تطوير التعاون في مجال الكهرباء محور مباحثات ببرازافيل بين السيد عرقاب و وزير الطاقة الكونغولي    وزير الفلاحة يشرف من بومرداس على إطلاق النظام الجديد لدمج الحليب الطازج منزوع الدسم    حوادث الطرقات: وفاة 38 شخصا وإصابة 1623 آخرين خلال أسبوع    فلسطين/اليوم العالمي للتنوع البيولوجي: حرب صهيونية على البيئة الطبيعية في غزة    عون يشرف على تنصيب التركيبة الجديدة للجنة الخبراء العياديين    الإتحاد الإفريقي: الجزائر قادرة على تعزيز المبادلات البينية الافريقية من خلال قطاع الفلاحة    قواوي : خطر التطهير العرقي يهدد 1.5 مليون فلسطيني في رفح    المركز الدولي للمؤتمرات: رئيس الجمهورية يشرف على لقاء مع رؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في المجالس المنتخبة    رئيس الجمهورية: الارتكاز على الكفاءات الشبانية لتجسيد جزائر منتصرة علميا و اقتصاديا بنفس جديد    إيران: بدء مراسم تشييع جثامين إبراهيم رئيسي ومرافقيه    وصول أول فوج من الحجاج الجزائريين إلى البقاع المقدسة    وحدات الجيش الصحراوي تستهدف جنود الاحتلال المغربي بقطاع حوزة    بباتنة…15 ضحية في حادث مرور خطير    فلاحة: السيد شرفة يبحث مع نظيره الموريتاني سبل تعزيز التعاون الثنائي    مجلس الأمن.. دقيقة صمت ترحما على الرئيس الإيراني ومرافقيه    فقدنا قائدا وأخا وشريكا جمعتنا به خدمة أواصر الأخوة والتعاون ونصرة القضايا العادلة    الرئيس - الطلبة.. رسالة قويّة    عنابة- قالمة- عنابة..مرحلة حاسمة لتحديد صاحب القميص الأصفر    الجزائر.. إمكانات هائلة لضمان توفير المياه لجميع المواطنين    اسكندر جميل عثماني في سباق 100م (ت13) باليابان    حجز 25 ألف قرصا مهلوسا وتوقيف مسبوقا قضائيا    نحو إصدار مؤلف جديد يجمع موروث سكان "الوريدة"    وزارة الاتصال: 2 يونيو آخر أجل لإيداع ملفات التكيف مع قانوني الإعلام والصحافة المكتوبة والالكترونية    الرقمنة في صميم التغيير وليست رفاهية    مانشستر سيتي يتوّج باللّقب للموسم الرابع على التوالي    18 شهرا للشروع في تسويق منتجات "فينكس بيوتيك"    الجنائية الدولية تطلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه    التشخيص المبكر أنجع وقاية من الأمراض النادرة    عدة دول أوروبية تمضي قدما نحو الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    برنامج الأغذية العالمي يؤكد الحاجة إلى دخول "آمن ومستدام" للمساعدات إلى غزة    صقور الجزائر.. إبهار واحترافية    الاستثمار في التكوين لتطوير أداء ممارسي الصحة    كونوا أحسن سفراء للجزائر الكبيرة بتاريخها ومواقفها    تقطير الزهور بمتيجة.. حرفة تقليدية واكبت احتياجات الأسر والمصنّعين    تأكيد على أهمية العلاج الوقائي من الحساسية الموسمية    إشادة بجهود الجزائر من أجل نصرة القضية الفلسطينية    استخدام الأوزون في القضاء على الفيروسات وإنتاج الزيتون    دعوة إلى حماية التراث الفلسطيني    باتنة بحاجة إلى متحف وطني للآثار    اقتراح التسجيل في قائمة الجرد الإضافيّ    "الحمرواة" في معركة تعزيز آمال البقاء    صراع بين بن زية وإدارة كاراباخ    براهيمي يتنافس على جائزة أفضل لاعب في قطر    براهيمي مرشّح لجائزة