رئيس المجلس الشعبي الوطني يستقبل رئيس المحكمة الدستورية البرتغالية    محروقات: التوقيع على اتفاق-إطار بين وكالة "ألنفط" والشركة العمانية بتروغاز    تصعيد خطير يستهدف الطلبة الصحراويين بجامعة أكادير بالمغرب    بللو يشرف على إطلاق برنامج "هي" الموجه لحاملات مشاريع سينمائية    إحياء الذكرى السبعين لتأليف النشيد الوطني "قسما"    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 56500 شهيدا و133419 مصابا    غزّة.. حرقٌ وقتلٌ وجوعٌ    ثمانية عقود من الأمم المتحدة... وتسعة وجوه للسلطة والخذلان    ميسي باريس سان جيرمان.. وجهاً لوجه    استلام وشيك لمشاريع ربط 27 منطقة نائية بالكهرباء والغاز    طاقة :عرقاب يتباحث سبل تعزيز التعاون الثنائي مع سفير كازاخستان بالجزائر    فرحة عارمة تعمّ الأحياء والشوارع    عرض فيلم وثائقي حول مسيرة الأستاذة والكاتبة جوهر أمحيس أوكسال    مشاركة قياسية بحضور وجوه رياضية وفنية    تمكين المرأة في الجزائر من المسؤولية وصنع القرار يعد التزاما ومكسبا دستوريا    معرض الجزائر الدولي: مشاركة قياسية تعكس جاذبية السوق الوطنية ومناخها الاستثماري    أسواق النفط تشهد تقلبات حادة    الأمن الوطني يتعزّز..    لاناب تُجدّد التزامها    ظاهرة الكهول العزّاب تتفشّى في الجزائر    مساع لمحاربة المخدرات والآفات الاجتماعية    الاغواط : حجز أزيد من 4 آلاف قرص مؤثر عقلي    ضرورة صون أمانة الشهداء والحفاظ على سيادة واستقلال البلاد    433.308 عدد المترشحين المتمدرسين الناجحين في شهادة التعليم المتوسط    استشهاد 66 طفلا فلسطينيا نتيجة سوء التغذية    الكيان أسدى تعليمات بإطلاق النار على المدنيين الباحثين عن الغذاء    إبراز مواقف الجزائر وخدمة القضايا العادلة    67,56 ٪ نسبة الناجحين المقبولين في "البيام"    نسبة نجاح 100% في "البيام" بمدارس أشبال الأمة    المجاعة تفتك بأطفال غزّة    تسليم خط السكة بشار - غارا جبيلات قبل نهاية 2025    انتخاب فريد بوقايس رئيسا جديدا    التزام قوي للجزائر بتحقيق أهداف التنمية المستدامة    تحرك ميداني بعنابة ضد المخدرات    مخيَّم صيفي تثقيفي وترفيهي لأبناء الجنوب    فولفسبورغ الألماني يضع شرطا قاسيا لبيع عمورة    بريد الجزائر يحدّد السّقف اليومي للدفع عبر الهاتف    نادي ليدز الإنجليزي الأقرب للفوز بصفقة حيماد عبدلي    تجاوب كبير مع حملة النظافة بالعاصمة    الهوية والمنفى والتصوف في قلب "موت أبيض"    أجيال وتيارات تلتقي في الإبداع وقضايا إنسانية أخرى    فتح باب التسجيل للمسابقة الوطنية لحفظ القرآن الكريم    الطبعة ال24 لكأس الجزائر للأصاغر و الأشبال للفوفينام فيات فو داو: تألق رياضيي الجزائر العاصمة (إناث) و بومرداس (ذكور) بالبيض    رياضة: انتخاب فريد بوقايس رئيسا جديدا للاتحادية الجزائرية لألعاب القوى    البطولة الوطنية للدراجات 2025 : ياسين حمزة يتوج بسباق فردي عام نخبة    580 مشروعا سياحيا قيد الإنجاز    الجزائر حريصة على صيانة التراث الثقافي    التاريخ الهجري.. هوية المسلمين    آيت نوري يتوهّج    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    صناعة صيدلانية: تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الوزاري الافريقي المرتقب نوفمبر المقبل بالجزائر    يوم عاشوراء يوم السادس جويلية القادم    غرة شهر محرم 1447هجري ستكون يوم الجمعة 27 جوان 2025    تسليم أولى تراخيص تنظيم نشاط العمرة للموسم الجديد    الجزائر-موريتانيا: فرق طبية من البلدين تجري عمليات لزرع الكلى بالجزائر العاصمة    احذروا الغفلة عن محاسبة النفس والتسويف في التوبة    التعبئة العامّة.. خطوة لا بد منها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا كان يغتنم السلف شهر الخيرات
نشر في أخبار اليوم يوم 20 - 05 - 2015

ها قد مضى شهر رجب الأصم، وأهلَّ علينا شهر مبارك، شهرٌ أحبَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وفضَّله على غيره من الشهور، شهرٌ تُرفَع فيه أعمالُنا إلى الله، هذا الشهر -أيها المسلم- كان الصالحون من هذه الأمة يستعدون فيه، ويتسابقون فيه على طاعة الله، وكانَ يراجِع فيه العاصون أنفسَهم؛ ليتوبَ الله عليهم، شهرٌ قال عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك شهرٌ يغفُل الناسُ عنه بين رجب ورمضان).. إنَّه شهر شعبان المعظَّم.
