لم يعمل دستور نوفمبر الماضي فقط على تعزيز الفصل بين السلطات بل تمت مراعاة أيضا أن يكون الفصل مرنا، أي أن تكون مؤسسات الدولة الدستورية متكاملة ومتوازنة فيما بينها وأن لا تعمل كل مؤسسة على حدى أي أن كل سلطة وإن كانت مستقلة عن السلطة الأخرى فان عملها يحتاج إلى سلطة أخرى وهي أهم المبادئ التي جاءت في ديباجة الدستور بالإضافة إلى استقلالية العدالة ورقابة عمل السلطات العمومية وضمان الأمن القانوني والديمقراطي. مسألة التوازن بين السلطات والتكامل بينها جسّدها الدستور الجزائري كمّا ونوعا في صلاحيات السلطة التنفيذية وصلاحيات السلطة التشريعية وذلك إذا ما قارناه بدستور 2016 الذي أعطى صلاحيات أكبر للسلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية، أما الدستور الحالي فيعطي صلاحيات «أوسع» للسلطة التشريعية باعتبار أن البرلمان هو الممثل للشعب الذي يعتبر مصدر كل السلطات. وهذا ما تجسّد فعلا خلال الانتخابات التشريعية الماضية والتي أعادت رسم الخريطة السياسية في الجزائر وأعطى روحا ونفسا جديدا للغرفة السفلى للبرلمان من خلال إعطاء ثقة أكبر للشباب وللقوائم المستقلة على حساب بعض الأحزاب التي تقهقرت في سلم أولويات المواطن الجزائري، علّ وعسى يستعيد هذا الأخير ثقته بالسلطة من خلال العمل الذي سيقدّمه النواب الجدد ومهامهم في العمل التشريعي وعلاقتهم مع الجهاز التنفيذي الذي ستحدّد ملامحه خلال الأيام المقبلة والذي سينصب عمله لا محالة في خدمة المواطن والشأن العام. ولعلّ مسألة التشريع بالأوامر التي كانت من صلاحيات السلطة التنفيذية ومنحت للبرلمان في الدستور المعدّل أكبر دليل على الرقابة التي ستخضع لها الحكومة الجديدة من طرف نواب البرلمان الذين ستكون لهم الأولوية وصلاحية التشريع في القواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية وهذا ما سيزيل اللبس على عديد الصفقات التي كانت توقّع فيما مضى تحت الطاولة وأحالت عديد الملفات على العدالة وأطاحت برؤوس كبيرة كانت تصول وتجول بأموال الجزائريين وكبّدت الخزينة العمومية الملايير من الدولارات التي لا يزال المواطن اليوم يدفع تبعاتها. * مبدأ التكامل كما أن مسألة التكامل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تكمن حسب بعض المحللين في كون السلطة التشريعية تقوم بمناقشة القوانين التي تعرضها على الحكومة وتقوم بمراقبتها عن طريق الموافقة على مخطط عملها وغيرها من أدوات الرقابة الدستورية وتحتاج السلطة التنفيذية في سير عملها للقوانين التي تسنها السلطة التشريعية، في حين أن سلطة القضاء تراقب عمل كل منهما باعتبارها سلطة مستقلة. اهتمّ المشرّع الجزائري في الدستور المعدّل نوفمبر الماضي بمبدأ التكامل والتوازن بين السلطات وأعطى لكل منها صلاحيات وضوابط مقنّنة تعمل بها، وإذا كان دور البرلمان هو التشريع والمراقبة فإن العمل الأكبر يقع على عاتق الحكومة باعتبارها الجهاز التنفيذي الذي أعطيت له جميع الصلاحيات لتنفيذ برنامج الرئيس محليا ووطنيا والمساهمة الفعالة في بناء عقد جديد يشمل كل جوانب الحكامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بهدف استرجاع ثقة الشعب في حكامه وفي مؤسساته من خلال ترسيخ قيم المجتمع الذي لا مكان فيه للفوارق بين الجزائريين مهما كان مستواهم الاجتماعي وتجسيد مبدأ تكافؤ الفرص بن الجميع في كنف نظام ديمقراطي يكرس استقلال العدالة و يضمن شرعية المؤسسات. ولعلّ أهم التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة هو مواصلة العمل على إخراج الجزائر من مرحلة اقتصادية حرجة إلى مرحلة جديدة يستعيد فيها الشعب ثقته بمؤسسات الدولة والمساهمة مع كل القوى السياسية والاجتماعية والنخب الوطنية في داخل وخارج البلاد من أجل بناء الجمهورية الجديدة التي لا تبنى إلا بسواعد جميع أبنائها.