أضحت سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزّة، بمثابة أداة مركزية في منظومة قتل مركبة لإخضاع سكان القطاع، قصد تفكيك البنية المجتمعية بأكملها وإحكام الحصار وتدمير كل فرص البقاء اليومية وأدنى مقومات الحياة، وسط شح غذائي مريع وغياب متعمّد للماء والدواء. فقد تحولت شوارع غزّة إلى مدينة للأشباح بفعل الدمار غير المسبوق لقوات الكيان الصهيوني، إلى مسارح لسقوط الجياع في ظل استعانة العدو بآليات التجويع المباشر، ثم الأمراض الناتجة عن شرب المياه الملوثة وغياب الأغذية، التسمم البيئي الناتج عن عشرات آلاف الأطنان من المتفجرات، حرمان المرضى من العلاجات المزمنة في مشهد يرقى إلى نموذج مركب من القتل الصامت. ولم يجد الكيان الصهيوني مانعا في ممارسة هذه السياسة علنا وعلى مرأى من المجتمع الدولي، فرغم التقارير الأممية التي تجاوزت فيها الكلمات حدود الوصف، يبقى رد الفعل الدولي مشلولا يتأرجح بين الإدانات الشكلية والتواطؤ العملي. وفي هذا الصدد، أعلنت مصادر طبية فلسطينية أمس، أن 21 طفلا استشهدوا بسبب سوء التغذية المجاعة في مختلف مناطق قطاع غزة خلال 72 ساعة الماضية، حيث وصلت هذه الوفيات إلى مستشفيات غزّة وشهداء الأقصى في مدينة دير البلح وناصر في خان يونس. ونوهت إلى أنه في كل لحظة تصل حالات سوء تغذية ومجاعة للمستشفيات في غزّة ونحن مقبلون على أرقام مخيفة من الوفيات بسبب التجويع الذي يتعرض له أهالي قطاع غزّة، مشيرة إلى أن 900 ألف طفل في غزّة يعانون من الجوع، 70 ألفا منهم دخلوا مرحلة سوء التغذية. وأكدت أن حياة مرضى السكري والكلى مهددة بسبب سوء التغذية ويتعرضون لنوبات شديدة جراء التجويع الذي يمارسه الاحتلال ضد أهالي قطاع غزّة. وذلك في الوقت الذي حذّرت فيه وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين مارس وجوان نتيجة للحصار الصهيوني على قطاع غزّة. بدوره حمّل رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، الاحتلال الصهيوني كامل المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية عما يجري في قطاع غزّة، مشيرا إلى أن الوضع الإنساني في القطاع يتطلب "تحركا فعليا أكبر" للاستعجال بفتح المعابر وإدخال المساعدات بكميات كافية وضمان وصولها إلى مستحقيها. واستشهد طفلان فلسطينيا بغزّة، أمس، نتيجة سوء التغذية وجريمة التجويع التي يستخدمها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بالقطاع حسب ما ذكرت مصادر طبية. ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عن المصادر، أن طفلا من شمال قطاع غزّة وآخر من مدينة خان يونس جنوبا، استشهدا اليوم نتيجة سوء التغذية والمجاعة، وحسب المصادر ذاتها، فقد استشهد 23 فلسطينيا بينهم أطفال في مناطق عدة بالقطاع بسبب سوء التغذية خلال يومين. وتتعامل المستشفيات في قطاع غزّة مع مئات الأطفال من مختلف الأعمار ممن أصابهم الجوع الحاد وسوء التغذية، إذ أنهم في حالات إجهاد حادة. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن 17 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، كما أنه يتم التعامل مع مرضى لديهم حالات من الإجهاد وفقدان الذاكرة الناتجة عن الجوع الحاد، والمستشفيات ليس لديها أسرة طبية وأدوية تكفي العدد الهائل من المصابين بسوء التغذية الحاد. بدورها أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أمس، أنه في الوقت الذي يمعن فيه العدو الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، تبذل الحركة كل جهودها لإنهاء هذه المعاناة المتفاقمة. وأوضحت (حماس) في بيان لها، أنها تبذل كل جهودها وطاقاتها على مدار الساعة لإنهاء هذه المعاناة المتفاقمة وهو ما يشكل "أولوية قصوى لقيادة الحركة في تحركها المتواصل مع الوسطاء والدول وكافة الجهات المعنية، من أجل وقف المجاعة ووقف هذه الحرب الإجرامية". وأشارت في ذات السياق، إلى حجم الابتزاز الذي يمارسه الاحتلال من خلال ارتكاب المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني، في "محاولة يائسة لانتزاع مواقف لم يتمكن من فرضها على طاولة المفاوضات". وأضافت الحركة في ختام بيانها: "نؤكد أننا ماضون بمسؤولية وعقلانية وبأقصى سرعة ممكنة، في استكمال مشاوراتنا واتصالاتنا مع القوى والفصائل الفلسطينية، من أجل الوصول إلى اتفاق مشرّف يفضي إلى وقف العدوان وإنهاء الإبادة الجماعية وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الإعمار ورفع الحصار وضمان حياة كريمة في قطاع غزّة". ومنذ السابع من أكتوبر 2023، يرتكب الاحتلال الصهيوني إبادة جماعية في غزّة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا متجاهلا النّداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلّفت الإبادة أكثر من 200 ألف شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النّازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال فضلا عن دمار واسع.