أستراليا هذه البلاد الشّاسعة، والّتي عاشت وتعيش على ترابها أعراق متنوّعة، كانت كغيرها من المناطق، على تواصل مستمرّ وتفاعل مع الإسلام والمسلمين منذ زمن، حتى قبل وصول المستعمرين المسيحيّين إلى هذا البلد. فالإسلام، بغضّ النظر عما يتمّ تصويره أو تناقله عنه على لسان بعض السياسيّين أو وسائل الإعلام، بأنه دين تطرّف وعنصريّة، لا يزال محطّ أنظار الكثير من الأستراليّين، الذين يجدون فيه جاذبيّة قويّة. كان المسلمون يتوافدون في قوارب إلى جزيرة أرهام شمال البلاد، والتي كانت تحمل صيادين مسلمين. وحسب بعض المؤرّخين، فإنهم وطأوا أرض أستراليا العام 1750، وربما أكثر من ذلك بكثير، كما توضح رسومات منقوشة على بعض الكهوف والمغاور الّتي قد تعود إلى العام 1500م، وكان السكان على صلة جيّدة بالصّيادين المسلمين، حيث كانوا يقدّمون لهم الهدايا أثناء توديعهم، مما يعكس عمق هذه العلاقة. وكانت هذه العلاقات، حسب باحثين من جامعة ملبورن ، من أولى المحاولات لسكان البلاد الأصليّين لإقامة علاقات إنسانيّة وتجاريّة مع أناس من الخارج، وكانت ناجحة. ويشهد على ذلك حُسن سير العلاقات، وعدم وقوع مشاكل، وعقد الصّفقات التجارية.. والصّورة تختلف مع المستعمر البريطاني الّذي لم يعترف بحقّ السكان الأصليّين في أرضهم، فيما كان هؤلاء الصيّادون المسلمون يقيمون علاقات إنسانيّة واجتماعيّة مع السكّان، عبر الزواج من أستراليّات، وهذا ما أعطى للعلاقة بعداً مهمّاً وعميقاً على المستوى الإنساني والدّيني والثقافي، وكان للمفاهيم الإسلاميّة أثر في وعي السكّان الأصليّين ونتاجهم، وذلك في فنونهم، وحتى في طقوس جنائزهم، من تمجيد لله أو بعض الأدعية. وتتابع قدوم المسلمين إلى أستراليا مع مجيء الملايو من جنوب شرق آسيا، وزواج هؤلاء من أستراليات أيضاً، فيما تواصل زحف المسلمين حتى إلى قلب الصحراء القاحلة وسط البلاد. وحسب إحصاء السكان في أستراليا للعام 2011، فهناك 1140 شخصاً من السكان الأصليين يعرّفون أنفسهم بأنهم مسلمون، وهي نسبة أقلّ من 1 بالمائة من عدد السكان الأصليّين الإجمالي في البلاد. يعتنق السكّان الأصليّون المسيحيّة، ولكنّ عدد المسلمين بينهم تضاعف مقارنةً بما كان عليه العام 2001، حسب الإحصاء، فهل سيكون هذا دافعاً لأصحاب القرار والتّأثير السياسي والإعلامي، لئلا تأخذهم الحسابات الفئويّة والشخصيّة والحزبيّة، بعيداً عن إعادة إحياء لغة التّواصل الإنساني والحضاري بلا حدود وفواصل، لإعادة بعض التّوازن إلى الواقع المضطرب عالميّاً؟