رئيس المجلس الشعبي الوطني يستقبل وفد عن جمعية "التقليدي" من متليلي بغرداية    رئيس الجمهورية: المشاريع الاستثمارية تجسد وفق ما تم برمجته    رئيس الجمهورية: دراسة لإنجاز محطات جديدة لتحلية مياه البحر قريبا    رئيس الجمهورية : ليس هناك تقشف في الجزائر ولا بد من زوال الاقتصاد الموازي    مِنحة السفر الجديدة تدخل حيز التنفيذ غداً    الألعاب المدرسية الإفريقية /كرة القدم: الجزائر في المجموعة الأولى    ألعاب القوى/البطولة الإفريقية (أقل من 18 و 20 سنة): بار جابر يهدي الجزائر ميداليتها الذهبية الاولى    نحو إنشاء مركز امتياز بالتعاون مع الجزائر    الذكرى ال46 لانتصار الثورة الساندينية: ممثلا لرئيس الجمهورية, السيد ربيقة يشارك غدا السبت في مراسم الاحتفال بماناغوا    استهلاك قياسي للكهرباء    الجزائر تتضامن مع سوريا    الجزائر تطالب بوقف جرائم الاحتلال الصهيوني    المغرب : رفض واسع لحملة "المتصهينين" ضد مناهضي التطبيع    مقرمان يلتقي وزيرة خارجية كولومبيا    أبواب مفتوحة على الشرطة    كأس إفريقيا 2024 للسيدات (مؤجلة إلى 2025)/الدور ربع النهائي (الجزائر-غانا): المنتخب الوطني يستهدف المربع الذهبي    الجزائر متفاجئة..    سيال تحتفظ ب أيزو 9001    معسكر: غابة التسلية "خصيبية"...فضاء طبيعي يستهوي الزوار خلال فترة الحر    رئيس الجمهورية يجري لقاءه الإعلامي الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية    موجة الحر: الديوان الوطني للأرصاد الجوية يؤكد أن الظاهرة موسمية وعادية    افتتاح الطبعة السابعة للمهرجان الدولي للضحك بالجزائر العاصمة    بداري يستعرض مع سفير المجر بالجزائر فرص التعاون الجامعي والعلمي بين البلدين    تجارة خارجية: السيد رزيق يترأس اجتماعا تنسيقيا حول متابعة عمليات الاستيراد    مجلس الأمن: مجموعة أ3+ تدين بشدة العدوان الصهيوني ضد مناطق عدة في سوريا    وزير الخارجية أحمد عطاف يستقبل نظيره الصحراوي لبحث مستجدات قضية الصحراء الغربية    افتتاح المعرض الفني الجماعي "من تحت الركام غزة بالألوان" بالجزائر العاصمة    رئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الإعلامي والكاتب جمال الدين مرداسي    الجزائر تندد بصمت المجتمع الدولي أمام جرائم الاحتلال في غزة وتطالب بتحرك عاجل في مجلس الأمن    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 58667 شهيدا و 139974 مصابا    قواعد جديدة لحركة المرور في الجزائر    مرحلة عابرة أم سيناريو نيمار جديد؟    المنظمة الدولية للهجرة تشيد بجهود الجزائر    وهران : الطبعة الثانية لمعرض الحرمين الدولي للحج و العمرة بدء من 22 يوليو    ترقب موجة حر قياسية    مزيان و زروقي يشرفان على افتتاح ندوة تكوينية حول الجيل الخامس(5G)    عنابة تحتضن تظاهرة علمية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي    جثمان الفنان مدني نعمون يوارى الثرى بمقبرة قاريدي بالعاصمة    تحويل ملكية "طاسيلي للطيران" لصالح الجوية الجزائرية    الداخلية تدعو المواطنين إلى التبليغ الفوري عن الحرائق    ضمان النجاعة والفعالية للنظام المالي الجزائري    توقف آلية إدخال المساعدات إلى غزّة و6 آلاف شاحنة عالقة    فتاوى : اشتراط الشريك على شريكه أن يقرضه مالا    كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024:سيدات "الخضر" يستعدن لمواجهة غانا في ربع النهائي    ألعاب القوى/جائزة بريشيا الكبرى (800 م):الجزائري محمد علي غواند يحقق رقم قياسيا شخصيا جديدا    الطبعة السادسة لمعرض الكتاب بوهران تختتم مساء اليوم    أفشوا السلام بينكم    30 عائلة بالسويدانية تلتحق بشققها    جثمان الفنان مدني نعمون يوارى الثرى بمقبرة قاريدي بالعاصمة    ممثلة المنظمة الدولية للهجرة تشيد بجهود الجزائر للتكفل باللاجئين    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    معرض لأعمال ديني    أيمن بوقرة أول المستقدمين    حديث عن مغادرة عمراني للعارضة الفنية    مطار الجزائر يوظف مضيفات استعلام    عنابة تسحر البولونيين    شرطان لا يصح الإيمان إلا بهما    فضائل ذهبية للحياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أمراض هذا العصر: الإسراف والتّبذير
نشر في الخبر يوم 08 - 10 - 2014

قال الإمام ابن باديس رحمه الله تعليقًا على آية: “وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّهُ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا”. إنّ الشّيطان يعمل وأعماله كلّها في الضّلال والإضلال. فقد ضيّع أعماله في الباطل، وقد كان يمكنه أن يجعلها في الخير. وهو جاد في ذلك ضارٍ عليه لرسوخه في نفسه. والمُبذِّر يضيّع أمواله في الباطل وقد كان يمكنه أن يجعلها في الخير. وقد أخذت عادة التّبذير بخناقه واستولت عليه. فهو أخو الشّيطان لمشاركته له في وصفه كمشاركة الأخ لأخيه. وهو أخوه بامتثاله لأمره وصُحبته له في الحال وفي المآل وفي سوء العاقبة في العاجل والآجل... وهو أخو الشّيطان، لأنّ الشّيطان كان لربّه كفورًا. والمبذّر كان لربّه كفورًا.. والعياذ بالله”بتصرف.