الأفضل    بلورة حلول سياسية للأزمات التي تهدّد استقرار المنطقة    ترقية التعاون بين "سوناطراك" و"زاروبيج نفط" الروسية    الوقوف على جاهزية الجوية الجزائرية لنقل الحجاج    تعرّضت لحملة حقد وكراهية لا تطاق بفرنسا    عطّاف: إفريقيا تمرّ بمنعطف حاسم    جهود لتثمين الموقع الأثري لرجل تيغنيف القديم    جامعة الجزائر 1 تنظم احتفالية    الطالب.. بين تضحيات الماضي ورهانات المستقبل    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة غزالة
نشر في أخبار اليوم يوم 08 - 06 - 2021

جميلة وجريئة كذلك كانت غزالة. تقضي ساعتين في التجمل فبعد أن تستحم وتسرّح شعرها وتتزين أمام المرآة تختار لباسها بعناية لتبدو في كامل أنوثتها وهي تستعد للخروج إلى العمل. بشرتها البيضاء الملساء كانت تجذب إليها نظر الجنس الآخر لتسمع مجاملات مختلفة في طريقي الغدوّ والرواح مما يزيدها كبرياء وهي تتبختر في مشيتها التي تبوح بقدّ ممشوق.
- أنتن لا ترضين إلا بغربال ذهب لو أعلم أنك تقبلين بي أرسل والدتي فورا.
ابتسمت غزالة بسخرية وأكملت طريقها في وثوق.
- غزالة هذه أنت؟ صباح سعيد.
- صباح سعيد ميرنا. أنت في طريقك إلى الجامعة؟
- أجل. أسرعي ستفوتنا حافلة نقل الطلبة.
- أووه لا تعالي نأخذ تاكسي.
- ولِم التاكسي؟! الحافلة مجانية من حقنا استخدامها.
- لا أركب الحافلات إذا شئت اصعدي أنت أما أنا فأركب تاكسي مع السلامة.
مسحت غزالة بيدها على شعرها الناعم الذي داعبته النسائم ومشت بضع خطوات وهي تتمايل ثم رفعت سبابتها اليسرى:
- تاكسي الجامعة من فضلك.
- تفضلي آنستي.
صعدت غزالة السيارة وأغلقت الباب برفق كانت تتخيل نفسها أميرة وراحت تترقب المحلات من النافذة كانت تعشق الموضة.
- ما أجمل هذا الفستان! قالت في نفسها وهي ترى أنها تلبسه بحذائها الجلدي الفرنسي ذي الكعب العالي وحقيبة شانيل..
لا بد أن أشتريه سأكون جميلة جدا..
- توقف هنا من فضلك.
بعد أن سددت فاتورة التاكسي نزلت منه وهي تحسب أنها تخرج من ليموزين سوداء والسائق يفتح لها الباب
- تفضّلي سيدتي.
رفعت جيدها وهي تخرج من السيارة بخطوات مدروسة ورموشها العلوية تنساب على السفلية في حركة أرستقراطية ثم مررت يمناها على شعرها وحركته إلى الخلف ودخلت المحل:
- صباح الخير من فضلك سيدي أرني هذا الفستان.
- ما هو مقاسك سيدتي؟
- ثمان وثلاثون (38).
- تفضلي.
كان الفستان الأسود الجلدي على مقاس غزالة تماما بأكمامه المنتفخة التي تعلو الكوعين والذي يتوسطه حزام بنّي زادها جمالا كاشفا عن ركبتيها البيضاوين وساقيها الناعمتين. كانت تبدو كعارضة أزياء في جلسة شوتينغ تارة تركز على جمال صورتها
عيون المها بين الرصافة والجسر*** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري* (* من قصيدة عيون المها لعلي بن الجهم)
رفعت رأسها بافتخار وهي تضم شعرها بيديها كسنام بخت ثم تسدله وتشد على وسطها وهي تبتسم لنفسها وتارة أخرى تتفاخر بلباسها العصري الرفيع وكأنها على الرانوي تتمايل يمنة ويسرة في خطوات مائلة مميلة تحت تصفيقات الحضور من الطبقة الراقية وأهم مصممي الأزياء العالميّين يتقدمهم جورجيو أرماني وجون بول غوتييه وكالفن كلاين. نظرت إلى نفسها في المرآة راضية بجمالها
- حسنا سآخذه.
