ناصري: الجزائر ستبقى سيّدة    عفو رئاسي عن آلاف المحبوسين    إطلاق اسم المجاهد درايعية على مقر مديرية الأمن الوطني    هذا جديد الجوية الداخلية    2.2 مليون منزل متصل بالألياف البصرية    هذا جديد ميناء الجزائر..    نهاية مهمة بن يحيى    ما هي الهالات السوداء    كالثلج بسرعة لن تصدقي جمال أبتسامتك    طريقة تنظيف ثريات الكريستال بعناية وخطوات سهلة    هذا نصاب الزكاة بالجزائر    من اندر الاسماء العربية    جامع الجزائر : ندوة علميّة تاريخيّة حول دروس عاشوراء وذكرى الاستقلال    400 كاميرا عالية الدقة لتأمين محطات تحلية المياه    نظام المغرب غير مستدام والانتفاضة الشعبية أمر حتمي    رئيس الجمهورية يترأس حفل استقبال بنادي الجيش    تكريم الرئيس تبون عرفانا بما يقدمه للرياضة الجزائرية    وزير الصحة يهنئ الجزائريين بحلول عاشوراء    العاب القوى/ الدوري الماسي-2025- مرحلة موناكو: مشاركة الجزائريين سجاتي ومولا في سباق 800م    ألعاب القوى/ ملتقى بوزنين الدولي: فوز الجزائري هيثم شنيتف بسباق 1500م    مشاريع تنموية جديدة بمناسبة الذكرى ال63 لاسترجاع السيادة الوطنية    المغرب أصبح مجرد ضيعة ملكية يأكل فيها القوي الضعيف    تكريم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال نهائي كأس الجزائر 2025    وزير الاتصال: رئيس الجمهورية منح الإعلام الوطني الدعم الذي يستحقه    رئيس الجمهورية يترأس حفل استقبال بمناسبة الذكرى ال63 للاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية    "سوقرال" تطلق تطبيق "طاكسي سايف" لطلب سيارات الأجرة المعتمدة    شعيب كوسة ومولود عكروف وكوثر فراحتية يتوّجون في مهرجان شعر الشباب بمستغانم    جانت : "سبيبا".. طقس احتفالي يقاوم النسيان ويروي بطولات أسلاف الطوارق    جامعة الجلفة: مناقشة 70 مذكرة تخرج في إطار مشروع مؤسسة اقتصادية    الحل الوحيد للقضية الصحراوية هو تنظيم استفتاء تقرير المصير    المغرب يستنجد بورقة الاستثمارات في الصحراء الغربية للقفز على حق الصحراويين في تقرير المصير    تأمينات: ارتفاع رقم الأعمال بأزيد من 13 بالمائة خلال الثلاثي الأول    أم البواقي : جمع أزيد من 700 ألف قنطار من الحبوب منذ بداية حملة الحصاد و الدرس    معسكر: افتتاح اللقاء الوطني السابع للفنون التشكيلية    طبق الفول التقليدي .. سيد المائدة الغرداوية في يوم عاشوراء    كهرباء: وضع حيز الخدمة عدة منشات جديدة بالعاصمة لتعزيز شبكة التوزيع    جانت : آليات الحفاظ على قصيدة "سبيبا" موضوع لقاء اكاديمي وعلمي    نهائي كأس الجزائر لكرة القدم 2025/ اتحاد الجزائر- شباب بلوزداد (2-0): الاتحاد يفتك الكأس التاسعة عن جدارة و استحقاق    عهد متجدّد ومسؤولية مستمرة لبناء وطن قوي    الجزائر تحتضن منتدى لترقية التجارة والاستثمار بين الإفريقيين    حق الصحراوين في تقرير المصير لا يمكن التنازل عنه    "حماس" تعلن جاهزيتها للبدء في مفاوضات وقف إطلاق النّار    عرض العصائر والمياه المعدنية لأشعة الشمس "سم قاتل"    صدور "خراطة من الاحتلال إلى الاستقلال"    توقرت: قطاع الصحة يتدعم بعيادة طبية نموذجية متعددة الخدمات    "الكاف" تحتفي بمجيد بوقرة قبل موعد "الشان"    اهتمام إسباني بضم رامز زروقي    تدشين مشاريع تنموية هامة وإطلاق أخرى    تكريم المتفوقين وحث على البعد الأكاديمي العالي في التكوين    هذه تفاصيل هدنة ترامب في غزّة    سورة الاستجابة.. كنز من فوق سبع سماوات    المجلس الأعلى للغة العربية ينظم احتفائية    نصاب الزكاة لهذا العام قدر بمليون و ستمائة و خمسة عشر ألف دينار جزائري    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57012 شهيدا و134592 مصابا    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أمراض هذا العصر: الإسراف والتّبذير
نشر في الخبر يوم 08 - 10 - 2014

قال الإمام ابن باديس رحمه الله تعليقًا على آية: “وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّهُ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا”. إنّ الشّيطان يعمل وأعماله كلّها في الضّلال والإضلال. فقد ضيّع أعماله في الباطل، وقد كان يمكنه أن يجعلها في الخير. وهو جاد في ذلك ضارٍ عليه لرسوخه في نفسه. والمُبذِّر يضيّع أمواله في الباطل وقد كان يمكنه أن يجعلها في الخير. وقد أخذت عادة التّبذير بخناقه واستولت عليه. فهو أخو الشّيطان لمشاركته له في وصفه كمشاركة الأخ لأخيه. وهو أخوه بامتثاله لأمره وصُحبته له في الحال وفي المآل وفي سوء العاقبة في العاجل والآجل... وهو أخو الشّيطان، لأنّ الشّيطان كان لربّه كفورًا. والمبذّر كان لربّه كفورًا.. والعياذ بالله”بتصرف.