فتعالَ -أخي الكريم- لنستمعَ معًا إلى أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهي تحدِّثُنا عن حال النبيِّ صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان:
روى البخاري ومسلم عن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالتْ: (ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استكملَ صيام شهر قطُّ إلا شهر رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان). وفي رواية لأبي داود قالتْ: (كان أحبّ الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يصومَه شعبان، ثم يَصِله برمضان).
وقد روى الترمذي والنسائي عن أسامة بن زيد، قَال: قُلتُ: يا رسول الله، لمْ أرَكَ تصوم شهْرًا من الشهور ما تصوم مِنْ شعْبان. قال: (ذلك شهْرٌ يغْفُل الناس عنْه بيْن رجب ورمضان، وهو شهْرٌ تُرْفَع فيه الأعْمال إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أنْ يرْفعَ عملي وأنا صائمٌ).
إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عندما أجابَ أسامة عن سؤاله بقوله: (ذَلكَ شَهْرٌ يَغْفُل الناسُ عنْه بيْنَ رَجَب ورمضانَ، وهو شَهْرٌ تُرْفَعُ فيه الأعْمال إلى رَبِّ العالمين، فأحِبُّ أنْ يُرْفَعَ عملي وأنا صائِمٌ).
كأنَّه أرادَ أن يقولَ لكلِّ مسلمٍ: يا مسلم، لا ينبغي لك أن تغفُلَ عن الله حينَ يغفُل الناسُ، بل لا بُدَّ أن تكونَ مُتيقظًا لربِّك سبحانه وتعالى غيْر غافلٍ، فأنت المقبلُ حالَ فِرارِ الناس، وأنت المتصدِّقُ حال بُخْلِهم وحِرْصهم، وأنت القائمُ حالَ نومِهم، وأنت الذاكرُ لله حالَ بُعْدِهم وغَفْلَتِهم، وأنت المحافظُ على صلاتك حالَ إضاعتهم لها.
نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم يريد من خلال كلامِه أن ينبِّهَ الناسَ جميعًا إلى أهميَّة عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وهذا ما كان يفعلُه سلفُنا الصالح، فلقد كانوا يستحبون إحياءَ ما بيْن العِشَاءَين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة يغفُل الناسُ عن طاعة الله.
بل إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيَّنَ الثوابَ العظيم الذي جعلَه الله لمن يذكره في مواطنِ غفلة الناس، ومن المواطن التي يغفُل الناسُ فيها عن ذِكْر الله موطن السوق.
واسْمعْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فقال: لا إله إلاَّ الله وَحْدَه لا شَريكَ له، له المُلْكُ وله الحمْد، يُحْيِي ويُمِيت وهو حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِه الخَيْرُ وهو على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - كَتبَ الله له ألفَ ألْف حسنَةٍ، ومَحَا عنْه ألْفَ ألْف سيِّئةٍ، ورَفَعَ له ألْفَ ألْف درَجَة). رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، وفي رواية: (وبَنَى له بَيْتًا في الجنةِ).
ولو نظرتَ إلى واقع الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- لرأيتَهم يستعدون لشعبان كما يستعدون لرمضان؛ فعن لؤلؤة -مولاة عمار- قالت: (كان عمارُ رضي الله عنه يتهيَّأ لصوم شعبان كما يتهيَّأ لصومِ رمضانَ).
