بلغ سخط وغليان شباب الجنوب في الفترة الأخيرة مستويات مخيفة باتت لا تُبشّر بالخير، على خلفية تنامي ظاهرة البطالة وإتساع هوتها في ظل فشل المسؤولين المحليين خاصة والحكومة على وجه العموم طيلة عقود مضت في التعاطي معها وكبحها. عرفت معدلات إحتجاجات أهالي الجنوب وخاصة منهم الشباب البطال إرتفاعا ملحوظا في نسقها وحدّتها خلال السنوات الأخيرة، بدليل إضطرار العشرات من البطالين على مستوى مختلف الولايات الجنوبية إلى الخروج للشارع 4 مرات في الأسبوع تنديدا ب "إنعدام" .. نعم إنعدام وليس نقص مناصب الشغل، معتمدين في ذلك على مختلف السبل الكفيلة ولو بلفت الأنظار إليهم وشد إنتباه المسؤولين بمختلف مستوياتهم إلى معاناتهم، فمن الإحتجاج بقطع الطرق، إلى الإضراب عن الطعام، وصولا إلى الإنتحار وإضرام النيران في أجسادهم أو تقطيعها وإخاطة أفواههم، لكن للأسف لا حياة لمن تنادي .. !، لا رئيس مجلس شعبي بلدي يتدخل، ولا والي يتابع، ولا وزراء يُنصفون، واقع حال وصفه ويصفه بطالو الجنوب في إتصالاتهم مع "السلام" ب "الإستفزازي"، وأكدوا أنه بات يُهدد بإنفجار شعبوي مرتقب يقضي تماما على الهدوء والإستقرار الذي طالما تميز به جنوبنا الكبير في حال إستمر تهميش مطالب أبناءه وتجاهل التداعيات السلبية الكثيرة خاصة على البطالين منهم. تعاقبت الحكومات والوزراء المعنيون بشكل مباشر على ملف البطالة، وتعددت الوعود طيلة عقود مضت، إلاّ أنّ الوضع لم يتغير بل زاد سوء بدليل أن نسبة البطالة في الجنوب تجاوزت بحلول السنة الجارية 30 بالمائة، وهي نسبة كبيرة جدا مقارنة بعدد المشاريع الضخمة التي تحتضنها كل الولايات الجنوبية في مختلف القطاعات خاصة الطاقة، هذا الأخير كان له نصيب الأسد من إحتجاجات بطالي الجنوب، الذين لم يتركوا مشروعا أو وحدة لشركة "سوناطراك" إلاّ وإحتجوا أمامها، مطالبين بمنحهم الأولوية في التوظيف كما أمرت الحكومة، ليقابلوا بعدها بتطمينات واهية ووعود كاذبة سرعان ما يزول مفعولها ليعود هؤلاء الشباب مجددا إلى الإحتجاج وهكذا دواليك.
تسيُب وفساد مسؤولي مُديريات تشغيل محلية يؤجج الوضع ومما يزيد الطينة بلّة أو يصب الزيت على النار، هو التسيب والفساد الذي غرقت فيه مديريات تشغيل جهوية ومحلية في الجنوب، تجرد القائمون عليها من حس المسؤولية، وتلاعبوا بقوائم التوظيف التي يتم إعدادها بالتنسيق مع شركات أجنبية ووطنية تشرف على مختلف المشاريع على مستوى عديد الولايات الجنوبية، وذلك من خلال تهميشهم لأبناء المنطقة التي تحتضن المشروع مهما كان نوعه والذي هو بحاجة إلى عمالة بناء على طلب من الشركة المشرفة عليه، وإعتمادهم على المحسوبية والرشوة في توزيع مناصب الشغل خاصة منها المرموقة، التي غالبا ما تكون من نصيب شباب من الشمال وغرب البلاد، وهو ما تفطن له الشباب في جنوبنا الذي باتوا يتحدثون عن التمييز والعنصرية في التعامل معهم. البيروقراطية و"المعريفة" تُفرملان إمتيازات الإستثمار المحلي في الجنوب.. !
وفي إطار مساعي الحكومة لإنصاف شباب الجنوب ومنحهم فرص لإقتحام عالم الشغل، أطلقت إمتيازات عدة لإنعاش الإستثمار في صحراءنا خاصة في القطاعين السياحي والفلاحي، خاصة ما يتعلق بالقروض منها ما يسمى ب "قرض الرفيق"، "قرض التحدي"، ومنح العقار الفلاحي، هذا إلى جانب تنظيم دورات تكوينية قصد إكتساب الخبرة لتطوير الإنتاج، لكن وللأسف البيروقراطية، و"المعريفة"، فرملتا كل هذه التسهيلات بل وقضت عليها كلية في بعض المناطق، حيث أقدم مسؤولون بمديريات فلاحية على مستوى مختلف ولايات الجنوب على التلاعب بأموال دعم الدولة الموجهة لمنتسبي هذا القطاع من فلاحين ومربي مواشي، من خلال تمكين العشرات من آخرين غير معنيين بهذا الإمتياز من مبالغ ضخمة بعد التلاعب أو تزوير ملفاتهم التي ترفع إلى الوزارة الوصية لمعاينتها قبل الموافقة عليها أو رفضها، فيما يتم تعجيز من يستحقون هذا الدعم فعلا من البطالين بوثائق أو شروط لا يمكنهم توفيرها. واقع حال إن دل على شيء فإنما يدل على فشل الحكومة عامة، في كبح ظاهرة البطالة في الجنوب الذي وصل شبابه خاصة وأهله عموما إلى مرحلة اللاصبر التي يعقبها منطقيا الإنفجار.