بقلم: الشيخ أبو إسماعيل خليفة بفضل صيام رمضان ينخرط كلّ الصّائمين وعامّة المسلمين في تجربة رائعة تتمثّل في العناية الفائقة بالمواقيت والمواعيد المتعلّقة بالصّيام وما يتبعه. فشهر رمضان يُحسب يوما يوما وليلة ليلة وأوقات السّحور والفطور تحسب مواعيدها وتغيراتها ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة، إنه مدرسة لمن وفّق إلى دخولها وانتبهت بصيرته إلى دقائق دروسها، فهل من أفطر قبل مغيب الشمس بدقيقة يصحّ صومه؟ الجواب: لا يصحّ صومه ولو كان الفارق دقيقة واحدة. فإذا كان للدقيقة هذا الأثر الكبير في حياة المسلم فكيف بالساعة وأختها؟ إن الإسلام دين يحثّ على اغتنام الأوقات والاستفادة منها، فكم تضيع علينا من دقائق، بل ساعات من غير فائدة. والحقيقة أن أركان الإسلام العملية الأربعة: الصلاة والزكاة والصّوم والحجّ، كلّها ذات مواعيد وآجال زمنية دقيقة ومنتظمة من شأنها أن تجعل المسلمين أرهف إحساسا بالزمن وأكثر تقديرا له، فالتزامهم بالزمن الرمضاني هو الغاية القصوى في ذلك لو كانوا يدومون عليه ويستفيدون منه في مجمل حياتهم، فهل يدركون أن القيمة الفعلية لصيام كلّ واحد إنما تعرف وتقدّر بأمرين: الأوّل: هو مقدار ما حقّقه من مقاصده وما جناه من فوائده طيلة أيّام رمضان ولياليه. الثاني: ما يبقى وما يدوم من تلك المقاصد والمكاسب الرمضانية. فالكلّ يعلم أن الأشياء والصفات الزائفة أو الرديئة هي التي تنمحي وتزول بأسرع وقت، بينما الأشياء والصفات الجيّدة الخالصة هي التي تصمد وتدوم، قال تعالى: {فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض} الرعد: 17. ألا فإن من فقه تنمية الشعور بالزمن وقيمته في شهر رمضان المبارك أن ندرك أن لكلّ زمان ما يناسبه من الأقوال والأفعال والتصرّفات وردود الفعل. فيجب على المسلم أن يحرص كلّ الحرص على أن يقول ما يريد قوله أو فعل ما يريد فعله -بعد ترّيث وتأنٍّ ونظر في مآلات الأفعال والأقوال- في الوقت المناسب. فتأخّر القيام بالفعل المناسب أو القول المناسب في أوقاتها المناسبة أو تقديمها عنها سيؤثّر سلبا على الأثار المرجوة والمتوقّعة من تلك الأفعال أو الأقوال. وبعد، أيها القرّاء الكرام فشهر الصّوم مدرسة مفتوحة والمقاعد الدراسية تتّسع لجميع المسلمين والمسلمات، فلنعرف كيف نكسب الرهان في هذا الميدان ولنعرف كيف نجني ثمرة الصّيام في هذا العام ونتطهّر من أوضار الذنوب والآثام وإلاّ كان صيامنا في كلّ عام تعبا بلا فائدة وشجرة بلا ثمر. جعل اللّه لنا ولكم مواسم الخيرات مربحا ومغنما، وأوقات البركات والنفحات إلى رحمته طريقا وسلما، والحمد للّه ربّ العالمين.