II
كانت غزالة تدرّس في الجامعة الترجمة من العربية والفرنسية إلى الإسبانية وتحضّر رسالة دكتوراه عن اللفظ الأعجمي في القرآن الكريم. كانت في عمر الزهور تزهو بأنوثتها ونجاحها الدراسي بعد أن كلّلت مسيراتها نجاحات باهرة إذ كانت المتفوقة دوما إلا أن المنحة الدراسية التي من المفروض أن تكون من نصيبها غُيّر مسارها عمدا نحو طالبة أخرى أقل كفاءة منها كثيرا ما حنقت عليها غزالة فلم تكن ترضى بالمحسوبية.
III
وُلدت غزالة الثانية في عنقود الأخوات الثلاث فبعد أن أولى والداها كل اهتمامهما بأول مولودتهما التي كانت شخصية قيادية كثيرا ما كانت تحس غزالة بإهمالها من جانبهما وتشعر بالنقص. كانت الكبرى ذكية جدا تفهم بالإشارة منذ صغرها وكان الكل يحبها.
- غزالة تعالي أقصص شعرك.
أخذت وداد المقص وقصّت بعض شعيرات غزالة من الخلف.
- جاء دوري الآن.
أمسكت غزالة بالمقص وقصت شعر أختها من الأمام.
- غزالة!! ماذا تفعلين؟!
جاءت العمة مسرعة نزعت المقص من يدي غزالة وضربتها
- ماذا فعلت بأختك؟! لقد أفسدت شعرها! انظري إلى البقعة البيضاء في رأسها!!
كانت الصغيرتان في الرابعة والخامسة من عمرهما إلا أن غزالة كانت عصبية وفوضوية عكس أختها الكبرى.
- هَيَّ اخرجا من الغرفة تعالا للنوم.
تبعت غزالة ووداد عمتهما إلى الصالة نادمتين عما فعلتا كانت غزالة تبكي.
- هل رأيت أمي؟ وجدت غزالة وقد أفسدت شعر أختها من الأمام!
- تعالي إلى جانبي غزالة لبّت غزالة نداء جدتها مسرعة وقعدت على الحصير أمامها كانت تظن أنها سلِمت من المعاتبة لكن جدتها ما إن أعطتها الأمان حتى ضربتها بعصاها التي تتوكأ عليها.
- آآه.. لماذا أنا التي تُضرب في كل مرة؟! لا لا أحب أن تضربوني آآه.. ثم نامت ونام الجميع.
- غزالة.. تعالي أُرك لعبة جميلة همس وليد وأشار بيده إلى غزالة التي كانت فتحت عينيها حتى تتبعه قبل أن يستيقظ الجميع فنهضت مسرعة وتبعت زوج عمتها كانت متلهفة لرؤية اللعبة فأخذها وليد إلى غرفته وأغلق الباب.
IV
دخلت غزالة الدار كان يبدو عليها السعادة فوقعت عين والدها عليها لم يترك لها حتى وقت التحية:
- ما هذا الذي فعلته في نفسك؟ أَوتخرجين هكذا كعارضة أزياء إلى العمل؟!.. أَرأيت كيف كان ينظر إليك أبناء الحي؟ كيف يتبعونك بعيونهم ويصفّرون؟! الكل يتحدث عنك! عمَّ تبحثين؟ عن المشاكل؟!.. اسمعي اتصلي بعمتك في فرنسا وغادري إليها لا أريد مشاكل في بيتي!