نعم إنّنا نعاني الإدمان الاستهلاكي غير المتّزن، والإنفاق البذخي غير الرّشيد، بل نعاني وحشًا استهلاكيًا وغولًا شرائيّا وإدمانًا إنفاقيّا وهوسًا تسوقيّا وإسرافًا وتبذيرًا صنعته هذه الحضارة المادية الّتي تظلّلنا وتضلّلنا.
وما ترك القرآن الكريم هذا الموضوع الخطير في حياة النّاس من غير معالجة بل بيّن حكمه كامل البيان في غير ما آية، فقال تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، وهذا تحريم لكلّ أنواع الإسراف، لأنّ كلّ مكلّف لا يحبّه الله تعالى فهو من أهل العذاب، والدّليل عليه قوله تعالى: “وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالْنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ”، فدلّ هذا على أنّ كلّ مَن أحبّه الله فليس بمعذّب، وفي هذا نهاية التّهديد وغاية الوعيد.
والحقيقة أنّ أيّ تجاوز للحَدّ زيادة أو نقصًا يسمّى إسرافًا، لا كما يظنّ البعض أنّ الإسراف في الزّيادة فقط. وعليه فمعنى: الإسراف أمران اثنان: الأوّل: تجاوز الحدود الّتي شرعها الحقّ سبحانه عصيانًا، قال مجاهد: لو أنّ للإِنسان مثل جبل أبي قُبَيْس ذهبًا ثمّ أنفقه في حلّ ما عُدَّ سرفًا، ولو صرف درهمًا واحدًا في معصية يُعَدّ سرفًا. ولذلك قيل “لا خير في السّرف ولا سرف في الخير”. والثاني: تجاوز الحدّ إفراطًا أو تفريطًا في كلّ الشّؤون، ونتيجتهما واحدة ضياع الحقوق وهضمها، قال ابن عبّاس: ما من مسرف إلاّ ووراءه حقّ مضيّع.
يقول العلامة إسماعيل حقّي: “والإسراف نوعان: إفراط وتفريط” فالإفراط ما يكون فوق الحاجة الضّرورية أو على خلاف الشّرع أو على وفق الطّبع والشّهوة أو على الغفلة أو على ترك الأدب أو بالشّرَه أو على غير ذلك. والتّفريط أن ينقص من قدر الحاجة الضّرورية ويقصّر في حفظ القوّة والطّاقة... فمعنى “لَا تُسْرِفُوا” أي لا تضيّعوا حقوقنا ولا حقوقكم لحظوظكم.
فالسّرف تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر وكلّ السّرف منهيٌ عنه، وإن كان سياق الآية في الأطعمة والأشربة، فقد قال بعضهم الإسراف هو أن يأكل الرّجل كلّ ما يشتهيه، ولا شكّ أنّ من كان تمام همّته مصروفًا إلى الطّعام والشّراب كان أخسّ النّاس وأذلّهم.. فمَن جعل شهوة بطنه أكبر همِّه فهو من المسرفين، ومَن جعل لباسه وهندامه أكبر همِّه فهو من المسرفين، ومَن أنفق ماله في التّوافه فهو من المسرفين، وما كان المسرف من المتّقين.
إنّ السّرف يضرّ الدِّين والعقل والبدن والمال والحياة، ولذلك ما ذُكِر السّرف والمسرفون في القرآن إلاّ ذمًّا “وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، “وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ”، {«ِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّاب”، “كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ”، “وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ”، “وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ”، “وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ”.
والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسُّع في تحصيل كلّ ما يرغَب، فيقتحم لذلك مذامًا وحرامًا، وينتقل من لذّة إلى لذّة فلا يقف عند حدّ... وكلّ يوم موضة جديدة، وكلّ يوم صيحة جديدة، وكلّ يوم تقليعة جديدة... والحقوا أيّها المسرفون!!. “إنّ الإسراف يفسد النِّعمة، ويفقدها طعمها الطيّب، حين يمتلىء الإنسان منها، ويلحّ على جسده بها.. إنّها لا تلبث أن تتحوَّل إلى شيء تزهد فيه النّفس، بل وتعافه. وهذا هو بعض الحكمة من النّهي عن الإسراف”.
إنّ الصّراط المستقيم هو الاعتدال والتّوازن، قال تعالى: “وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا”، “وَالِّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يُقْتِرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا”، وهذا ما يجب على المسلم الالتزام به والسَّيْر عليه في شؤونه كلّها.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.