الهجوم على قطر: تنديد دولي واسع بانتهاكات الكيان الصهيوني المهددة للأمن والاستقرار في المنطقة    معرض التجارة البينية الإفريقية: عرض فيلم "لومومبا" رمز المقاومة و التحرر الإفريقي بسينماتيك العاصمة    الجزائر كانت ولا تزال تعمل على توحيد صوت إفريقيا وإعلائه في المحافل الدولية    الشركة الجزائرية القطرية للصلب توقع أربعة عقود ب420 مليون دولار    معرض التجارة البينية الإفريقية: مؤسسات جزائرية توقع عدة عقود في مجال الصناعات الميكانيكية    بجاية..اختتام الطبعة الثالثة للمخيمات الشبابية المتخصصة    حماس تؤكد نجاة وفد الحركة .. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف قيادات حماس بالدوحة    رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو يقدم استقالته    جمباز: الجزائرية كيليا نمور تشارك في ثلاث محطات كبرى في نهاية 2025    تيبازة.. مشروع لإنجاز مشتلة ذكية بطاقة إنتاج 3 مليون نبتة سنويا    عين تموشنت.. تدعيم المرافق الصحية بعشر سيارات إسعاف جديدة    عبر 6 ولايات من غرب البلاد.. فتح 48 سوقا جواريا لبيع المستلزمات المدرسية    ابتداء من الموسم الدراسي الحالي.. إعادة هيكلة مواد ومواقيت السنة الثالثة ابتدائي    زهير بللو:الجزائر تزخر بتراث عالمي متنوع يشهد على غنى تاريخها    أشرف على افتتاح المعرض الفني الختامي للإقامة الإفريقية "حوار وإبداع إفريقي".. بللو: الجزائر تسعى لتكون مركزا جامعا لحماية الثقافة والتراث الإفريقي    مشاركة المحافظة السامية للأمازيغية في معرض الجزائر الدولي للكتاب..تقديم 16 كتابا جديدا ويوم دراسي حول المسائل اللغوية الحالية    وفاة المغني حميد مدورعن عمر ناهز 50 سنة    المسرح الجهوي لبجاية: عرض شرفي لمسرحية جديدة حول غزة يوم 27 سبتمبر    هاكاثون..شراكات استراتيجية واستثمارات ضخمة في اليوم السادس لمعرض IATF 2025    سوناطراك تشارك في مؤتمر "غازتك" الدولي بميلانو لتعزيز حضورها العالمي    "اضطراب ما بعد الصدمة في المجتمع الإسرائيلي 2/2    المجتمع الدولي خذل الفلسطينيين في غزة    قطاعنا مؤهل لوضع تجربته الرائدة في خدمة الدول الإفريقية    توقع ثلاثة عقود بقيمة 60 مليار دج مع عدة مؤسسات وطنية    زيتوني يترأس اجتماعا هاما بوزارة التجارة الداخلية    بوغالي يترأس بالقاهرة أشغال الدورة 39 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي    سعداوي يؤكد أهمية تحيين البرامج التعليمية والتكوينية    فتح 6770 منصب في التكوين المهني بخنشلة    درّاج جزائري يتألق في تونس    التأهّل إلى المونديال يتأجّل    موقع إسباني يفضح خيانة المخزن    حضارة فيلو صهيونية    حرقة الأطفال .. منحى جديد للمغامرة الخطيرة    حجز مُحرّكات بغرداية    تصفيات كأس العالم 2026: الجزائر تتعادل أمام غينيا (0-0)    المؤسّسات الروسية مهتمّة بالاستثمار في الجزائر    توقيع عدّة اتفاقيات في مجال النّقل البحري    التأهل إلى المونديال يتأجل وبيتكوفيتش يثير الحيرة    الفريق أول شنقريحة يعزّي في استشهاد العريف الأول المتعاقد عماري سيف الدين    الجزائر-أوغندا.. تسهيل الإجراءات الجبائية والجمركية    وزارة التعليم العالي تفرج عن رزنامة تحويل الطلبة    حجز 20 قنطارا من "الشمة" المقلّدة    رقابة مشددة على الأسواق المحلية    إبراز القيم الإنسانية والفكرية للأمير عبد القادر    بطولة إفريقيا للأمم لكرة اليد أقل من 19 سنة إناث: الجزائر تفوز على مالي (39-16) وتحقق انتصارها الثاني    قطاع الصيدلة سيشهد توقيع عقود بقيمة 400 مليون دولار    الوفد الجزائري لألعاب القوى يحلّ بطوكيو    تجسيد برنامج تمويل المشاريع الموجّهة للشباب    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    قصة ثمرة صغيرة صنعت هوية مدينة    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    الإعلان عن قائمة الوكالات المؤهلة    اجتماع عمل تقني بين قطاعي الصناعة الصيدلانية والصحة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    المولد النبوي يوم الجمعة    يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    ذكرى المولد النبوي الشريف ستكون يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“القدس: تاريخ مختطف وآثار مزورة”.. اختطاف التاريخ كمقدّمة للاحتلال
نشر في الحياة العربية يوم 15 - 05 - 2020

يستند المؤرّخ والباحث الفلسطيني عصام سخنيني (1938 – 2019) في جملة مؤلّفاتٍ تفكّك المشروع الصهيوني بوصفه امتداداً للاستعمار الغربي، وكيف اخترع تاريخاً لاهوتياً يطمس التعدُّد الحضاري والثقافي في منطقتنا، بحيث يفصل حركة العبرانيّين عن جميع شعوبها ويُضخّم دورهم أو يخلق بطولات وأساطير تخصّهم ولم تقع أساساً.
