ضمن الله سبحانه إجابة أي دعاء ندعوه به؛ حيث قال: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]، في هذه الآية لم يقل سبحانه: بعض، بل قال: (كل) ما سألتموه، فلن يرد الله أي سائل خائبًا أبدًا، وهذه قاعدة مهمة يجب أن نضعها في الحسبان؛ فليس بينك وبين تحقيق أمنيتك إلا أن تسأله سبحانه. هناك من يدعو ربه، فيحقق الله سبحانه له دعوةً خارقة، لم يتوقع إجابتها، ويستغرب من تحقق هذا الدعاء؛ فهذا زكريا عليه السلام حينما استُجيبت دعوته قال: { رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا } [مريم: 8]، فأجابه الله سبحانه وتعالى: { قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } [مريم: 9]، قد يكون استغرابه أن هذا الابن جاء من زوجته التي لا يمكن أن تلد، ولكن مهما يكن، فالله سبحانه وتعالى قد حقق دعاءه؛ رغم كبر سنه، وكون زوجته عاقرًا، ولعلنا نتفكر في هذه الإجابة، وأسبابها، وكيف حدث هذا الأمر، وكيف يمكن أن يستجيب الله لنا في أمور قد لا نتخيل وقوعها، ولعلنا نبحث في سر استجابة الدعاء الخارق بشكل سريع. نجد أن الله سبحانه وتعالى حثَّنا، ويحثنا دائمًا على الدعاء، وبشكل مستمر، وضمن لنا عددًا من الصفات الباهرة؛ يقول سبحانه: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [النمل: 62]، والدعاء في هذه الإجابة المضمونة ليس دعاء أي إنسان عاديٍّ؛ بل دعاء المضطر الذي أحاط به السوء من كل جانب، فأصبح مخلصًا لله سبحانه، قاطعًا قلبه عمن سواه، موقنًا بإجابة الدعاء، فيجيبه الله سبحانه، بل ويكشف عنه السوء، ويُمكِّن له في الأرض، فالله في هذه الآية يقول: من سيجيب المضطر غيره؟ وهذا فضل، ومنَّة منه سبحانه. والله قريب جدًّا من السائلين، بعكس ما نتصور: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186]؛ حيث ربط الإجابة بالاستجابة له سبحانه، ووعد بالرشاد في كل الأمور، وكذلك يطلب منا ربنا أن نكون قريبين جدًّا من الذين يدعون ربهم بالليل والنهار، ولا نبتعد عنهم أبدًا، ونصبر على معيتهم؛ يقول سبحانه: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [الكهف: 28]. بل ويقول سبحانه: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } [الفرقان: 77]، وهذا يعني أن الله لا يهتم، ولا يبالي بنا، لولا أننا ندعوه، فالدعاء يحبه الله ويرضاه، ويطلبه منا؛ وفي آية أخرى وصف من لا يدعو الله بالاستكبار عن عبادته: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60].