يعيش أخوين وشقيقتهم والمصابين باضطرابات ذهنية حياة ضنكة، لا تكفي الكلمات لوصفها، وزادت وضعيتهم سوءا، عجز والديهما التكفل بهم بسبب الظروف الاجتماعية القاسية، وفي ظل غياب أيضا أدنى دعم من قبل السلطات المحلية. بمجرد وصولنا إلى دوار بن عودة الموجود في منطقة معزولة عن منطقة البلج بتيبازة، شرعنا في البحث عن مسكن السيد أمحمد بن عودة، ولم نتمكن من الوصول إليه إلا بعد إرشادات السكان بحكم القرابة التي تربط سكان الدوار مع بعضهم البعض، فوجدنا الوالدة تنتظرنا عند مدخل ما يمكن اعتباره البيت العائلي، ولما ولجنا المنزل اصطدمنا بصورة أبنائها المرضى وهم ينتقلون من زاوية الى أخرى بفناء البيت والأنين لا يفارق أفواههم، وبمجرد أن لمحونا حاولوا الاختباء في أركان البيت خوفا منا. عزيز صاحب 18 سنة يتميز بالانطواء والهيجان في كثير من الأوقات رفقة الأخت الوسطى فاطمة 15 سنة، والتي تعد الأكثر اضطرابا مقارنة بشقيقيها فهي ترفض الانصياع لأوامر الوالدة. أما كريم 14 سنة فرغم إصابته باضطرابات عقلية فهو مقعد ويتميز بالهدوء وملامح الخوف بادية على محياه، غير أنه يعاني الويل من شقيقته فاطمة، حيث تترصده ليلا لتشبعه ضربا وتعضه إلى أن ينزف دما. حاولنا تصوير فاطمة غير أنها رفضت وشرعت في الصراخ والعويل والهروب من زاوية لأخرى والاختباء تحت غطاء داخل غرفة مظلمة لا تحوي سوى خزانة محطمة بها ملابسهم. ولا تحلم السيدة المغلوب على أمرها سوى بأخذهم للطبيب ليصف لهم أدوية مهدئة تنقص معاناتهم، خاصة أن صحتها باتت تتدهور يوما بعد يوم ولا تستطيع تهدئتهم. تزداد وضعية الأبناء الثلاث على حد تعبير والدتهم سوءا بسبب عمل الوالد المتذبذب كبناء عند الخواص ''فكيف له تتساءل الوالدة أن يوفر سعر الحفاظات الذي يبلغ 50 دينارا للواحدة، وكذا نقلهم إلى الطبيب وهو لا يتقاضى أجرا مستقرا ويبقى على عاتقه مسؤولية باقي أبنائه المتمدرسين وابنه البكر الذي يقضي حاليا فترة الخدمة الوطنية''. كما يؤكد الوالد بأن أبناءه بحاجة ملحّة لزيارة الطبيب مرة كل شهر من أجل معاينتهم وإعطائهم الأدوية المهدئة لأن هيجانهم يزداد كلما تقدموا في السن فتجدهم تارة منعزلين على أنفسهم ولا يرغبون بأن يقترب منهم أحد وحتى الأكل أو الشرب يرفضونه. وفي بعض الأحيان تجدهم في حالة هيجان يضربون بعضهم البعض إلى درجة أن يمزق كل واحد منهم ملابس الآخر، خاصة حالة فاطمة التي تنتابها حالات من الغضب تدوم لأيام دون أن يستطيع أحد فعل شيء. وفي ظل هذه الظروف، تبقى المساعدات التي تتلقاها هذه الأسرة من قبل السلطات المعنية، قليلة حتى لا نقول منعدمة، حيث يشير الوالدان أنهما يصارعان لوحدهما هذه الوضعية الصعبة، كما يدفع باقي الأبناء المتمدرسين الثمن، حيث تضطر البنتين الصغيرتين للعمل خلال فصل الصيف لتأمين دخولهما المدرسي.