حضّرت غزالة شهاداتها الأصلية كلها وراسلت جامعة السوربون في باريس تنتظر ردا منهم لا بد أن يقبلوها إنها كانت دوما متفوقة منذ أن وضعت قدميها في المدرسة لأول مرة بعدما كسرت والدتها عشر ألواح على رأسها وهي تلقّنها الكتابة والقراءة والحساب قبل التحاقها بالمدرسة
- ما هذا الراس اليابس الذي لا يستوعب المعلومات!
كانت غنية تحرص على تدريس بناتها قبل التحاقهن بالمدرسة حتى تضمن تحصيلهن الحسن معوضة بنجاحهن دراستها التي لم تكملها بعد أن أجبرها والدها على التخلي عن مقاعدها والمكوث في البيت لتعين والدتها في تربية إخوتها الصغار إذ كانت الكبرى.
- لا سيدي.. لن أوافق ابنتك الأولى في المدرسة إنها ممتازة! أ تريد أن تضيّع مستقبلها؟! واجهت المديرة والد غنية في اعتراض.
- مستقبلها في بيت زوجها.
- لكنها صغيرة سيدي!
- لن تكمل الدراسة هذا آخر كلامي.
مكثت غنية تعين والدتها في شغل البيت وتربية إخوتها الصغار حتى جاءها أول خطيب قبِل به والدها فلم يكن من غنية أن تعترض.
V
- سأسافر بعد يومين إلى فرنسا قالت غزالة لوالدها قبِلتني الجامعة. ثم دلفت إلى الحمّام وهي تبكي.
لم تشعر يوما بدفء الأسرة فهي لا تذكر أن أحد والديها أو كليهما قبّلها أو قال لها كلاما جميلا. كان همّ الوالدين أن تنجح البنات في دراستهن. ومع أنهن تفوّقن جميعهن إلا أنهن لم يحظيا قط بمكافأة أو حتى بمجاملة. كانت غزالة تحب أن تسافر كما يسافر أغلب زملائها إلى لبلاد ولكنها لا تعرف لبلاد لم يكن والدهن يهتم بعطلتهن فهن في البيت مع والدتهن وهذا يكفيه. يغدو إلى عمله في المكتب والطير في وكناتها ولا يعود إلا مساء. لم يكن يجلس إلى بناته فهو السيد لا أحد يشاركه مجلسه إلا التلفاز.
- انصرفن لمعاونة والدتكنّ.
- أبي ستنتهي حلقة الرسوم بعد دقائق.
- لا تردّي على كلامي غبية هيَّ انصرفن.
ولم يكن ليسمح باستراق النظر إلى التلفاز حتى في وقت المنام:
- أدِرن رؤوسكنّ نحو الجدار وأغمضن عيونكنّ.
وفي العطلة الكبيرة عطلة الصيف المملّة عند البنات حيث يمكثن ثلاثة شهور في البيت بين المشاجرة والتلفاز كان الوالد عند عودته إلى البيت يٌجبر بناته على قراءة كتب الأدب والفارواست.
- أنا لا أحب المطالعة أبي.
- ستقرئين.
- ولكنني درست طوال العام.
- أريدك الأولى.
- ولكنني الأولى أبي!
- أريدك.. أريدك أن تكوني صفرا(*) (*مقتبسة من مونولوغ فلاق جرجرة سيك بلاد). صرخ الوالد في وجه غزالة بنظرة مهددة ولو أنها أضافت كلمة أخرى لجاءها العقاب فورا بالسوط أو الصفع ولَصبَّ عليها أنواع السباب.
وما كان من غزالة إلا أن تطالع كل ما تقع عليه عينها من كتب ومجلات وجرائد حتى قرأت مكتبة البيت بأكملها ولم تكن تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها.
