برحيل الكاتبة والأديبة الجزائرية جوهر أمحيس أوكسال، مساء الخميس الماضي، تفقد الجزائر واحدة من أبرز رموزها الثقافية والتربوية عن عمر ناهز 97 عاما، تاركة وراءها إرثا أدبيا وتربويا يصعب تعويضه. وقد شُيّعت الراحلة إلى مثواها الأخير يوم الجمعة بمقبرة سيدي يحيى في الجزائر العاصمة، في جنازة مهيبة، حضرها جمع غفير من المثقفين والممثلين عن المجتمع المدني. وُلدت جوهر أمحيس في منطقة آث يني بمنطقة القبائل. وكانت طوال حياتها رمزا للمرأة الجزائرية المثقفة، المتمردة على كل أشكال التهميش، خاصة تلك التي طالت النساء في زمن الاستعمار. رفضت الانصياع لقانون الأهالي الفرنسي، وواجهت التحديات الاجتماعية والتربوية بثبات وعزيمة، متخذة من التعليم والقلم وسيلتين لتغيير الواقع. وكان المؤلف حسين حديد رفقة الكاتبة الراحلة زكية قاواو أصدرا، حديثا، كتابا يتناول السيرة الذاتية للكاتبة والناشطة الثقافية جوهر أمحيس أوكسال. وفي تلك المناسبة اجتمعت شهادات من يعرفها، ليؤكدوا أنها، فعلا، معلمة أجيال. لم تكن جوهر أمحيس مجرد كاتبة، بل كانت معلّمة صارمة، ومُحفّزة. شهد لها بذلك تلامذتها وزملاؤها على مر العقود. وقالت الأستاذة عواوش بن سعيد إنها محظوظة؛ لأنها تلقت تعليمها على يديها. ووصفتها بأنها كانت تحبذ المطالعة، وتشجع على الإملاء الصحيح للغة الفرنسية، ما جعلها نموذجا يُحتذى به في مجال تكوين المعلمين. وفي شهادة مؤثرة، ذكر الباحث حميد بيلاك أنها كانت ترفض البقاء في منصب إداري كمفتشة، فعادت، بمحض إرادتها، إلى التدريس، معتبرة أن التعليم المباشر رسالة سامية لا تُضاهى. وكانت دائما تنظر إلى الحياة بإيجابية، وترى الكتابة رفيقتها الدائمة، ومصدرا لقوّتها على مقاومة الزمن. الراحلة لم تكتفِ بالتعليم، بل كانت حلقة وصل بين الأجيال الصاعدة والأدب الجزائري. فبأسلوبها البيداغوجي قدّمت لطلبتها أسماء مهمة من كتّاب الجزائر. وساهمت في إبرازهم رغم إقصائهم من المناهج الدراسية آنذاك. وقد أُنجز فيلمان عنها اعترافا بتميزها، ونضالها في سبيل إعلاء شأن الثقافة الجزائرية، كما ذكر الأستاذ آيت عودية. كما استذكر الأستاذ محمد شريف غبالو لحظة تعارفه بها في منزلها، حيث شعر بحنانها، وأدبها الجم. وكتب هناك قصيدته "الورود البيضاء"، مستعينا بقلَمها، وكتب زوجها حول النحو والصرف الفرنسي. وشهدت جنازة الفقيدة حضور شخصيات وطنية، منها الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، سي الهاشمي عصاد، ورئيس المجلس الشعبي البلدي لآث يني، عبد الله جنان، في وداع مؤثر لجثمانها الذي وُوري الثرى ملفوفا بالراية الوطنية؛ تكريماً لامرأة جعلت من الكلمة الحرة ومنبر التعليم درعا في وجه التهميش والنسيان. ومن خلال أعمالها التي نشرتها دار القصبة للنشر خاصة في مجموعة "إمبرينتس"، كانت جوهر أمحيس أوكسال صوتا أدبيا صادقا، ينقل حب الأدب الجزائري للأجيال الجديدة بأسلوب ممتع وعميق. ولم تكن مجرد كاتبة، بل كانت حليفة حقيقية للثقافة الجزائرية، وذاكرة من لحم ودم. ونعت دار القصبة الفقيدة. وكتبت على صفحتها الرسمية على فايسبوك: "رحلت نا الجوهر، كما يناديها محبّوها، ولكن إرثها باقٍ في القلوب والعقول، نابع من كلماتها ومواقفها وتعليمها، الذي أنار دروب المئات، وربما الآلاف من تلامذتها ومحبيها".