يختتم، رواق "عائشة حداد" بالجزائر العاصمة، اليوم الأربعاء، المعرض الفردي للفنانة التشكيلية نورة علي طلحة، التي قدِمت من مدينة العفرون بولاية البليدة، حاملة معها تجربة فنية أصيلة تُزاوج بين الانتماء العاطفي للطبيعة والبحث الجمالي في التراث، وذلك عبر 22 لوحة تشكيلية تنوّعت تقنيًا ومضمونا، عكست فيها شخصية متصالحة مع الذات ومتّصلة بجذورها، وفي نفس الوقت متطلّعة إلى المستقبل. معرض نورة علي طلحة ليس مجرّد عرض أعمال، بل مساحة خاصة لفهم رؤيتها للعالم: هادئة، متأملة، ومتجذّرة في بيئتها، مع رغبة صادقة في التطوير والتجديد. فهي فنانة ترسم ليس فقط بالألوان، بل بالحسّ الإنساني والذاكرة والخيال، وتخطو بثبات نحو مستقبل فني واعد، يجمع بين التأصيل والتحديث، وبين الأصالة والانفتاح على عالم متغيّر. في أعمالها، تجمع نورة طلحة بين الواقعية التي تستمدها من الطبيعة الجزائرية الخلابة، وبين الانطباعية التي تتجلى في لوحات تحمل طيفًا من المشاعر والانطباعات، دون أن تكون محصورة في تفسير واحد. تقول الفنانة في حديث ل«المساء" إنّ بعض لوحاتها تستند إلى الواقع كما هو، لكنّها تفتح المجال في أخرى للتأمّل والتفسير الذاتي، وهو ما يجعل أعمالها متعدّدة القراءة. تتوزّع لوحاتها بين مشاهد طبيعية نابضة بالحياة، وزخارف نباتية تداخلت مع خطوط عربية أصيلة من مثل الثلث والديواني، ما يبرز مهارتها في استحضار التراث العربي الإسلامي بصياغة بصرية راقية. الزخارف التي توظفها ليست فقط عناصر تجميلية، بل تحمل روحًا زخرفية ذات دلالات رمزية مرتبطة بالهوية والجمال الكامن في البساطة والدقة. من اللافت في معرض طلحة تكرار حضور البيت القرميدي المطل على مناظر طبيعية، ما يعكس نزعة داخلية نحو الحنين والسكينة، وربما إسقاطًا نفسيًا لعالم مثالي تتوق إليه الفنانة، حيث الصفاء والهدوء. وقد بدا هذا التكرار عنصرًا أساسيا في كثير من أعمالها. رغم أنّها لم تتلقّ تكوينًا أكاديميًا في الفنون التشكيلية، إلاّ أنّ نورة طلحة استطاعت، عبر المثابرة والتجريب، أن تصقل موهبتها وتفرض حضورها في الساحة التشكيلية المحلية. وهي اليوم تعمل على إدماج الرقمنة في الممارسة الفنية، من خلال تجربة جديدة تمزج بين الرسم التقليدي والتقنيات الرقمية، بما يسمح لها بتوسيع دائرة التعبير والابتكار، والوصول إلى جمهور أوسع. وتؤمن الفنانة بأنّ التكنولوجيا لا تُقصي الحِرفية، بل تعزّزها، ولهذا تسعى إلى تطوير أدواتها الرقمية دون التخلي عن عشقها للألوان الزيتية والمائية والأكريليكية، التي تظلّ الأقرب إلى ذوق جمهورها المتردّد على المعارض والمهتم بلوحات الطبيعة. بعيدًا عن اهتمامها بالتشكيل، تُبدي نورة طلحة رغبة كبيرة في العمل مع الأطفال والمراهقين، من خلال فتح ورشات أو برامج تعليمية في مدارس خاصة، تُسهم في تنمية الحسّ الجمالي لدى الأجيال الجديدة، وتمنحهم أدوات التعبير الفني في وقت مبكر، خاصة مع الفرص التي تتيحها الفنون الرقمية في هذا المجال. في جانب آخر من مسارها الإبداعي، تمتلك نورة علي طلحة موهبة لافتة في تصميم الأزياء التقليدية، وهو مجال تتقنه بذوق فنيّ رفيع، حيث تمزج فيه بين القصات الحديثة والرموز التراثية، ما يجعلها فنانة متعددة المواهب، لا تقتصر تجربتها على الرسم فقط، بل تتعداه إلى مجالات فنية أخرى تتقاطع مع الذائقة البصرية وتخدم الهوية الجزائرية المعاصرة.