** مشكلتي التي أرقتني أن والدي يفرقون بيني وبين أخوتي في المعاملة المادية والمعنوية، علماً أننا متقاربون في كل النواحي من حيث الحالة الاجتماعية والدخل وعدد الأولاد· الأمر الآخر هو ما أجده بيني وبين أخوتي من وحشة غريبة وجفاء حاولت إصلاحه ولم أستطع· وسؤالي: مع كل هذا نحن نسكن متجاورين وكل واحد في بيت مستقل ولكن الأمور لا تخلو من كثير من المنغصات وفي مثل هذه الأجواء ومعاناتي النفسية وكذلك زوجتي وحتى أطفالي لم يسلموا، أفكر بالانتقال إلى حي آخر لتأكدي أن هذا الأمر سيعود علينا جميعاً بالخير والراحة أريد النصيحة· * مشكلتك بشكل عام تحدث في بعض الأسر لأسباب كثيرة ومتباينة، إما لأسباب مادية أو اجتماعية أو تربوية وغالباً ما تكون نتيجة لسوء فهم أو نميمة نفخ بها أحد شياطين الجن أو الأنس أعاذنا الله منها وهي ذات شقين الشق الأول: ما يتعلق منها بنوعية العلاقة مع الأهل والإخوة، والشق الثاني: ما يتعلق بالجوار وتبعاته، وإن كان الشقان مرتبطين ببعضهما ويمثل أحدهما سبباً للآخر أو نتيجة له، إلا أنني سأتكلم عنهما بشكل منفصل إلى حدٍ ما .. أولاً: بالنسبة لعلاقتك مع والديك وإخوتك، فهل سألت نفسك يوماً عن الأسباب، وحاولت أن تكون موضوعياً في البحث عن الإجابة، بمعنى ألا يمكن أن تكون أنت السبب في ذلك أو أحد أبنائك أو زوجتك مثلاً، بقصد أو بدون قصد؟ تأكد من هذه النقطة حتى تنصف من نفسك وتعرف الأسباب، ومن ثم تستطيع أن تتعامل معها· والأسباب أخي الكريم قد تكون أحياناً تافهة من وجهة نظرك ولكنها تراكمت عند الآخر حتى أحدثت عنده هذه الجفوة الغريبة· ثانياً: أقترح عليك أن تجلس مع والديك كل على حدى وتسأله عما يجد في نفسه تجاهك، وتخبره بما تجد وهذه نقطة هامة قد تزيل كثيراً من سوء الفهم، وتوضح الصورة، وتزيل ما علق في الأنفس، وفي نفس الوقت تراجع فيها أنت نفسك فربما كنت السبب، كما أسلفت، وربما أنت من النوع الحساس أكثر من اللازم، فتحمل الأمور أكثر مما تتحمل، وفي كل الحالات كن هادئاً أثناء نقاشك مع والديك مهما كان إحساسك بالغبن فللوالدين حق عظيم قرنه الله تعالى بحقه قال تعالى: [وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا] وقال تعالى: [ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما] والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة ومعلومة· ثالثاً: بالنسبة لإخوانك، وهذه الوحشة التي تشعر بها بينك وبينهم، فيا عزيزي كن صاحب المبادرة واجلس مع كل واحد منهم منفرداً، وعاتبه واسمح له بعتابك واعتذر إن بدا لك خطأ من قبلك تجاهه، واسمح للآخر بأن يصلح خطأه ويعتذر، صدقني هذا لن ينقصك بل سيزيدك رفعة، وستزيل من خلال هذه الجلسات وهذا العتب الكثير من سوء الفهم، قال تعالى: [ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم]· ثم أكمل مبادرتك بوضع وليمة تدعو فيها والديك وإخوانك لترميم هذه الشروخ، وعلاج هذه الأوجاع متمثلاً قول الشاعر: وإن الذي بيني وبين بني أبي* وبين بني عمي لمختلف جدا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم *وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا ولا أحمل الحقد الذي يحملونه* وليس كبير القوم من يحمل الحقدا رابعاً: بعد كل هذه الخطوات وقبلها، أكثر أخي الكريم من الدعاء بأن يصلح الله شأنك وأن يهديك ويهدي لك ويهدي بك وأن يريك الحق حقاً ويرزقك اتباعه والباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه ولا يجعله ملتبساً عليك فتظل وإن يعيذك الله من نزغات الشيطان وتوهيمه وتلبيسه وكيده، فهو المستفيد الوحيد من تقاطع الأرحام· خامساً: موضوع السكن بجوار بعضكما البعض له وعليه والعقلاء _ وأراك منهم_ يوازنون المصالح والمفاسد في هذا الأمر، ففي الأمر فسحة والحمد لله وما دمت قادراً على الانتقال وبناء البيت، فهذا بفضل الله أمر رائع، فاستخر أولاً، واسأل الله أن يلهمك الصواب، ولا تتردد، فربما كان في هذا الأمر الخير الكثير، ولكن أوصيك أن عزمت على الانتقال أن يكون بعد الخطوات السابقة حتى لا يظهر انتقالك وكأنه فرقة لا لقاء بعدها، ثم أوصيك بالوالدين مهما بدأ منهما من حيف وجور، من وجهة نظرك، فأحسن لهما وبرهما وادع لهما بالرحمة ولن تندم ستجد ذلك إن شاء الله راحة في نفسك وبركة في رزقك وصلاحاً في أبنائك· وفقك الله وسدد على طريق الخير والحق خطاك·