سعت “إسرائيل” إلى تركيب واقع يطابق ماضيها المختلَق كخطوة ثانية، وهو ما يضيء عليه كتابه “القدس: تاريخ مختطف وآثار مزورة”، الذي صدرت مؤخّراً طبعته الثالثة عن “دار العائدون للنشر”، عبر تتبّعه أحدث الأبحاث التاريخية والأنثربولوجية والمكتشفات الأثرية ومراجعاتها حتى عام 2009؛ تاريخ نشر الطبعة الأولى، في محاولة لإعادة كتابة تاريخ المدينة المقدَّسة.
يفنّد المؤلّف تحقيب الصهاينة لتاريخ فلسطين القديم الذي وُضع استناداً إلى أساطير توراتية، عبر تقسيمه إلى مراحل: عصر الآباء، ثم عصر الانقطاع حين كان اليهود في مصر، ثم الخروج منها و”فتح” فلسطين والتوطّن فيها، يليه عصر القضاة ومنهم حكم شاول، فقيام المملكة الموحّدة في زمن داود، وبعدها انقسامها إلى مملكتين، مروراً بالنفي البابلي، إلى عهد الهيكل الثاني.
وأُخرس بذلك التاريخ الفلسطيني القديم الذي وقع في قبضة التوراة، ولم يعد يحمل أي مضمون أو معنى، وفق الكتاب الذي يستخدم تعبير “فُرض عليه الصمت والسكوت” للباحث البريطاني كيث وايتلام، في احتكارٍ للماضي ونفي لوجود الشعوب التي عاشت في المنطقة العربية وتنحصر قيمتهم – بحسب السردية التوراتية – بأنهم كانوا مقدّمة لقيام مملكة داود عام 1004 ق. م، ولا تاريخ لهم قبل التحاقهم بها!
عملية أسْر ممنهجة ينبّه إليها صاحب كتاب “فلسطين والفلسطينيون، صيرورة تكوين الاسم والوطن والشعب والهوية” (2003)، ويرى أنها ابتدأت مع تسمية المكان التي لا تشير إلى “وظيفة تعريفية فقط، بل تدخل ضمن معطيات الصراع على فلسطين، لما يحمله الاسم من إيحاء تاريخي ومدلولات قومية ومقدّمات للاستنتاج السياسي، وبكل ما يترتّب على ذلك من لواحق الصراع ووقائعه المادية، وعلى الأخصّ الامتداد الإقليمي للمكان، ورسم تخومه”.
ماضي “إسرائيل” المزيّف نُسج مع تدوين “الكتاب” (المقدّس)، كما يرى العديد من الدارسين عبر التاريخ الذين نزعوا عنه صفة القداسة، إذ يعود سخنيني إلى ابن حزم الأندلسي في مؤلَّفه “الفصل في الملل والأهواء والنحل”، ويورد فيه كيف وضع الكاهن عزرا التوراة حين رجع من منفاه البابلي حوالي سنة 458 ق. م، بداية العهد الفارسي، ليتّفق معه الفيلسوف الهولندي سبينوزا بعد أربعة قرون، والذي طردته المحكمة الدينية وجرّدته من يهوديته.
يتتبّع الكتاب تطوّر الدراسات الكتابية المتحرّرة من الرواية التوراتية السائدة مع المستشرق الألماني يوليوس ولهوزن (1844 – 1918) الذي قام بكتابة التوراة على مراحل، وأنّ قداسة الهيكل جاءت في مرحلة متأخّرة جدّاً، إلا أنّ الانفجار الكبير في هذه الدراسات حدث في سبعينيات القرن الماضي على أيدي توماس طومسون، وفيليب ديفيز، ونيلز بيتر لمكه وغيرهم ممّن أوضحوا أن تأليف اليهود لكتابهم المقدَّس بدأ في القرن الرابع قبل الميلاد وتواصل حتى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، حتى أن بعضهم اعتبره كتاباً هلنستياً تأثّر كتبتُه بشكل أساسي بالمؤرّخ اليوناني هيرودتس.
