"أغاية الدين أن تحفوا شواربكم ، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" حينما جادت قريحة الشاعر الفطحل أبو الطيب المتنبي بهذا البيت لم يكن يقصد الاستهزاء أو التقليل من شأن السنة النبوية الشريفة الخاصة بإعفاء اللحية و قص الشارب و إنما كان ينتقد الجمود و الفكر الآسن الذي يقلب الأولويات رأسا على عقب و يهتم بالقشور على حساب اللب فبالرغم من أن المتنبي و لحسن حظه عاش في زمن كان فيه للخلافة الإسلامية شأن عظيم عسكريا واقتصاديا و سياسيا و حتى ثقافيا إلا أن نفسيته التواقة للسمو والرفعة ارتدت ثوب الرفض لذاك الواقع و تطلعت لغد أرقى في كل المجالات. لكن ماذا لو كان الذي نظر الأعمى إلى أدبه وأسمعت كلماته من به صمم يعيش بين ظهرانينا اليوم أكان سيقنع ببيت واحد أم يكتب فينا دواوين وقصائد عصماء يرفع بها الرداء عن عوراتنا ويفضح سوآتنا ويذمنا ويسبنا ويشتمنا و يكوينا بنكباتنا و نكساتنا، فنحن أمة مع أنها حبيسة الماضي وصواريخ خطابات منظريها و مفكريها تنطلق دائما عبر منصات أفعال الماضي الناقصة "كان وكل أخواتها و ضراتها " ومع ذلك فإنها لم تستفد أبدا من هذا الماضي ما دامت قراءته و تفحصه و الغطس فيه يكون دائما محاطا بهالة من القدسية تلغي الموضوعية و تعدم العقل و ترفع من شأن روايات بشرية إلى مصاف النقل فتتكرر نفس الغلطات و تلدغ الأمة من نفس الجحر آلاف المرات. الاستشهاد ببيت المتنبي كان ضرورة لرفع اللثام عن منطق مخبول خول لفاقد الشيء الواحد أن يعطي عدة أشياء في آن واحد و أضحى عنوانا رئيسيا لسياسات خارجية و إعلامية لعدة دول عربية تسلقت سلم الزمن بسرعة طائشة معتمدة على بطاريات تشحن بالبترول و الغاز و الطائفية المقيتة و المذهبية الكريهة و تحرق في نفس الوقت جثث استحقاقات كل مرحلة بلا شفقة ملغية واقعها السياسي والاجتماعي و الثقافي العاثر و المتخلف بإصرار و تعمد و تنثر رماد كلمات عن الانتخابات و حقوق الانسان وتداول السلطة عبر منابر فضائية تدافع و ترافع عن أضداد إديولوجية ومتناقضات فكرية ممزوجة كسائل في كأس واحد بمذاق أمر من العلقم و توظف المقدس بمباركة غربية يذكرنا بأيام الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي و السوفياتي و كيف تم الزج بآلاف الشباب العربي المتلهف لممارسة شهوة الموت المثالي هروبا من الضيم و الظلم إلى ساحة القتال لاصطياد الدب الروسي بأفغانستان ثم التوجه إلى فلسطين بعد ذلك وكأن طريق تحرير القدس لم تكن لتعبد إلا عبر كابول و قندهار ، فكانت نتيجة هذه العملية السياسية المخابراتية التي تواطأ فيها عدد كبير من أجهزة الاستخبارات العالمية و الاقليمية على حد سواء أن عادت بالوبال على الدول العربية التي كان يعتقد مسيروها آنذاك أنهم نجحوا في تصدير مشاكلهم الداخلية إلى خارج الحدود إلا أن الأيام أثبتت أن أفغانستان كانت بمثابة مشتلة نمت فيها و بشكل متسارع الأشواك التكفيرية فعاد من بقي حيا من الأفغان العرب إلى ديارهم و حدثت المأساة . إننا حقا أمة غبية لا تتعلم من أخطائها السابقة و هاهي تسلم رقبتها للسياف مجددا فما أشبه اليوم بالبارحة فجزء منا يرى أن أول خط في الدفاع عن المسجد الأقصى هو تحرير القصير من جور ساكنيها و أبنائها حتى و لو كان في ذلك سقوط أخلاقي و احتقان طائفي ما دامت الغاية أن تبقى راية المقاومة ترفرف عاليا و جزء آخر مصمم أن تبقى بحيرات الدماء تغدق على وديان الشام و تروي الدمار لتمنع بزوغ الهلال الشيعي كأولوية ملحة لحلحلة المشكلة الفلسطينة ، حقا إن الجميع يلوح بغصن الزيتون في مزاد فلسطين كل شار يزيد في الثمن حسب احتياجات المرحلة .