القضاء على إرهابيين بالحدود الجنوبية الشرقية للبلاد    أمن واستقرار الصومال من أمن القارة الإفريقية برمتها    ضرورة خدمة المواطن وتعزيز تماسك النسيج الاجتماعي الوطني    فرصة لإبراز التجربة الجزائرية في مجال المساعدة الإنسانية    مشروع استراتيجي واعد ولحظة مفصلية في مسار القارة"    القرار الصهيوني الاخير بشأن غزة يهدد بشعل فصل مروع من الصراع الصهيوني الفلسطيني    برلين تحتضن فعالية إعلامية للتعريف بكفاح الشعب الصحراوي    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني    العدوان الصهيوني على غزة: التقاعس والصمت عما يحدث في القطاع يعد تواطؤا    تصفيات مونديال كرة القدم سيدات 2026 (أقل من 20 عاما): المنتخب الجزائري يجري تربصا تحضيريا بسيدي موسى    وفاة 6 أشخاص وإصابة 298 آخرين    وهران: ترقب دخول 51 مطعما مدرسيا جديدا حيز الخدمة في الموسم الدراسي المقبل    انتهاك جديد لحقوق الشعب الصحراوي    فرنسا مُهدّدة بخسارة شريك استراتيجي    دعوة للاستلهام من تجربة فريق جبهة التحرير في المقاومة    مسح وطني لنفقات الجزائريين    هذا سبب استبعاد بلايلي    خليف: أمرّ بفترة صعبة    الخضر يستعدون..    الناتج الصافي يرتفع ب31 بالمائة في 2024    عبدي علي يزور جامع الجزائر    وزارة التضامن تُحضّر للدخول الاجتماعي    والي بجاية يأمر بإعادة تصنيف الأوعية العقارية    مخاطر على العين بأثمان بخسة    أدوات النقّاد ترصد كتابات أهل القلم    معرض إسطنبول للكتاب العربي بتركيا: مشاركة مميّزة للجزائر    تنسيق القطاعات أثمر نجاح عمليات نقل الحجاج    سيدي بلعباس: اختتام فعاليات الطبعة الرابعة عشرة للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الراي    تدشين المقر الجديد لسفارة جمهورية الصومال بالجزائر    الدبلوماسي العربي لطرش محافظ لمعرض التجارة البينية الإفريقية    خلية إنصات للردّ على استفسارات حاملي البكالوريا الجدد    وجهة سياحية جديدة للمصطافين بوهران    مهندسون زراعيون يتحكمون في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة    ألوان جريئة وإطلالات مميزة هذا الصيف    آباء يطالبون بحقهم في رعاية المولود    الدوري القطري يخطف أفضل مهاجمي البطولة الوطنية    زرقان يخلف عمورة بامتياز في نادي سانت جيلواز    جاهز لرفع التحدي مع نادي بغداد العراقي    صدور معجم علم النبات والعلوم المتصلة به    رهان على النصوص الدرامية    رحلة الحنين من تونس إلى الجزائر    غزة تواجه الجحيم بين أيدي احتلال يهدّد الأمن الدولي    مناقشة الانشغالات المهنية الخاصة بنشاط الصيدلي    القبض على مروّج "بريغابالين"    صناعة صيدلانية: السيد قويدري يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية للصيادلة الخواص    زينب بنت جحش .. أم المساكين    فتاوى : شروط صحة البيع عن طريق الإنترنت    بنك التنمية المحلية: ارتفاع الناتج الصافي ب 31 بالمائة الى نحو 23 مليار دج في سنة 2024    المهرجان الثقافي الوطني لأغنية الراي: معرض للفن التشكيلي تخليدا لأعمال الفنان الراحل احمد زرقي    كرة القدم/"شان-2024" /المؤجلة إلى 2025: مباراة تطبيقية لبدلاء المنتخب الوطني في حصة الاستئناف    لاناب .. وكتاب الطفل    ندوة تحضيرية لمخيّم صناع المحتوى    شحذ الهمم وتقوية العزائم    اتفاقية شراكة بين صيدال ومدار    بقرار من رئيس الجمهورية.. الجزائر تعزز أمنها الصحي في التداوي بالخلايا الجذعية    فتاوى : تكفير المصائب للسيئات يشمل الطائع والعاصي    هكذا اجتمعت هذه الصفات في شخص النبي الكريم    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دكتاتورية الترفيه التلفزيوني
نشر في أخبار اليوم يوم 15 - 03 - 2015


بقلم: مالك التريكي*
مفارقة كبرى في مشهد الإعلام التلفزيوني العربي: على مدى عقود ظلت المؤسسات التلفزيونية العربية تقتصر على تقديم الأخبار والتسلية والرياضة. أخبار موجهة بشكل يستوجب تمجيد الحاكم بمناسبة وبغير مناسبة. وتسلية لا تكاد تدور إلا حول محور دغدغة الغرائز، ولا تفتح على أفق سوى تزجية الوقت أو (قتل الوقت)، حسب تعبير شعبي شائع ولكنه دقيق. ورياضة إعادية تكرارية مملة مبالغ في الاحتفاء بها ولكنها من لزوم البزنس السياسي وإدخال الفرحة إلى قلوب الجماهير.