**
وسقطت غزالة أرضا
- ما بك غزالة؟! ضربت وداد غزالة ضربات خفيفة على وجهها حتى تستعيد وعيها. مع كل عطلة صيفية كانت غزالة تكرر نفس السيناريو تتظاهر بالإغماء والمرض حتى تُلفت إليها انتباه والديها كانت تشعر دوما أنها لم تأخذ نصيبها من الاهتمام والحنان فمنذ صغرها ألزمها والداها بالاعتناء بأختها الأصغر منها وهي كانت تحتاج عنايتهما كذلك فكل الأنظار وُجهت لأول العنقود ثم لآخره أما هي فعاملها الوالدان وهي صغيرة معاملة الكبير فلا تذكر أنها لعبت كما يلعب الصغار فلم تكن وشقيقتاها يلعبن مع أولاد الجيران الحبل والغمّيضة ولاماريل في وسط الدار . وفي البيت لم يكن عليهن رفع الصوت والجري بل مشاجرات ثم عقاب الوالدين بالسوط أو النعل والصراخ والمعاتبة.
كانت غزالة في صغرها ممتلئة الجسم حتى كانت تبدو أكبر من سنّها وبلوغها في سن مبكرة إذ كانت في التاسعة من عمرها عقّدها أكثر حتى والدها كان يعاملها كامرأة فكان وجهها يحمرّ في كل مرة من الملاحظات القاسية
- اِحملي أختك الصغيرة جيدا اِحذري أن تسقط.. لا ليس كذلك! غبية!.. امرأة مثلك لا تعرف كيف تحمل طفلا!!.. غبية!!
فيحمرّ وجه غزالة وتقنط وهي ترغب في اللعب كما الأطفال.
كان لباس الأطفال أصغر من غزالة فتلبس مع والدتها وتختار أجمل لباسها
- ولكن هذا لباس الحفلات غزالة!
- لا يهمني إنه جميل.
**
وما كان ينبغي أن يقرأ الوالد شعلة في عيني البنات لا بد أن يئد فيهن كل طموح كان يحرص على أن تبقى نظرات بناته فارغة جوفاء تماما ك نساء الجزائر في شقتهن لدولاكروا يخاف أن يتفرس فيهن بريق الآفاق والآمال وما المرأة في نظره إلا غبية ناقصة لا تحسن التفكير والتدبير إلا التنظيف والترتيب لا التنظير والتطوير!
VI
- سيدتي اتصلت بصاحب رائعة عمارة يعقوبيان علاء الأسواني وحدّدت معه موعدا سيكون على المباشر معي غدا في البرنامج.
- غدا؟ ولكنني رشحت كلودين لمقابلة الضيوف ستكون كذلك ضيفتنا المغنية إليسا.
- كيف ذلك سيدتي؟!.. لقد حددت الموعد مع طبيب الأسنان الأديب وحضّرت أسئلة جيدة كما إن فيلمه شيكاغو سيُعرض في رمضان.
- حسنا ما عليك إلا أن تقدمي الأسئلة لكلودين وهي ستطرحها عليه مكانك.
- أبدا!!.. هذا عملي لن أقبل أن يسرق أحد جهدي. كما إني والأسواني صديقان وأعرف الكثير عنه وهو يقدّرني جيدا.
- أنا قررت أن تنشّط كلودين هذه الحلقة.
- وأنا لن أسلّمها عملي لن أتبرع بعصارة فكري لأحد على طبق من ذهب!
- هذا آخر كلامك؟
- أجل.
- إذن انتهى عقدك مع قناة الفنون .
مسؤولة البرمجة كلوي الفرنسية كانت تنحاز لابنة بلدها مفضلة إياها على غزالة العربية وكانت تعلم جيدا أن إخلاص غزالة ومؤهلاتها أكبر بكثير من زميلتها ولكنها لم تكن ترغب في بروز عربية.
