بقلم: هيفاء زنكنة لا أدري لم يرتبط وجود الأطفال في ذهني بالكتب. هل هو الأمل بالتواصل الحياتي والمعرفي أم هو الخوف من القطيعة الإنسانية حين تحرق الكتب ويقتل الأطفال؟ هل هذا ما عناه الشاعر الألماني هاينرش هاينه حين قال (من يبدأ بحرق الكتب ينتهي بقتل الإنسان)؟ ومنشأ الإنسان هو الطفل. الهذا نركز حين نكتب عن الحوادث المفجعة التي تصيب بلدا ما على سردية تأثير الفاجعة على الأطفال أكثر من غيرهم؟ وقعت واحدة من الحوادث الكارثية التي يعيشها أطفال العراق الجديد ليلة التاسع من الشهر الحالي حين اندلعت النيران في وحدة الولادة والأمراض النسائية في مستشفى اليرموك غربي بغداد. كانت النتيجة حرق 12 طفلا كانوا موجودين في وحدة الرعاية الخاصة. وأصيب 19 طفلا وامرأة بالحروق والاختناق بسبب الدخان الذي استنشقوه. لم تتعرف أمهات الأطفال اللواتي ظنن أنهن تركن أطفالهن في مكان أمين وبعهدة أفضل من يتولى رعاية الأطفال على الرفات المتفحمة التي سلمت اليهن. بدلا من مفردات الطفولة والبراءة والأمل وفرحة استلام الوليد بعد تعافيه تكررت مفردتا الفحم ولماذا على شفاه الأمهات النائحات والآباء وهم يمدون أيديهم لاستلام علب كارتونية قيل لهم إنها بقايا أبنائهم. لماذا يموت الأطفال حرقا في مستشفى رئيسي في بغداد يتضمن كما يشاع وحدة للطوارئ ومنشآت تعليمية ؟ تشير شهادات الأطباء والممرضين والأهالي بالإضافة إلى الصور التي التقطت بعد الكارثة مباشرة إلى تغلغل الفساد المالي والإداري وما يصاحبهما من انحطاط أخلاقي في كل مفاصل النظام من أعلاه إلى أسفله ومستشفى اليرموك (دعونا ننسى وزارتي الدفاع والنفط) باعتبارها المكان الذي يجب أن يتميز بأعلى القيم النبيلة هي النموذج الأفضل. فلو افترضنا أن الحريق نتج عن تماس كهربائي حسب تصريح المسؤولين أو حتى عمدا إجراميا كما يشاع فأين كان الممرضون الخفر ووسائل إطفاء النار العادية كي يتم إنقاذ الأطفال فورا؟ لماذا تم قفل الأبواب على ردهة الأطفال وتركهم بدون رقابة ولم يتمكن أحد من إيجاد المفاتيح لفتحها فتحولت إلى فرن وقوده الأطفال؟ لماذا لم تصل سيارات إطفاء الحريق إلا بعد ساعات؟ لماذا لا توجد مخارج للطوارئ في مستشفى بهذا الحجم والأهمية؟ لماذا يفتقر المستشفى إلى وسائل مكافحة الحريق وهو في عاصمة بلد يعتبر من أغنى دول المنطقة ؟ ما هي تكلفة وسائل مكافحة الحرائق وتنظيف المستشفى من الصراصر وهي تخرج زاحفة من بين البلاط المتكسر والحاويات الملأى بالأزبال والمراحيض القذرة كما أظهرت الصور الملتقطة بعد الحريق؟ ألم يكن بإمكان السراق _ ساسة النظام التخلي عن نسبة ضئيلة من مليارات الدولارات التي نهبوها في السنوات الأخيرة؟ هل خطر في بال أحدهم ومعظمهم يرتدي عمامة الدين ويسترشد بالفتاوى تكريس نسبة مما يجمعونه من الخمس والزكاة لأدامة المستشفيات ؟ في غياب استحالة معرفة الحقيقة وعدم الثقة بممارسات النظام ولجانه التحقيقية المشهورة بأنها لا تحقق وفي ظل غياب القضاء النزيه تنفتح الأبواب على سعتها أمام تفسيرات المواطنين المجسدة لمخاوفهم أو المبنية على ما يعرفونه من خفايا ولا يمتلكون القدرة على اثباتها بالدلائل القانونية. من بين التحليلات التي صاحبت انتشار خبر الفاجعة على مواقع التواصل الاجتماعي تصريح إحدى أمهات الأطفال المحروقين بأن إدارة المستشفى باعت الأطفال وما تسلمه أهل الضحايا هو إسفنج محروق. في موقع آخر كتب أحد المواطنين ما يبدو أكثر واقعية لشدة ارتباطه بالفساد: (الحاضر يخبر الغايب وخصوصا آباء الأطفال الخدج الذين احترقوا ظلما والسبب ليس كما يقول (...) من وزارة الصحة أنه ناجم عن تماس كهربائي فهذا كذب والله كذب فقد وصلتني معلومات من داخل المستشفى ومستعدين للإدلاء بشهادتهم وإليكم التفاصيل: قبل فترة قليلة وصلت إلى مستشفى اليرموك أجهزة طبية حديثة فقام بعض الأطباء والمسؤولين بسرقتها من المخازن الخاصة بها في المستشفى ثم قام هؤلاء المجرمون بإشعال حريق مفتعل لغرض إخفاء جريمة السرقة حيث سيتم تقييد الأجهزة المسروقة ضمن خسائر الحريق لكن النيران امتدت إلى أبعد مما كانوا يخططون فأصابت قسم الأطفال الخدج واحترق منهم من احترق وتم إنقاذ الباقين.. وأخيرا على آباء الأطفال إذا أرادوا فتح تحقيق فهناك من كادر المستشفى من يعرف الحقيقة ويريد فضح هؤلاء المجرمين. اللهم إني بلغت وهذه المعلومات حصلت عليها شخصيا من المقربين داخل المستشفى وإنا لله وإنا إليه راجعون). هل هذه هي الحقيقة؟ لا ندري. ما نعرفه جيدا هو أن جريمة حرق الأطفال ستمر بلا مساءلة وعقاب كما مئات الجرائم التي سبقتها من بينها تفجير وحريق الكرادة الذي راح ضحيته المئات. حيث يكتفي الساسة بنشر خبر عن مطالبتهم (يطالبون من؟) بمحاسبة المقصرين بالحادث وإنزال أقصى العقوبات بحقهم. وهذا هو أقصى ما يحصل عليه المواطن في كل مرة يتعرض فيها إلى فاجعة جديدة فالنظام منخور بالفساد والطائفية والاقتتال حماية للمصالح الشخصية. والأكثر من ذلك يبدو التساؤل غير المنطقي منطقيا فلم يهتم ساسة النظام بالمستشفيات وتوفير الرعاية الصحية والتعليم وأطفالهم وعوائلهم لا يعيشون أساسا في العراق بل ينعمون بأفضل الخدمات خارج البلد ويبذرون أموال البلد المنهوبة بطرق مثيرة للتقزز ؟ مع كارثتي حرق الأطفال في مستشفى اليرموك وحرق الشباب في مجمع الكرادة للتسوق في بغداد أيضا لم يعد الموت مرتبطا بتفجير سيارة في سوق أو انتحاري في جامع أو حسينية أو قصف حكومي بالبراميل المتفجرة. صار للموت وجه جديد يحصد من خلاله الحياة بشكل جماعي. ضحايا الكرادة حوصروا في مجمع بلا مخارج احتياطية للإنقاذ واحترق الأطفال في مستشفى اليرموك لأن آلة إطفاء الحرائق كانت عاطلة. هل هو عقم النظام عقم رجاله ونسائه سوية؟ عجزهم المفضوح عن أن يتمكنوا ذات يوم من إنجاب الحياة؟ أم أنها رغبتهم بالانتقام من بلد لا يشعرون بالانتماء إليه؟