إنّ نظامنا التعليمي لا يُعنى العناية الكافية بتكوين شخصية الفرد وتنمية مواهبه وقابلياته الخاصة، فنحن نحشر الطلاب حشرًا في صفوف مزدحمة، ونقدّم للجميع البرامج نفسها وكأنّهم جميعًا أجهزة ميكانيكية صبّوا في قالب واحد، ولذلك فإنّهم يتعلّمون الدروس ذاتها، ونريدهم أن يتعلّموا جميعًا بسرعة واحدة، من دون اعتبار للفروق الفردية والمواهب الفردية والحاجات الفردية لكل طالب، ودون أن نوفّر لهم الشروط الضرورية لذلك، من مطعم ونقل وإيواء وكتب مطالعة يرجعون إليها في بحوثهم، ودون أن يلتفت المربّي إلى حال الطالب الاجتماعية والعائلية، فقد تكون هي الأخرى عائقًا له في الطريق.. ولمّا كان التعليم عندنا غير مرتبط بالمحيط واحتياجاته، نجد مشكلة كبرى في إيجاد العمل للمتخرّجين من المدارس النّظرية، الّذين لا تؤهّلهم دراستهم للقيام بأيّ عمل منتج.. ومن هنا نشأت البطالة بين المتعلّمين وفشَت هجرة أدمغتنا إلى حيث لا رجوع.. وإذا كُتب الرجوع يومًا إلى الوطن المهجور كان رجوعًا سامًا منفصلا عن شخصية مجتمعه الّذي ترعرع فيه.. ومن المشاكل الداعية إلى الأسف انصراف بعض طلاب الثانويات وبعض المعاهد العالية في البلاد العربية، على العموم، إلى الشغب السياسي، فصار بعض محترفي السياسة يستغلونهم ويزجّون بهم في غوغائية هي والحياة العلمية على طرفي نقيض. ولاشكّ في أنّ مشاكلنا الأساسية، كأمّة عربية إسلامية، أنّنا لم نتّفق بعد على نُظم التعليم وأُسس المناهج. فهناك بلاد عربية لا تزال تؤكّد التعليم الديني وحده، مع إهمال بعض النّواحي الأخرى، كما أنّ هناك بلادًا لا تُعنى العناية الكافية بالتعليم الديني، وتنصرف على الأكثر إلى التعليم الزمني من النوع النّظري اللّفظي.. والإسلام من هذه وتلك براء. ولنعلم جميعًا أنّ مسؤولية الجيل الصّاعد تقع على رجال الحكم والفكر، وعلى أولياء الأولاد، ولذلك ينبغي لهم أن يغيّروا أحوالهم بسرعة، لأن الزمان لا يسايرهم، والتاريخ لن يرحمهم، ومن لم يتقدّم يتأخّر..