الجيش الوطني الشعبي: توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    إيران: ما يرتكبه الكيان الصهيوني جريمة حرب يجب توثيقها    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 55637 شهيدا و129880 مصابا    مسراتي تشارك بفيينا في دورتين حول تنفيذ الإتفاقية الأممية لمكافحة الفساد ومنعه    الشلف: تسجيل أزيد من 300 مشروع على مستوى الشباك الوحيد اللامركزي للاستثمار    كأس إفريقيا سيدات 2024: المنتخب الجزائري يواصل تحضيراته بوهران    محكمة بريكة بباتنة: إدانة عدة أشخاص بالحبس بتهمة المساس بنزاهة امتحان شهادة البكالوريا    المصادقة على حصيلة سوناطراك    عُمان ضيف شرف الطبعة ال56    الرئيس يستقبل سفير بريطانيا    تخرج دفعة ضباط وطلبة    الأمم المتحدة تحذر من تأثير الذكاء الاصطناعي على تزايد خطاب الكراهية عالميا    رُعب في قلب تل أبيب    زوالها مسألة وقت... واسألوا نتنياهو    نحو إدراج 40 تخصصا جديدا    الخضر يتوّجون    خطّة عمل لتوفير أفضل ظروف الاصطياف    أين حقّ الملايين في الاستجمام؟    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي بالجزائر    مرّاد يستقبل المخرج السعيد عولمي    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    التلاحم بين الشعب الفلسطيني و المقاومة الباسلة لا تكسره المؤامرات    تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن    بومرداس : توقيف سائق شاحنة قام بمناورات خطيرة    موجة حر وأمطار رعدية    رهان على الرقمنة لتتبُّع المفقودين    تكذب خبر إجراء رئيس الجمهورية لأي لقاء إعلامي مع صحف أجنبية    تتويجا للإصلاحات الهيكلية العميقة التي بادرت بها الدولة    فلسطين : 50 شهيدا في قصف صهيوني بخان يونس    يرتقي بالقطاع ويؤكد حق المواطن في التمتع المجاني بالشواطئ    الوقاية من الأمراض المتنقلة أمر بالغ الأهمية    الرابطة الاولى "موبيليس": شباب بلوزداد يفتك الوصافة من شبيبة القبائل, و الصراع متواصل على البقاء بين ترجي مستغانم و نجم مقرة    تنظيم دخول اجتماعي موحد وإعداد منصة لتسيير المؤسسات الشبانية    الاستفادة من التظاهرة للترويج للمنتج الوطني    لا حلول لأزمة الشرق الأوسط إلا بالدبلوماسية والتزام حسن الجوار    تسخير البحث العلمي لتحقيق الأمن الغذائي وترشيد النّفقات    خطّة ب3 محاور لتفعيل المجمّعات الصناعية العمومية الكبرى    حين تتحوّل المنمنمات إلى مرآة للروح القسنطينية    "فترة من الزمن"....عن الصمود والأمل    مدرب نادي ليل الفرنسي يصر على بقاء نبيل بن طالب    دعوة لمرافقة الشباب نفسيا في زمن التحولات    نادي "سوسطارة" يعود إلى سكة الانتصارات    التعاون السعودي يسعى إلى التعاقد مع نور الدين زكري    تجديد وحدة حقن الدم بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا    السيد سايحي يشرف على تنصيب اللجنة الوطنية لأخلاقيات الصحة    معرض " ورثة النور" : بللو يثمّن إبداع فناني الزخرفة والمنمنمات    الجزائر/الأردن: تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن تابع ل "حكمة فارما الجزائر"    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي السبت المقبل    الفاف تحدّد شروط الصعود والنزول    مرتبة ثانية لسجاتي    إطلاق موجة جديدة من الهجمات الصاروخية    احياء التظاهرات المرتبطة بالثورة التحريرية المجيدة    دعم تربوي ونفساني للأطفال المصابين بالتوحد    الحماية الاجتماعية مبدأ مكفول قانونا لكل جزائري    على الكاتب المساهمة في بناء الوطن    لماذا تتضاعف أسباب الهم والغم هذه الأيام؟    كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟    "واللَّه يعصمك من الناس"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل أو اختراع الكذب الوجودي
نشر في السلام اليوم يوم 14 - 11 - 2011

من طريف المصادفات أن يتزامن خبر نعت ساركوزي لنتنياهو ب»الكذاب» مع نشر الإكونومست تقريرا علميا، مشفوعا بافتتاحية، عن قرب التوصل إلى طريقة تسمح بقراءة الذهن البشري عبر الفك المباشر لشفرة أنشطة الدماغ: أي معرفة أفكار الناس دون أن ينطقوا بها.
وبعد أن تعدد المجلة المنافع التي يمكن أن تنجم عن مختلف تطبيقات هذا المسعى العلمي الذي قد يتحول يوما إلى واقع ملموس، تقول إن أهم ما سيفضي إليه هذا الإنجاز المحتمل هو تعطيل القدرة على الكذب!