هدي السلف
لقدْ كانوا يهتمون بهذا الشهر اهتمامًا خاصًّا؛ لِمَا عرفوا من نفَحَاته وكَرَاماته، فكانوا ينكبُّون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه، ويتصدقون من أموالهم، ويتسابقون إلى الخيْرات، وكأنهم يُهيِّئون قلوبَهم لاستقبال نفحات رمضان الكُبرى، حتى إذا دخلَ عليهم رمضان دَخَلَ عليهم وقلوبُهم عامرةٌ بالإيمان وألسنتُهم رطبةٌ بذِكْر الله، وجوارحُهم عفيفةٌ عن الحرام طاهرةٌ نقيَّةٌ، فيشعرون بلذَّة القيام وحلاوة الصيام، ولا يَملُّون من الأعمال الصالحة؛ لأنَّ قلوبَهم خالطتها بشاشةُ الإيمان وتغلغَل نورُ اليقين في أرواحِهم.
ولذلك قال سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي التابعي -رحمه الله تعالى- عندما رأى قومَه إذا أقْبَلَ عليهم شهر شعبان تفرَّغوا لقراءة القرآن الكريم: (شهرُ شعبان شهرُ القُرَّاء).
وكانَ عمرو بن قيس إذا دَخَلَ شهرُ شعبان أغْلَقَ حانوتَه، وتفرَّغ لقراءة القرآن.
بل كانوا يقولون: شهرُ رجب هو شهرُ الزرع، وشهرُ شعبان هو شهرُ سَقْي الزرع، وشهرُ رمضان هو شهْرُ حَصادِ الزرع. بل شبَّهوا شهرَ رجب بالريح، وشهرَ شعبان بالغيم، وشهْرَ رمضان بالمطَرِ، ومَن لم يَزْرعْ ويَغْرِسْ في رجب، ولم يَسْقِ في شعبان، فكيف يريد أن يحْصدَ في رمضان؟!
وها قد مَضَى رجب، فماذا أنت فاعل في شعبان إنْ كنتَ تريدُ رمضان؟ هذا حالُ نبيِّك وحالُ سَلَف الأُمَّة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعُك من هذه الأعمال والدرجات؟
فتعالَ معي لنتعاهد على أنْ نعمرَ أوقات الغفلة بطاعة الله وبقدْر استطاعتنا؛ كما عمَّرها سلفُنا الصالح رضي الله عنهم. تعالَ لكي أُذكِّرك بأعمال بسيطة غَفَلَ الناسُ عنها في هذه الأيام، وأحثّك على تطبيقها في شعبان؛ كي تسهلَ عليك في رمضان، فما شهرُ شعبان إلا دورة تأْهِيليَّة لرمضان. تعالَوا لنحافظ على الصيام، كما كان يفعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان. ونحن لا نريد أن نقولَ لكم: صوموا كلَّ الشهْر، ولا نصفه، ولكن صُمِ الاثنين والخميس، أو على الأقل صيام الأيَّام البيض.
ولنحافظ على الصلاة في المسجد، هذا العمل تهاونَ فيه الكثيرُ من المسلمين في دنيا اليوم، وليسمع كلُّ مَن غفلَ وتهاونَ وفضَّلَ الصلاة في بيته عن المسجد ما قالَه ابنُ مسعود صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ على هؤلاء الصّلوات حيث يُنَادَى بِهِنَّ؛ فإن اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكم صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهُدى، وإنَّهنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى، ولو أنَّكم صلَّيتُم في بيوتِكم كما يُصَلِّي هذا المُتخَلِّفُ في بيْتِه، لتركْتُم سُنَّةَ نَبِيِّكم، ولو تركْتُم سُنَّةَ نَبِيِّكم لَضَلَلْتُم).
لنحافظ على قراءة القرآن، ولو نِصْفَ جزء يوميًّا، ولنعوِّد أنفسَنا على قيام الليل.
ونهايةً، أقول لك أخي المسلم وأختي المسلمة:
مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ *** وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الْمُبَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلاً *** بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ واحْذَرْ بَوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَاتِ قَهْرًا *** وَيُخْلِي الْمَوْتُ قَهْرًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا *** بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ *** فَخَيْرُ ذَوِي الْجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ
نسألُ اللهَ العَلي القدير أنْ يتوبَ علينا، وأن يجعلَنا من أهل الطاعات، وأن يرزقَنا الجنةَ، وما يقرِّبُ إليها من قَوْل وعمل، ويباعدَنا عن النار، وما يقرِّب إليها من قوْل أو عمل.
وصلِّ اللهم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصَحْبه وسلِّم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.