قبل أن تلتحق غزالة بقناة الفنون الفرنسية كانت عملت في دار نشر تترجم الكتب وتعين في تصحيح المعاجم ولكن مدير الدار لم يكن يرغب في ترسيمها بعد ثلاث سنوات من العمل معه بعقد محدود الأجل وما كان له من عذر سوى أنها عربية ومادام من حزب اليمين المتطرف لم يكن منه أن يوظف العرب إلا استغلالا لجهدهم..
VII
- غزالة انهضي تأخر الوقت ألا تعملين اليوم؟! هل أنت مريضة أم في عطلة؟!
- دعيني أنم عمتي.
- ما بك غزالة؟! إنها التاسعة أنت تعملين في الثامنة ماذا دهاك؟!
- لا لن أذهب.
- ولماذا؟!
- لقد أنهوا عقدي وأقالوني
كانت غزالة تبكي بحرقة وهي تغطي وجهها بالإزار.
- ما معنى هذا؟! أ في كل مرة تغادرين العمل الذي تشرعين فيه؟! أنا لا أقدر على مصاريفك! والدك لا يرسل لك شيئا وأنا لم يعد بمقدوري مساعدتك انهضي وابحثي لك عن عمل لا خيار لك.
- عمتي أنا متعبة دعيني أرتح ثم أشرع في البحث عن عمل بعد أيام.
- لا تنتظري مني شيئا صرفتِ كل مالك على اللباس أنا عجوز ومنحة زوجي المتوفى لا تكفي أنا لا أقدر على طلباتك هيَّا تدبّري أمرك.
- وأي عمل سأعمل؟! عشر سنوات في فرنسا بين الدراسة والتربصات العديدة والأعمال المؤقتة ويوم وجدتُ عملا مهمّا أحببته لم يرضوا بنجاحي فأقالوني! ماذا تريدينني أن أعمل؟! لا بد أن أخسر عملي لسبب أو لآخر!.. دعيني أنام.. دعيني..
وشرعت غزالة في الصراخ وانتهت بنوبة هستيرية سقطت إثرها أرضا. وبعد معاينتها من طبيب العائلة نصح بنقلها إلى مصحة نفسية لمساعدتها حتى تستريح لأنها لم تتقبل الصدمة.
-Soy Ghazala una ama de casa la esposa de Alikhandro Aldama*
(أنا غزالة ربة بيت زوجة أليخاندرو ألداما (* بطل المسلسل المكسيكي مهما كان الثمن ).
وراحت تردد هذه العبارة بصوت عال وهي تلتفت إلى عمتها التي كانت تبكي وتدخل المصحة بمساعدة ممرضَين بعدما اختلط عليها الواقع بشخصية تلفزيونية.
**
- صباح الخير غزالة أنا الدكتورة إيمي سأحاول مساعدتك حتى تتحسن حالتك النفسية لكن عليك أن تساعديني بدورك بأن تجيبيني على كل أسئلتي اتفقنا؟
- أجل ردّت غزالة وهي مستلقية كانت تبدو ضعيفة وشاحبة.
- جميل
وراحت تمسح براحة يدها على وجه غزالة وهي تطمئنها:
- صدّقيني سترتاحين هنا عندنا برنامج ترفيهي يساعدك على التغلب على القلق والبدء من جديد. أقترح عليك أن تلتحقي بزملائك في حصص الاستحمام بالمياه المعدنية هذا مريح جدا يجدد طاقتك ويساعدك في الاسترخاء. ويمكنك أن تساهمي في النشاطات اليدوية كتشكيل الحليّ من أساور وأقراط من الجواهر غير الثمينة هذا ممتع ستكون حرفة لك قد تُدرّ عليك مستقبلا دخلا إضافيا. وإذا كنت ترغبين في المطالعة فهناك مكتبة في الطابق الأول غنية بالروايات الكلاسيكية والحديثة أيضا. ستشعرين بعد خروجك من هنا أنك وُلدت من جديد. هيَّ والآن اغسلي وجهك والتحقي بالآخرين على مائدة الإفطار.
- أشكرك دكتورة.
