أصدر مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر، ومقره جامعة ”مولود معمري” بتيزي وزو (كلية الآداب واللغات)، كتابا يحمل عنوان ”العربية في خطر”، العمل الجماعي قامت به فرقة بحث ماجستير قسم اللغة والأدب، يعدّ الأوّل من نوعه، جاء نتيجة التقرير الخطير الذي أصدرته المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ”اليونيسكو” وفحواه أنّ لغة الضاد مهدّدة بالانقراض. شارك في إنجاز هذا العمل طلاب الدراسات العليا، بغية البحث في أسباب تدهور القضية اللغوية التي أجمع الكلّ على أنها تهمّ المجتمع في المقام الأول، الكتاب يحمل 236 صفحة، جميع محاوره الثمانية مكملة للتحقّق في القضية الرئيسية، الهدف منها استشعار الخطر المحدق بعمق المسألة اللغوية التي لا تحتاج إلى الانتظار بقدر ما تتطلّب التحرّك الاستعجالي للنهوض بلغة الدين. المحور الأول من الكتاب عنوانه؛ ”قراءة في أضرار العولمة”، أرجع تدني مستوى اللغة العربية إلى ما يعرف ب”الأمركة” أو العولمة، كما طرح فيه عدّة تساؤلات أبرزها؛ ”ماذا نقصد بمصطلح العولمة؟”، ”ماذا جنت هذه الأخيرة من العولمة؟”، ”أصحيح أنّ العولمة تنقل اللغات من الأزقة المحلية إلى ربوع الساحة العالمية؟ أم أنّها خلاف ذلك؟”، ومن جهة أخرى يعتبر العربي أوّل المتهمين في خذلان لغة القرآن، باعتباره لا يقدّم شيئا للغة وهو لا يوطّد المعرفة، ولا يقوم بصنعها لتنتعش وتنافس باقي اللغات الأخرى. وفي نفس السياق، ركّز محتوى هذا المحور على الإعلام العولمي وقدرته الفعّالة على تغيير وتوجيه عقول الأفراد، مما يجعلنا نقف للتساؤل عند الإعلام العربي ومدى خدمته للغة العربية في زمن ”الأمركة”؟ خاصة أننا نعيش حاليا السيل اللامتناهي للقنوات الإعلامية. المحور الآخر مفاده ”أثر الحضور وخطر الغياب”، ركّز في مضمونه على ضرورة الاعتزاز والفخر باللغة وإعطائها مكانة هامة عند الأمم، فلم تعد مجرد أداة تواصل وحسب، بل أصبحت عاملا هاما توجه به مسارات السياسة والاقتصاد ووسيلة تؤطّر عقول الأمم وثقافات الشعوب، مضيفا أنّ للغة العربية أعداء يجب مواجهتهم لتصل إلى أرقى وأعلى مستوياتها. ومن أهم المحاور التي جاءت في الكتاب؛ ”السياسة اللغوية في الجزائر” التي تتطلّب منا التدقيق والوعي الكامل نظرا لأهميته الكبيرة، محاولين بذلك تشخيص الواقع اللغوي الذي يتخبّط فيه المجتمع الجزائري، خاصة في ظل التعدد والازدواجية اللغوية، ناهيك عما يعرف بسياسة التعريب وجعلها قرارا سياسيا ومراسيمه منذ استعادة الجزائر لسيادتها إلى يومنا هذا، وما يتبادر إلى أذهاننا، ذلك السؤال الذي يفضي إلى ”من هو المخول باستصدار القوانين والمراسيم التي تضبط هذه السياسة؟” و”من الذي يعمل على حمايتها وتحسينها؟”. ”خطر ضعف تواجد اللغة العربية في المعلوماتية” هو عنوان المحور الرابع، والقضية الأساسية هنا تكمن في مدى قدرة المجتمع العربي اليوم على التعامل ومسايرة الظاهرة المعلوماتية والتجاوب مع هذه التقنية المتطوّرة، خاصة أننا نعيش اليوم صناعة المحتوى الرقمي العربي على الشبكة والمعالجة الآلية والبرمجيات التطبيقية، كما نادى أصحاب العمل الجماعي بضرورة الابتعاد عن استعمال المختصرات والرموز العربية التي تزيد حسبهم من رداءة الفكر وانحطاط اللغة العربية، حيث تعدّ المختصرات والرموز اللغوية أهمّ أدوات التطوير العلمي ومنتجاته، وضعت أساسا من أجل أن تكون معبّرة من الناحية العلمية، متسقة لغويا ومرهفة حين تخاطب الشعور. من جهة أخرى، أكّد أصحاب الكتاب أهمية التعليم كركيزة الأساس لأي دولة تريد أن تنهض بذاتها، وهو ما جاء في المحور السادس الذي عُنون ب ”خطر تدني مستوى البكالوريا في الجزائر”، مشيرا إلى أنّ التعليم في الجزائر مرّ بثلاث مراحل، لكلّ واحدة خصائص تميّزها عن باقيها، ولعلّ أهما مرحلة فشل الإصلاحات التي باشرت بها الوزارة، إضافة إلى ضعف الأهداف العامة للبرامج المقدمة وضعف التخطيط التربوي. المحور السابع جاء ليبيّن تحديات ورهانات اللغة العربية خارج أوطانها التي نتحسر عليها لكونها لا تحظى بما تستحقه من احترام وفخر. وآخر المحاور التي تناولها الكتاب هو ”خطر عدم استعمال اللغة العربية في العلوم” مكوّنها لغة كباقي اللغات تستحق التقدير دون أن ننسى أنّها لغة الإسلام، خاصة أنّ دورها الأوّل هو تحقيق التواصل بين مختلف الشعوب.