نعم إنّنا نعاني الإدمان الاستهلاكي غير المتّزن، والإنفاق البذخي غير الرّشيد، بل نعاني وحشًا استهلاكيًا وغولًا شرائيّا وإدمانًا إنفاقيّا وهوسًا تسوقيّا وإسرافًا وتبذيرًا صنعته هذه الحضارة المادية الّتي تظلّلنا وتضلّلنا.
وما ترك القرآن الكريم هذا الموضوع الخطير في حياة النّاس من غير معالجة بل بيّن حكمه كامل البيان في غير ما آية، فقال تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، وهذا تحريم لكلّ أنواع الإسراف، لأنّ كلّ مكلّف لا يحبّه الله تعالى فهو من أهل العذاب، والدّليل عليه قوله تعالى: “وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالْنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ”، فدلّ هذا على أنّ كلّ مَن أحبّه الله فليس بمعذّب، وفي هذا نهاية التّهديد وغاية الوعيد.
والحقيقة أنّ أيّ تجاوز للحَدّ زيادة أو نقصًا يسمّى إسرافًا، لا كما يظنّ البعض أنّ الإسراف في الزّيادة فقط. وعليه فمعنى: الإسراف أمران اثنان: الأوّل: تجاوز الحدود الّتي شرعها الحقّ سبحانه عصيانًا، قال مجاهد: لو أنّ للإِنسان مثل جبل أبي قُبَيْس ذهبًا ثمّ أنفقه في حلّ ما عُدَّ سرفًا، ولو صرف درهمًا واحدًا في معصية يُعَدّ سرفًا. ولذلك قيل “لا خير في السّرف ولا سرف في الخير”. والثاني: تجاوز الحدّ إفراطًا أو تفريطًا في كلّ الشّؤون، ونتيجتهما واحدة ضياع الحقوق وهضمها، قال ابن عبّاس: ما من مسرف إلاّ ووراءه حقّ مضيّع.
يقول العلامة إسماعيل حقّي: “والإسراف نوعان: إفراط وتفريط” فالإفراط ما يكون فوق الحاجة الضّرورية أو على خلاف الشّرع أو على وفق الطّبع والشّهوة أو على الغفلة أو على ترك الأدب أو بالشّرَه أو على غير ذلك. والتّفريط أن ينقص من قدر الحاجة الضّرورية ويقصّر في حفظ القوّة والطّاقة... فمعنى “لَا تُسْرِفُوا” أي لا تضيّعوا حقوقنا ولا حقوقكم لحظوظكم.
فالسّرف تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر وكلّ السّرف منهيٌ عنه، وإن كان سياق الآية في الأطعمة والأشربة، فقد قال بعضهم الإسراف هو أن يأكل الرّجل كلّ ما يشتهيه، ولا شكّ أنّ من كان تمام همّته مصروفًا إلى الطّعام والشّراب كان أخسّ النّاس وأذلّهم.. فمَن جعل شهوة بطنه أكبر همِّه فهو من المسرفين، ومَن جعل لباسه وهندامه أكبر همِّه فهو من المسرفين، ومَن أنفق ماله في التّوافه فهو من المسرفين، وما كان المسرف من المتّقين.
إنّ السّرف يضرّ الدِّين والعقل والبدن والمال والحياة، ولذلك ما ذُكِر السّرف والمسرفون في القرآن إلاّ ذمًّا “وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، “وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ”، {«ِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّاب”، “كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ”، “وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ”، “وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ”، “وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ”.
والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسُّع في تحصيل كلّ ما يرغَب، فيقتحم لذلك مذامًا وحرامًا، وينتقل من لذّة إلى لذّة فلا يقف عند حدّ... وكلّ يوم موضة جديدة، وكلّ يوم صيحة جديدة، وكلّ يوم تقليعة جديدة... والحقوا أيّها المسرفون!!. “إنّ الإسراف يفسد النِّعمة، ويفقدها طعمها الطيّب، حين يمتلىء الإنسان منها، ويلحّ على جسده بها.. إنّها لا تلبث أن تتحوَّل إلى شيء تزهد فيه النّفس، بل وتعافه. وهذا هو بعض الحكمة من النّهي عن الإسراف”.
إنّ الصّراط المستقيم هو الاعتدال والتّوازن، قال تعالى: “وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا”، “وَالِّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يُقْتِرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا”، وهذا ما يجب على المسلم الالتزام به والسَّيْر عليه في شؤونه كلّها.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.