ورغم أن الانطباع السائد هو أن الوضع قد تغير بعد ظهور الفضائيات العابرة للقبليات التلفزيونية العربية أوائل التسعينيات، فإن التغيير لم يكن في واقع الأمر إلا نسبيا، حيث أنه اقتصر على طريقة تناول الأخبار وما يتفرع عنها من القضايا السياسة ومناكفاتها بين الإخوة الأعداء. والأعوام الأخيرة قد أثبتت للرأي العام العربي بأجمعه تقريبا أن تطور الأداء الإخباري لم يغير جوهر المعادلة التلفزيونية العربية، بل إن دار لقمان لا تزال على حالها: توجيه في السياسة، وتسطيح في ما عداها.
أما ما يجمع بين عهدي ما قبل الفضائيات وما بعدها، فهو الإعراض التلفزيوني عن كل ما يتعلق بالفكر والثقافة. إذ إن معظم إدارات المؤسسات التلفزيونية العربية تكره الثقافة (كراهة التحريم) لأسباب (موضوعية) عادة ما تتضمن التوهم بأن التلفزيون كائن ترفيهي ضعيف لا قبل له بالجد والعمق، والظن بأن الجمهور بمختلف شرائحه لا يتحمل (النقاشات الأكاديمية) ووجع القلب. أما السبب الذاتي غير المعلن فهو أن هذه الإدارات تتحسس مسدساتها كلما سمعت كلمة ثقافة!
إلا أن المفارقة قد حدثت في تونس بعد فترة قليلة من اندلاع الثورة الشعبية. إذ اكتشفت القنوات التلفزيونية، قديمها وجديدها، أن هنالك عددا كبيرا من المثقفين والباحثين والمفكرين في البلاد فصارت تستضيفهم بوتيرة شبه يومية. والملاحظ أن معظم هؤلاء المثقفين يقبلون الدعوة. وإذا كان من المفهوم، بل المطلوب، أن يشاركوا في برامج حوارية جادة مثل برنامج (مغربنا في التحرير والتنوير)، فإن ما لا سبيل إلى فهمه هو قبولهم المشاركة في برامج ليس لها (لا راس ولا أساس)، كما يقول المثل التونسي. برامج (توك شو) شعبوية التوجه والمستوى ومنبنية على فلسفة أن المواطن قد ضاق ذرعا بمصاعب المعيشة واضطراب الأوضاع وأن دور التلفزيون هو أن يوفر له بعض الترفيه (الذي يسميه التونسيون (التفرهيد)).
سياسة الاستغفال
برامج ثرثرة وإثارة نجحت في تحويل الترفيه إلى نظام شمولي يستغفل الجميع على قدم المساواة. وكيف تؤثث (دكتاتورية الترفيه) هذه وقتها؟ إنها تعمد في حالات كثيرة إلى الجمع في حصة واحدة بالتوالي عادة، وبالتزامن أحيانا بين مطربة، وفكاهي، وممثل، وسياسي ومفكر! تستضيف الجميع بكرم تلفزيوني حاتمي وفي جو يغلب عليه المرح والمزاح وضحكات الجمهور الحاضر في الأستوديو. ومن عجائب هذا الزمن التلفزيوني الجديد أن الجميع في تونس يصرّون، لحكمة لا نعلمها، على أن يسموا الأستوديو باسم (بلاتو) وأن المذيعين يرددون كلمة (بلاتو) هذه في الساعة مرات ومرات، كل حسب طاقته. ولأن هذا الكوكتيل الهجين مخالف لطبائع الأشياء، فإن المثقفين كثيرا ما يجدون أنفسهم واقعين في فخ من التفاهة والسفاهة. ولكن العجيب أن جميعهم تقريبا لم يستوعبوا الدرس ولم يتوبوا: كلما وجهت لهم الدعوة قبلوا، كأنهم ملزمون إلزاما أو كأن مجرد الظهور التلفزيوني غاية في حد ذاته. وقد وجهت اللوم لبعضهم شخصيا وبدا لي بعدها أنه قاطع هذا النوع من التهريج التلفزيوني. ولكنه عاد.
ولهذا فقد كان من المحزن أن يقع الأستاذ محمد الطالبي الأسبوع الماضي ضحية لأحد هذه البرامج، فيتخذ هزؤا وتتناوشه الألسنة. شيخ في الثالثة والتسعين من العمر ينتمي إلى الصفوة الحداثية التي حددت مصير تونس في القرن العشرين إلا أنه من القلائل الذين نشأوا فثبتوا على الالتزام بفرائض الدين الإسلامي وضوابطه وآدابه. هذا فضلا عن أنه منكب منذ عقود على محاولة قراءة القرآن الكريم قراءة مقاصدية. رجل يعرّف الإسلام بأنه (دين الحرية) ويؤمن بأن حياة الإنسان إنما هي (عبور نحو الله).
وبعد، فقد أصاب من قال: إن مقاطعة المثقفين للإعلام التلفزيوني التونسي (قد تكون) أول خطوة نحو إصلاحه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.