يجد الكثير من المواطنين خلال هذه الأيام، ضالتهم في محلات ومساحات تجارية، تتعمد سياسة "الصولد" في منتجاتها الغذائية، هذه السياسة، التي كانت بالأمس، تمس الملابس والأجهزة المنزلية، ها هي اليوم تشمل سوق المواد الغذائية، وبين إقبال واسع عليها من طرف البعض، وتخوف آخرين من مدى سلامتها على صحة مستهلكيها، كان ل«المساء"، لقاء مع مختصين، للحديث عن هذا الموضوع. تستقطب الكثير من محلات بيع المواد الغذائية بصيغة "الصولد"، خلال هذه الأيام، أعدادا منقطعة النظير لمواطنين يبحثون عن توفير بضع دنانير، باقتناء سلع توشك تواريخ صلاحيتها على الانتهاء، ذلك التهافت دفع بالكثير من المحلات، لاسيما خلال الشهر الفضيل، الذي يعرف ارتفاع وتيرة الاستهلاك، إلى تخصيص ركن بها لعرض مواد متنوعة منخفضة السعر، تدفع بالكثيرين إلى قطع مسافات طويلة لبلوغ تلك المحلات. المتجول في الأسواق، خلال هذه الأيام، يكتشف حجم السلع المعروضة في تلك المحلات، بعضها لم يبق لها إلا أيام قليلة على انتهاء صلاحيتها، تباع بربع ثمنها أو نصفه، وهي معروضة للبيع عن طريق التخفيض أو ما يعرف "بالصولد"، في وقت خلقت تلك السياسة الترويجية زبائن لها، لهم قدرة التنقل من محل لآخر بحثا عن فرصة لا يمكن تفويتها، لسلع مختلفة لا تتمثل فقط في مواد غذائية، بل حلويات وشكولاطة، وحتى مواد تجميل، غالبها ليست من المنتجات المحلية، وقد أوشكت تواريخ صلاحيتها على الانتهاء. تنقلت "المساء" إلى عدد من المحلات التي اشتهرت بتطبيقها تلك السياسة الترويجية، والتي بأسلوبها الخاص، نجحت في استقطاب الراغبين في التبضع وتوفير بعض المال، وقد تعددت تلك المحلات عبر العاصمة، ويبدو أن المهتمين بالأمر على يقين كامل بمختلف تلك المحلات ومواقعها، وحتى موعد عرضها لسلع جديدة بصيغة التخفيض.. وحسب عدد من المواطنين الذين التقتهم "المساء"، فإن تلك المحلات بات لها جدول محدد حول كيفية عرضها للمنتجات منخفضة السعر، حيث أشار هؤلاء إلى أنه أصبحت تلك السوق تشهد منافسة شرسة من حيث نوعية وأسعار تلك المنتجات، التي غالبا هي سلع أجنبية ومن منشأ أوروبي، حتى وإن كانت تشرف تواريخها على الانتهاء، إلا أنها تبقى صالحة للاستهلاك، لاسيما إذا ما تم حفظها بالطريقة الصحيحة. ما مدى صلاحية ما نستهلكه؟.. في هذا الصدد، كان لنا حديث مع الدكتورة نبيلة ميموني، المختصة في الطب العام، عن مدى صلاحية تلك المنتجات، والتي أكدت أنه ما دام يتم حفظ تلك المنتجات بالطريقة الصحيحة، ولم ينته تاريخ صلاحيتها، فيمكن استهلاكها دون خطورة، مشيرة إلى أنه يمكن الابتعاد عن المواد الأكثر حساسية، لاسيما خلال فصل الحر، أو إذا ما كانت غير معروضة في مكان بارد مخصص لها، وأضافت أن على المستهلك إدراك أن بعض المنتجات تواريخ إنتاجها جديدة، إلا أنه يمكن أن تكون خطيرة على صحته، إذا كانت ملوثة أو غير محفوظة بالشكل الصحيح، أو لم يتم احترام سلسلة التبريد لحفظها، موضحة أن على المستهلك الاعتماد على حواسه للتفرقة بين ما هو جيد وما هو فاسد من مواد، ولا يمكن دائما الاعتماد على التواريخ، لاسيما أن بعض التجار الذين تغيب لديهم روح المسؤولية تجاه الصحة العمومية، يتلاعبون بتواريخ انتهاء الصلاحية، لتحقيق الربح السريع على حساب صحة المستهلك. إقبال على توفير المال أم استهلاك "أحسن"؟ في سياق ذي صلة، أوضح الخبير الاقتصادي "ب. عبد الباسط"، أنه لابد من دراسة المستهلك الجزائري بشكل واسع، لفهم تصرفاته الاستهلاكية، وحسن إرشاد ميزانيته، وحول إقباله على سوق السلع منتهية الصلاحية، أكد أن تلك السلوكيات عادة، ليس بحثا عن سلع أقل سعرا، وتوفير المال في اقتنائها، بل بحثا عن منتجات جديدة أو ذات نوعية عالية، لاسيما أنها ذات معايير دولية، كما أن لا يزال بعض الجزائريين يشككون في نوعية المنتجات محلية الصنع، وتغيب لديهم الثقة في جودتها، لذا تجدهم يقتنون على سبيل المثال علبة طماطم مصبرة أجنبية، تم تخفيض سعرها إلى النصف، لكن لا يزال ثمنها أعلى من نفس المنتج محلي الصنع. وأضاف عبد الباسط، أن فضول الكثيرين أيضا، يدفعهم أحيانا إلى اقتناء سلع جديدة من تلك السلع المعروضة بالتخفيض، لأنها دوما تثير الرغبة في تجربتها، بفضل طريقة تعليبها أو ألوانها المثيرة للاهتمام أو أذواقها، موضحا أن غياب التنوع في السوق أيضا من أسباب التوجه نحو تلك الخيارات، لأن كل شخص لديه دائما الرغبة في وفرة منتجات تسمح له بالاختيار والبحث عن ما يفضله من مواد. في الأخير، شدد المتحدث، على أهمية إجراء دراسة حقيقية حول سلوكيات المستهلك الجزائري، لإجراء إحصائيات حقيقية حول ما يستهلكه، وحول رغباته كلها أرقام ودراسات تساهم في التخطيط الاقتصادي، مشيرا إلى أن العديد من مذكرات التخرج لدكتوراه الاقتصاد، تحمل مواضيع جد مهمة، يمكن الاعتماد عليها لتحليل التصرفات الاستهلاكية وإرشاد تصرفات المستهلك، بالتالي توجيه الاقتصاد فيما يخدم الحكومة والمجتمع.