يقول مثل صيني :" ليس المهم أن يكون لون القط أسود أو أبيض، المهم أن يلتهم الفئران ". و هو مثل يعبر بشكل أو بآخر عن الأوضاع الراهنة للصين , البلد الذي أكد للعالم أنه ليس المهم أن تكون شيوعيا أو ليبيراليا , و لكن المهم أن تهيمن اقتصاديا . فالصين التي انهىت هذا العام الخطة الخمسية ال12 للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية ,قد دعمت رغم العوائق موقعها الاقتصادي , و تحولت إلى عملاق اقتصادي يتوقع المحللون أن تصبح قوة عظمى بحلول سنة 2020 . فعند انتهاء الخطة الخماسية السابقة , كان الناتج الإجمالي المحلي للصين في حدود 3,3 تريليون دولار و من المتوقع أن يقفز عند انتهاء الخطة المقبلة ,إلى أكثر من 7 تريليون , و عندئذ سيفوق حجم إجمالي ناتج الصين المحلي كل الناتج المحلي الإجمالي لكل دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. وسوف تنتج الصين، بمرور الوقت، منتجات أكثر تطورا وتعقيدا، ومنها أنظمة طاقة خضراء و و وسائل نقل مناسبة لاقتصادات ما بعد الكربون المستقبلية. وسوف يعطيها ذلك نفوذا دوليا متزايدا. * عوائق تهدد النجاح لقد حقق الاقتصاد الصينى خلال العقدين الأخيرين نتائج إيجابية، لاسيما على صعيد معدلات النمو الحقيقى والصادرات، وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، وبدأ هذا الاقتصاد يخطو بخطوات ثابتة نحو صدارة الاقتصاد العالمى، مزيحا بلدان كبرى منافسة له فى العديد من القطاعات الاقتصادية وهذه المؤشرات جعلت بعض الآراء تذهب إلى أن القرن الحالى سيصبح قرنا صينيا تتصدر فيه الصين الاقتصاد العالمى. ولكن مقابل هذه الآراء، هناك من يقلل من فرص نجاح الصين فى تحقيق هذا الهدف لأسباب كثيرة، أهمها ما يتعلق بمحددات وطريقة اندماج الاقتصاد الصينى فى الاقتصاد العالمى، وخاصة المحددات الداخلية النابعة من الفلسفة والأيديولوجية التى بنى عليها النمو الاقتصادى الصينى، وصعوبة الحفاظ على استمرارها فى ظل عضوية الصين فى منظمة التجارة العالمية و ما يكتنفها من قيود موضوعية أو مفتعلة ، يضاف إلى ذلك طبيعة هيكل الاقتصاد الصينى، وما يعانيه من تناقضات داخلية، وما يصادفه من منافسة خارجية ورغم تفاوت الرأيين السابقين، يلاحظ أن كليهما يتفق فى أن نجاح الصين فى أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى فى العالم مرهون بطبيعة علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الدول الآسيوية، خاصة مع اليابان والهند والكوريتين، وذلك بسبب التشابه فى البنيان الاقتصادى فى معظم هذه الدول، والتقارب فى الآليات المتبعة لتحقيق النمو، خاصة فى مجال فنون الإنتاج، وأساليب زيادة الإنتاجية والقطاعات المستهدفة، وكذلك لوجود نوع من التكامل الصناعي بشكل أو بآخر بين بلدان هذه المنطقة الآسيوية يجعل اقتصادات بعض هذه البلدان بمثابة رءوس كبرى مكملة و مدعمة لاقتصادات البلدان الأخرى، ومنها الاقتصاد الصينى. مواقف تثير تساؤلات و في المقابل , تطرح مواقف جمهورية الصين الشعبية حيال مختلف النزاعات التي تعيشها مناطق عديدة في العالم , تساؤلات ملحة حول مدى انسجام هذه المواقف مع المكانة الاقتصادية للصين , باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد عالمي منذ إزاحتها اليابان من هذه المرتبة في 2010, فضلا عن كونها أكبر دولة تجارية و أكبر مصدِّر و ثاني أكبر مستورد ؟ و رغم أنها أصبحت أيضا ثالث مصدر للسلاح بعد الولاياتالمتحدة الإمريكية و روسيا , وامتلاكها أول جيش في العالم من حيث التعداد , و تعرضها للكثير من المضايقات من طرف منافسيها على الأسواق العالمية و موارد الطاقة , إلا أن الصين اعتمدت على الدوام أسلوب النأي بالنفس عن الصراعات , الدعوة الأطراف إلى الهدوء و ضبط النفس و معالجة الأزمات بالطرق السلمية ... كان ذلك موقفها من كل الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية تحت مسمى "ثورات الربيع العربي " ثم موقفها من أزمة اليمن , و ليبيا و جنوب السودان و أوكرانيا , و فلسطين , و القضية الأفغانية , و الصومالية , و دعت إلى بذل جهود لتحقيق السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية ,و إلى الحوار حول التوتر بين العراق و تركيا مؤخرا , و قبلها حادثة إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ تركي . و حتى بصفتها إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولى , فإن الصين لم تلجأ إلى استعمال حق النقض سوى 10مرات , نصفها كان بمعية الاتحاد السوفياتي , و روسيا بالخصوص , و 4 من هذه الفيتوهات كانت من نصيب الأزمة السورية . غير أن الصين لم تحصد نتائج تذكر من مواقفها هذه , سواء على المستوى السياسي , الديبلوماسي , او الاقتصادي , أو حتى على صعيد محاربة الإرهاب الدولي , تظل مساهمة الصين تقتصر على توزيع وعود بتقديم كل أنواع الدعم للدول المستهدفة , إو تلك المهددة , كالعراق و فرنسا على سبيل المثال . * لا يمكن للصين أن تكتب قواعد الاقتصاد العالمي غياب الحزم في المواقف الصينية إزاء القضايا الحساسة التي تتعلق بالسلم و الأمن الدوليين , دفع منافسيها على الساحة الدولية , إلى فرض شروطهم عليها , و إملاء قواعد اللعبة التي تتناسب و مصالحهم , حيث أعلنت الإدارة الأمريكية بلسان رئيسها باراك أوباما ,بأنها لن تسمح للصين بأن تكتب قواعد الاقتصاد العالمي، وذلك عقب توصل الولاياتالمتحدة و11 دولة مطلة على المحيط الهادئ إلى اتفاقية تجارة حرة في أكتوبر من العام الجاري . و صرح الرئيس الأمريكي في هذا الخصوص قائلا: "عندما يعيش ما يزيد على 95% من مستهلكينا المحتملين خارج حدودنا، فلا يمكن أن نجعل دولا كالصين تكتب قواعد الاقتصاد العالمي". . إن نبرة الهيمنة في هذا التصريح لم تمنع الخبراء الاقتصاديين من تذكير الرئيس الإمريكي بأن كل الدول الموقعة على الاتفاق المذكور بما فيها الولاياتالمتحدة الإمريكية , لها مصالح اقتصادية متداخلة مع مصالح الصين و التي لا يمكنها الاستغناء عنها . و قد تسببت ردود الفعل المحتشمة للصين تجاه ضغوط الاقتصادات المنافسة , و لاسيما الولاياتالمتحدة الإمريكية و اليابان و ألمانيا و معاركها حول تصدير التربة النادرة , و حول سعر صرف العملة الصينية , و خاصة حول الديمقرطية و حقوق الإنسان , أدى كل ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي للصين , خلال العام الجاري و ربما العام المقبل كذلك و ما يستتبع ذلك من انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي كله . وهذا التردد لدى الصين في تبني قرارات صارمة لتكريس مكانتها كقوة اقتصادية ,جعلت محللين يرون بأن الصين تحتاج – لكي تصبح قوة عالمية كبرى – أن تهيمن بطريقة منقطعة النظير في المجال العسكري إلى جانب المجال الاقتصادي , وفي هذا السياق قال لورينس ساويز المحاضر في مدرسة الدراسات الأفريقية والشرق 'أنه عندما تقرر الصين أن تسيطر على تايوان ، ستصبح في ذلك الوقت قوة عظمى' , ونقول : ان تايوان ستظل نقطة تراجع وإخفاق في سجل انبعاث الإمبراطورية الصينية خلال العقود القادمة , ولن تتمكن الصين من التحول الى قوة عظمى ما لم تستعيد بطريقة او أخرى هيمنتها على تايوان . و باستعارة الحكمة الصينية , فإن القط الصيني أيا كانت ألوانه , ما زال عاجزا عن التهام الفئران و تلك مشكلة لمن يعتمد عليه في مثل هذه المهمة .