وابتسمت إيمي ابتسامة رقيقة جعلت غزالة تطمئن وتعزم الالتحاق بالزملاء.
**
- تفضلي غزالة دعت الطبيبة إيمي غزالة للقعود.
- أخبريني بعد أسبوع من التحاقك بنا كيف تشعرين؟
- أنا مرتاحة دكتورة.
- جميل. ستكملين معنا شهرين ثم تعودين إلى البيت لكن لا بد من أخذ الدواء في وقته مدة عام كامل ثم نقرر إما تمديد مدته أو التوقف عنه كلية إن كنت شفيت تماما.
- أجل دكتورة.
- أخبريني غزالة هل أنت متزوجة؟
- لا
- مخطوبة؟
- لا لا أحب الزواج
- ولماذا؟!
- لا أحب الرجال.
- لماذا لا تحبينهم؟
- إنهم استغلاليون وعنيفون
- ولكن ليس كل الرجال كما تصفين كيف هي علاقتك بوالدك؟
- عنيف جدا.. لغته الأوامر والنواهي والضرب والصراخ
- ألا يتحدث معك أبدا؟
- أبدا
- وكيف هو مع والدتك؟
- عنيف جدا.
- وهل يضربها كذلك؟
- أجل ويهينها كذلك أمامنا.
- هل عندك إخوة؟
- شقيقتان إنه لا يحب الأنثى لا أفهم لم تزوج كل كلامه إنقاص من شأننا أو صراخ يغضب من لا شيء متحولا إلى شعلة نار! لم أفهمه يوما جعلني أرى فيه كل الرجال بالنسبة لي كلهم على شاكلته!
- لا أبدا تأكدي أنه يوجد رجال طيبون ومتفهمون أيضا.
- لا أظن
- لماذا؟
- كلهم وحوش وكذابون!
- ولم تقولين هذا؟ هل وقع لك شيء وأنت صغيرة مثلا؟
- زوج عمتي حاول الاعتداء عليّ وأنا صغيرة تحرّش بي عندما كانت عمتي نائمة..
- لا غزالة.. ليس كل الرجال كذلك تأكدي أن الطيبين في كل مكان. أنصحك بأن تبحثي عن عمل وأن تهتمي بنفسك وراحتك احرصي على أن يكون صحنك صحيا ومارسي رياضة تحبينها ولا تتركي المشي إننا نتناغم جيدا مع الطبيعة تزوّدي من الشمس يوميا ونامي جيدا. ارسمي هدفا لك واسعي إلى تحقيقه بما تملكين ستصلين ولو بعد حين. كوني متصالحة مع ذاتك وستتقدمين اتفقنا؟
- أجل دكتورة أعدك أني سأعمل بنصيحتك.
- وإن احتجتِ إلى توجيه فلا تترددي ستجدينني سعيدة باستضافتك.
- أشكرك كثيرا دكتورة.
VIII
- مرحبا بكم أعزاءنا المشاهدين نطلّ عليكم عبر عدد جديد من برنامجكم الأسبوعي التحدي وهذه المرة تستضيف قناة النجاح الإماراتية امرأة تحدّت كل الصعاب ولو كانت مكانها أخرى لانتحرت في أول الطريق ولكنها عزمت على التغلب على والدها الذي لم يعترف بها ثم مغتصبها وقاتل طفولتها وعلى الفقر المدقع الذي عاشته في بداية حياتها لتصير اليوم من أشهر النساء الناجحات في العالم ومن أغناهن وأقواهن. يسعدني الليلة أن أستضيف وإياكم ضيفتي وصديقتي التي جاءتنا من أمريكا لتحكي مسيرة نجاحها أرحّب وإياكم بمقدمة البرامج السيدة أوبرا وينفري . وراحت غزالة تستقبل أوبرا بحفاوة ووقف الجمهور يصفّق لها طويلا.
* عقيلة بلامين الجزائر في 28/ 05/ 2021


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.