طوال ألفَي عام، ظلّت تلك الأسفار حبراً على ورق إلى أن نشأ علم الآثار الكتابي أواسط القرن التاسع عشر، بحسب سخنيني، حيث تشابك الديني والسياسي والأسطوري لدى أركيولوجيّين تعاملوا مع الكتاب المقدَّس كوثيقة تاريخية، وفي مقدّمتهم عالم الآثار الأميركي وليام فوكسويل ألبرايت (1890 -1971) وتلميذه جورج إرنست رايت (1909 – 1974)، موضّحاً كيف تقاسمت الدول الاستعمارية الكبرى التنقيب في المنطقة، وأسّست جمعيات آثارية بحثت عمّا يُثبت حقّ اليهود في وطن لهم بفلسطين.
منذ تلك الفترة، اختُرعت رموز مادية من نقوش وألواح حجرية وبقايا مبانٍ بدءاً من “قلعة مسادا” (قلعة مسعدة) التي تقع على مرتفع غرب البحر الميت، كما يسلسلها الكتاب الذي يستشهد بكتابات إسرائيلية تنفي اكتشاف أيّ دليل أثري على وجود يهودي في “أورشاليم” زمن ملك داود وسليمان، ومنهم هيروزوغ الذي يؤكّد أن أعمال التنقيب المتواصلة منذ مئة وخمسين عاماً أظهرت بقايا مهمّة من المدن التي تعود إلى عصر البرونز الوسيط والعصر الجديد الثاني، إلا أنها لم تكتشف أية آثار تعود إلى المملكة المتحدة (يهوذا والسامرة).
يشير صاحب كتاب “الإسرائيليات؛ مكونات أسطورية في المعرفة التاريخية العربية” (2004)، إلى أن نتائج البعثات الأركيولوجية لم تصل إلى دليل مهمّ على أن القدس كانت مأهولة في القرن العاشر قبل الميلاد؛ حيث لا بناء أو أثر ينتمي إلى تلك المرحلة (فترة الحكم اليهودي وفق التوراة)، ما يرجّح أنها كانت محدودةَ الاتساع كقرية مثل العديد من القرى الصغيرة على رؤوس الجبال، وهي خلاصات باتت راسخةً لدى الكثير من الآثاريّين الإسرائيليّين والغربيّين مثل دايفيد أوسيشكين وجين كابل وإسرائيل فنكلشتاين ورفكا جورين.
الزعم بوجود الهيكلين الأول والثاني الذي تمّ تجديده خضع لأوهام الكتاب المقدّس، التي يبيّن سخنيني مخالفتها للوقائع التاريخية، بدءاً من كورش الذي يصوّره بأنه أمّر ببناء الهيكل وإعادة المنفيّين اليهود من بابل، بينما هو كان مؤمناً بملك الآلهة مردوخ، ما تمّ تطبيقه أيضاً على هيرود الأدومي في فترة تعرّضت قبيلته خلالها إلى الغزو اليهودي من قبل الأسرة المكاببية (الحشمونية)، لكن لم ينظر إليه بوصفه يهودياً من قبل الكهنة الذين قرّروا الاعتراف بيهودية الجيل الثالث أو الرابع من الأدوميين.
يستعرض سخنيني تاريخ هيرود الذي سيطر على مناطق الجليل والقدس في فترة لاحقة متحالفاً مع الرومان، وأصدر حكم القتل على جميع أعضاء السنهدرين (المحكمة اليهويدة العليا)، وخصّص أكثر من نصف مساحة الهيكل حين جدّد بناءه لغير اليهود أيضاً، في محاولة منه لإحداث التوازن بين جميع أتباع الديانات في مملكته، وملأ جدرانه بالمجسّمات الحيوانية الموجودة في العمارة الرومانية، مخالفاً بذلك الشريعة اليهودية التي تحرّمها، ورغم ذلك كلّه يجري تصويره كمجدّد للهيكل الثاني.
ويرصد أيضاً كيف انهارت أحلام “علم” الآثار الصهيوني تباعاً كلما ظهر زيف بعض اللقى الأثرية المنسوبة إلى مملكة داود خلال القرن العاشر مثل نقش بهوآش وصندوق جيمس وختم منشه وغيرهما، بناءً على مسوحات وتحقيقات تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية الرسمية أثبتت أنها قطع قامت بتزويرها عصابة مكوّنة من تاجري عاديات إسرائيليين هما عوديد جولان وروبرت دويتش ومسؤول في المتحف الإسرائيلي هو رفائيل براون وآخرين.
ويُفرد الكتاب باباً خاصّاً للجدار الغربي من الحرم القدسي، حائط البراق (“حائط المبكى” بتسميته اليهودية) يعود فيه إلى المؤرخ إرنست مارتن، الذي يلفت إلى أنه لم يحمل أيّة قداسة لدى اليهود حتى العقود الأولى من القرن السادس عشر (زمن السلطان العثماني سليم أو ابنه سليمان) ولم يكن مقصد زيارة أو مكان تعبّد، إلى أن ادّعى رجل الدين إسحق لوريا أن الجدار هو ما تبقّى من الهيكل، كما رأى أحد تلامذته في المنام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.