع رئيس الجمهورية الأسبق الشاذلي بن جديد، حيث هنّأني على جائزة التشجيع التي كانت تُمنَح للصّحفيّين الشباب وسلَّمها لي بنفسه، فضلا عن مقابلة الكثير من الوزراء والشخصيات الوطنية أذكر منهم على وجه الخصوص، محمد الشريف مساعدية، بشير رويس وزير الإعلام - رحمهما الله -
❊ انطلاقا من تجربتكم، كيف تقيّمون مروركم بأمّ الجرائد خاصة وأنّه كان لكم قرّاء قارّين لركنكم؟ وما هي الإضافة التي سجّلتها هذه التّجربة في مساركم المهني؟
❊❊ «الشعب» هي الأم التي ربَّت واحتضنت واختارت لك الاسم الإعلامي وأعلنته للناس، ما بعدها هو تحسين وتطوير فقط، ومازلتُ وفِيًّا لروح هذه الجريدة، أحنّ إليها حنيني لأمي، حتى بعدما التحقت بالجامعة أستاذا، وحتى بعد أن انتقلت بمقالاتي إلى جريدة السلام عندما أسّسها الطاقم الذي كنت أنتمي إليه وبخاصة أعضاء القسم الوطني، بل وحتى عندما أسست أسبوعية الحقية سنة 1993 كانت «الشعب» حاضرة في أسلوبها كمدرسة، بل كانت هي الجوهر أُلبسها أثوابا مختلفة في كل مرة...لا أظن بأنه توجد في الجزائر جريدة ليس ل «الشعب» لمسة فيها.
يجب التّركيز على السّبق الإعلامي لتجاوز الإثارة
❊ كيف تُقيِّمون الجريدة بين الأمس واليوم؟ وما هي اقتراحاتكم في حال تسجيل نقائص؟
❊❊ عندما اشتغلت فيها كانت تصدر في زمن الحزب الواحد، ولكنها لم تكن أبدا جريدة الرأي الأوحد، أبدا ما كُنّا كصحفيين نتلقى التعليمات، كُنَّا نتحمّل مسؤولياتنا فحسب، أغلبنا لم يكن مناضلا في حزب جبهة التحرير، لم يكن مفروضا علينا ذلك. ورئيس التحرير أو المدير هما السيِّدان في آخر المطاف، هما اللّذان يحرصان على الخط الافتتاحي ولكنهما أبدا ما كانا يوجهان الانتقادات مباشرة للصّحفيين.
لم يكن هناك إعلام فقط، كان هناك تكوين إعلامي وتربية سياسية ووطنية بأتم معنى الكلمة، عدا بعض المسائل الرسمية التي لا نتجاوزها، كُنَّا نكتب ما نراه جديرا بالكتابة، ولعل هذا ما جعل الجريدة شعبية بحق...
اليوم هناك تبدل في نوعية الإعلام المقدم للجمهور، أصبحت الإثارة هي جوهر الكتابة وغايتها، وليس تنوير الرأي العام، وإعلام الإثارة إعلام سهل، لذلك أصبحت الموازين غير متكافئة في السوق، ولم تعد الجريدة تحتل المكانة المرموقة التي كانت لها بالأمس، والحل في تقديري أن تُركّز «الشعب» على السبق الإعلامي الذي وحده يستطيع تجاوز الإثارة، في مجال استقطاب القراء.
وهنا يُفترَض أن تعمل الجريدة على مواضيع الانفراد، من خلال تمكين صحافييها من الوصول إلى مصادر الخبر قبل غيرهم، وفي ظرف وجيز ستتمكّن الجريدة من أن تصبح مصدرا للأخبار وللمعلومات الجديدة التي انفردت بها، وعندها سيبحث عنها القراء وسيكتشفون أقلامها ومقالاتها مرة أخرى...وخلال سنة أو سنتين ستستعيد مكانتها الأولى في الساحة الإعلامية كما كانت.
لابد من التّماشي مع الفضاء الإلكتروني
❊ ما الذي تقوله للجريدة في عيد ميلادها وأنت كنت أحد أبنائها؟
❊❊ رصيد الجريدة الكبير ينبغي أن يُستثمَر اليوم، والمجال الالكتروني أمامها مفتوحا في المستقبل لتُعيد تشكيل نفسها بطريقة أخرى، جمهور القرّاء اليوم يُمكِن أن يكون في أي نقطة في العالم،عندما تنفرد بالخبر، أو بالحوار أو بالفيديو، فإنّ القرّاء سيتداولونه على نطاق واسع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
مستقبل الجريدة هو في أن تتبنّى سياسة إعلامية مُبتَكَرة ومتماشية مع الفضاء الالكتروني..لتُفكِّر الجريدة بأنها لن تكون ورقية بعد 05 أو 10 سنوات، وبأنها ستَنشُر أخبارا غير مكتوبة عبر الفيديو...وستسبق الآخرين لهذا الحقل، هذا منعرج قادم ستضطر كل الصحافة للمرور به، وسيفوز مَن يتحكَّم فيه بطريقة أفضل.
❊ هل هناك نقطة تريدون أو أنّكم تتوقّعون منّي طرحها وترون أنّها مهمّة؟
❊❊ لعلّي أنا من خرجت عن الموضوع، معذرة على ذلك، أتمنى لك التوفيق ولجميع الطاقم من تحرير وتسيير، وأن نراكم تنظمون يوما دراسيا خاصا عن كيفية المنافسة في مجال الصحافة الالكترونية وشكرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.