تصور عالما لا إمكان فيه للكذب. فما هو أول شىء يقفز في هذه الحالة إلى ذهنك؟ انعدام جوقة المداحين من منافقي الطغاة والسلاطين؟ انتفاء مجرد إمكانية ما يسمى ب»الإعلام الرسمي» أو «الحقيقة الحكومية»؟ انتهاء عادة القسم بأغلظ الأيمان المنتشرة عندنا، نحن العرب، حتى لأتفه الأسباب؟ استحالة إدانة الأبرياء ورميهم في السجون بدل الجناة الفعليين؟ احتمالات، أو بالأحرى «استحالات»، شتى يمكن للمرء أن يختار منها ما يعتقد أنه هو العنوان الأبرز، أو النتيجة الفورية، لتعطل القدرة البشرية على الكذب.
على أني لست أرى عنوانا أبرز لعالم لا يستطيع فيه الناس الكذب من هذا العنوان: استحالة وجود ساسة، بل مواطنين، إسرائيليين. ذلك أن عالما لا إمكان فيه للكذب هو بكل بساطة عالم لا مكان فيه لإسرائيل! فالرواية الإسرائيلية، التي يأخذها معظم الغرب مأخذ المسلمات، هي رواية كاذبة. لا بالمعنى السياسي المباشر فحسب. ولا بالمعنى الثقافي أو الإعلامي الشائع، بل
إنها رواية كاذبة حتى بالمعنى الأنثروبولوجي الأساسي. وهذا ما برهن عليه المؤرخ الإسرائيلي الذائع الصيت شلومو صاند في كتابه «اختراع الشعب اليهودي». أما الباحث الذي سبقه إلى ذلك، دون أن يحظى بأي شهرة خارج الدوائر المختصة، فهو المؤرخ الفرنسي مارك فرو الذي كان أول من «اكتشف»، في الخمسينيات، أثناء إقامته الطويلة في المغرب العربي أن اليهود ليسوا أمة بالمعنى العرقي أو الإثني وإنما هم جماعات تنتمي لشعوب وقبائل من مختلف جهات الأرض وأنهم قد اعتنقوا الديانة اليهودية، عبر القرون، بمحض الاختيار الحر. فلا وجه إذن لذلك الزعم الجغرافي أو الطوبوغرافي (زعم الارتباط بأرض محددة) ناهيك عن أسطورة الانبثاق من الرحم التاريخي.
عندما أتى شلومو صاند إلى لندن قبل ثلاثة أعوام لإلقاء محاضرة بمناسبة إصدار الترجمة الإنكليزية لكتابه، تبين لي أن رؤياه عن أباطيل السرديات الإسرائيلية بشأن الهوية اليهودية هي في جوهرها الرؤيا ذاتها التي كان قد أوجزها المؤرخ الفرنسي في كتيب قديم متنوع المادة بعنوان «محرمات التاريخ». قلت لصاند عقب المحاضرة: هل تعرف مارك فرو؟ فقال بابتسامة عريضة: آه! لقد كان أستاذي في كلية الدراسات العليا بباريس وهو الذي أشرف على أطروحتي للدكتوراه. ثم قال أسفا: لقد طعن في السن واستبد به المرض.
الرواية الإسرائيلية، التي لا يدرك الغرب سواها، رواية تفبرك مجموعة إثنية وتختلق شعبها اختلاقا. تمزق وترقع وتفتق وترتق. رواية كاذبة مقيمة في عقر دار الكذب، محتمية بحماه. بل إنها «رواية كذب»، بثقل وطأة المعنى الذي يؤكده التعبير القرآني («وجاءوا على قميصه بدم كذب»). ولهذا فإن عالما لا إمكان فيه للكذب هو بكل بساطة عالم لا مكان فيه لإسرائيل. لكن لا حاجة بالإنسانية لانتظار تحول الخيال العلمي إلى إنجاز تكنولوجي لتعطيل مفاعيل الكذب السياسي والثقافي. فلقد بدأت الإنسانية تلمح وتنتبه وتلاحظ، يساعدها في ذلك أمران: فرط الإجرام الإسرائيلي وصمود الشعب الفلسطيني. شعب أعزل من كل شىء إلا من قوة الحق. شعب تتكسر في وجدانه نصال الأساطير العجب على نصال الروايات الكذب، وهو رغم كل ذلك ثابت في بداهة الحق: «أنا يوسف يا أبت!».
على أن كلمة ساركوزي ليست خلوا من الدلالة. رئيس دولة غربية تبلغ به الجسارة أو النزاهة، أو الطمأنينة الناجمة عن الثقة الخاطئة في انطفاء الميكروفون، حد قول الحقيقة عن نتنياهو ونعته بما هو فيه! صحيح أنها كلمة حق خافتة، قيلت على سبيل الإسرار، بشأن صهيوني مجرم متعجرف صادف أيضا أنه »كذاب«.
صحيح أنها كلمة حق يتيمة. لكن ما يعزز دلالتها هو أنها قيلت في وجه رئيس أمريكي «مضطر للعمل مع [نتنياهو] يوميا». رئيس أمريكي صامت، غير صادق في صمته. رئيس أمريكي جائر من فرط السلبية، خائر العزيمة السياسية من شدة الرغبة الانتخابية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.