الشيخ: قسول جلول يتفق الجميع على أن الفسادُ خُلُق ذميم يبغضه الله تعالى ولا يرتضاه لخلقه وللأئمة دور كبير في النصح وتعزيز النزاهة والقيم النبيلة والأخلاق الفاضلة ومكافحة آفات الفساد وذلك لما لهم من تأثير كبيرعلى أفراد المجتمع الجزائري. نجد أنّ الأئمة كانوا وما فتئوا يؤدون ما فرضه المولى -جل وعلا- عليهم من واجب بيان الحق وتقديم النصح ووعظ الناس وتوعيتهم بما ينفعهم وما يضرهم وذلك كله على ضوء من كتاب الله الكريم وسنة نبيه المطهرة النابعة من قوله تعالى: إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وقوله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً وقوله صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ويبرز دور الائمة في المجتمع من باب أولى في إرشاد وتوجيه الناس إلى المشاركة وتحمّل المسؤولية في مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والتأكيد على خطورة الإفساد في الأرض ونصح المخالفين والتحذير من عواقب الاختلاس والسرقة والنهب في الدنيا والآخرة ونصح الناس وتوجيههم بالتي هي أحسن وتحريض الضمير على أن يبقى حياً خائفاً من العقوبة وملتزماً بالنظام وأن لا يأخذ مالاً ليس له فيه وجه حق كما أن للأئمة دورا مهماً في تسليط الضوء على كل ما يتعلق بالفساد والتعريف بمفاهيمه وأنماطه واستراتيجيات مكافحته وإبراز دور التشريعات في الحد من انتشاره وكشف آثاره الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.! ويبلغون الأئمة أننا في بلدنا الجزائر نستلهم سلوكنا من القرآن الكريم والسنة النبوية عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا:لِمَنْ؟ قَال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) هذا الحديث عظيم الشأن عليه مدار الإسلام كلّه. قال بعض العلماء: هو أحد أرباع الإسلام أي ربع الإسلام الدين النصيحة قال: النصيحة حيازة الحظ للمنصوح له أي أن تصرف عنه السوء وأن تجلب له الخير معنى ذلك أن المنصوح شخصٌ مهمٌ بالنسبة إليك كيف لا وهم أبناؤنا وآباؤنا وجيراننا وإخوتنا الخ تريد أن تصرف عنه السوء تنصحه أن يبتعد عن الفساد أو تجلب له الخير تنصحه أن يفعل كذا وهي : النصيحة كلمة جامعةٌ مانعة تبين أن الإنسان حاز خيري الدنيا والآخرة كلُّ الخطب والدروس والمواعظ تلخصه كلمةٌ واحدة هي النصيحة نصحته أي بينت له جئت له بالأدلة أكدتُّ هذا بوقائع بينت له الكلام بشكل منطقي وبشكل عقلاني وبشكل واقعي وعبرت عن محبتي وعن إخلاصي.. مجمل هذا القول وما فيه من تأكيدات يسمّى نصيحة.. فكلام الناصح صاف ليس فيه شوائب ولا فيه خلل التوبة النصوح الخالصة التي لا انتكاس بعدها توبةٌ نصوح توبةٌ خالصة إذاً أعلى درجة من الإخلاص والصفاء والوضوح والدقة والواقعية والموضوعية هي النصيحة. النصيحة لله عزَّ وجلَّ : أولاً: لنفهم ما معنى النصيحة لله. الله جلَّ جلاله غنيٌ عن أن تنصحه لكن تنصح له فرقٌ كبير بين أن تنصحه وبين أن تنصح له تنصح له نفسك وتنصح له غيرك والمعنيان واضحان في هذا الحديث تنصح له نفسك وتنصح له غيرك فما هي النصيحة لله عزَّ وجلَّ؟ قال: الإيمان به ونفيُّ الشريك عنه وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بالكمال والجلال وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع النقائص والقيام بطاعته واجتناب معصيته والحبُّ فيه والبغض فيه... الدين النصيحة هذا من التعريفات الجامعة المانعة الدين النصيحة.. طبعاً مرةً تنصح نفسك أولاً فإن نصحتها لله وآمنت بالله وأطعته وأخلصت له تنصحّ غيرك.. ابنَّ آدم عظ نفسك فإن وعظتها فعظ غيرها النصيحة لكتاب الله : أما النصيحة لكتابه.. فالإيمان بأنه كتاب الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدرُ على مثله أحدٌ من الخلق ثمَّ تعظيم هذا الكتاب وتلاوته حقَّ التلاوة آناء الليل وأطراف النهار وتحسين هذه التلاوة والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والدفاع عنه والتصديق بما جاء فيه والوقوف مع أحكامه والاعتبار بمواعظه النصيحة لرسول الله : أما النصيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به.. فقد قال الله تعالى: _ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً _سورة الأحزاب: 36 _ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً _سورة النساء: 65 وكما قال سيدنا سعد بن أبي وقاص: ثلاثةٌ أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ما سمعت حديثاً من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى .فالنصح لرسول الله أن تصدقه على رسالته وأن تؤمن بجميع ما جاء به وأن تطيعه في أمره ونهيه وأن تنصره حياً وميتاً وأن توقره وأن تحيي طريقته وسنته وأن تبث دعوته وأن تنشر شريعته النصيحة لأئمة المسلمين : وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف.. أي إذا الله عزَّ وجل أمرك أن تأمر بالمعروف يجب أن تأمر بالمعروف بلطف وبحكمة.. وتنبيههم إذا غفلوا وتأليف قلوب الناس لطاعتهم. ونصيحتك لهم أن تعاونهم على أمر دينهم أن تذكرهم إذا نسوا أن تعاونهم على أداء أمر الله عزَّ وجلَّ. نصيحتك لعلماء المسلمين قال: قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم وإعانتهم للمحافظة على المرجعية الدينية والفكر الديني للمجتمع والعودة إليهم في النصيحة والرشد .. نصيحة عامة المسلمين : أما نصيحة عامة المسلمين فكفُّ الأذى عنهم وإرشادهم إلى خير الدنيا والآخرة وتعليمهم ما يجهلون وإعانتهم على دينهم بالقول والعمل وستر عوراتهم وسدُّ خلواتهم ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم وتخولهم بالموعظة الحسنة وترك غشهم وحسدهم ويحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها.وتوجيههم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة وتنشيط هممهم إلى الطاعات.. أي هذا الذي ينطوي عليه الحديث: النصح لله ولكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم. وهذا الحديث هو الإسلام الدين النصيحة أن تنصح نفسك أولاً وأن تنصح الآخرين ثانياً إلا أن العامة في آخر الحديث فتنصحهم مباشرة أن تنصح لله وأن تنصح لكتاب الله وأن تنصح لرسول الله أما الباقون فتنصحهم مباشرةً أي تدلهم على الخير وتعينهم عليه. والحمد لله ربَّ العالمين..