37 وفاة و1294 جريحًا في حوادث المرور خلال أسبوع عبر عدة ولايات    الجزائر تُعزّز المنظومة القانونية    تسجيل 80 شراكة تنفيذية خلال 2025    شهيد الأمّة    نرفض بشكل قاطع أيّ إجراءات أحادية الجانب    حماس: لن تُكسر إرادتنا    عجال يُشدّد على احترام الآجال    تنصيب فوج عمل متعدّد القطاعات    شرطة الطارف تفكك شبكات إجرامية وتوقف 11 شخصًا بالذرعان    فحص 18 ملفا, تقرر إحالة 15 ملفا منها إلى السادة النواب العامين    فرصة للتلاميذ لإبراز مواهبهم وشغفهم باللغة العربية وفنونها    المشروع يؤسس لتجربة غير مسبوقة في الممارسة الديمقراطية    الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يدق ناقوس الخطر    مستوطنون صهاينة يستبيحون المسجد الأقصى المبارك    التأكيد على أهمية تعزيز فعالية الرقابة القبلية و البعدية    إعلان تخفيضات على تذاكر الرحلات لشهر رمضان    التوقيع على عقود لإنجاز ثلاثة مصانع جديدة لتحلية مياه البحر    الذهب يتراجع والفضة تسجل مستوى قياسي    الإعلان عن الشروع في إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد    الدستور يجب أن يكون مرآة عاكسة لطموحات الشعب    الجزائر ستظل ثابتة في التزامها بدعم حلّ إفريقي    الشتاء القاسي يفاقم المعاناة المستمرة لسكان غزّة    منظمات إسبانية تستنكر تغليب المصالح على القانون    نجوم "الخضر" يريدون الذهاب بعيدا في "الكان"    اندمجت بشكل جيد وأنا سعيد بالتأهل    بيتكوفيتش يريد بلوغ آخر محطة في كأس إفريقيا    البنك الوطني الجزائري يطلق منصة رقمية لتداول الأوراق المالية    إطلاق منصة رقمية لمتابعة الممتلكات المسترجعة    انجاز مصنع للعجلات المطاطية للمركبات في توقرت    دعوة لاكتشاف الميول الرياضية والتوجيه مبكرًا نحو التفوّق    خط الدفاع الأول لتعزيز جهاز المناعة في الشتاء    مظاهر احتفالات غريبة تغزو المجتمع!    اكتشاف قراء جدد ومواهب متميزة    11 عرضا من 10 دول في المنافسة    القيم الكشفية تدخل المسرح    دورة تكوينية للنواب حول الذكاء الاصطناعي في العمل البرلماني    "القسام" تعلن استشهاد أبو عبيدة    سوناطراك توقّع عقود إنجاز ثلاثة مصانع كبرى لتحلية مياه البحر وتعزّز الأمن المائي الوطني    انطلاق إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد ببوفاريك في خطوة نوعية لتعزيز الأمن الصحي الوطني    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    هدر غير مبرر للكهرباء والغاز في فصل الشتاء    ملتقى وطني للأدب الشعبي الجزائري بالجلفة    مجلس المحاسبة ينشر تقريره السنوي    الاستعمال العقلاني للمضادات الحيوية أولوية وطنية في إطار الأمن الصحي    "الخضر" بالعلامة الكاملة في الدو الثمن النهائي    بلومي يُصاب مجدّدا    تيميمون تحتفي بالطبعة 17 للمهرجان الوطني للأهليل وترسخ تراث الواحة الحمراء    سنفعل ما بوسعنا للفوز والإقناع    الاتحاد يقتنص نقطة    دار الثقافة ابن رشد بالجلفة تحتضن الملتقى الوطني الثاني للأدب الشعبي الجزائري    البليدة : افتتاح المهرجان الثامن لموسيقى وأغنية العروبي    تمديد مدة المرحلة الثانية للتلقيح ضد شلل الأطفال    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر العدمي تحت الضوء
نشر في أخبار اليوم يوم 27 - 05 - 2012

أصدر مشروع (كلمة) للترجمة كتاب (أساتذة اليأس... النزعة العدمية في الأدب الأوروبي) للكاتبة الفرانكو- كنديّة نانسي هيوستن· أنجز الترجمة بالعربية عن الفرنسية وليد السويركي·
اختارت الكاتبة نانسي هيوستن موضوعاً مثيراً ومعقداً لكتابها (أساتذة اليأس)، فهي تتفحص بدايةً الأساس الفكري والنظري الذي يستند إليه كتاب العدميّة الغربيون انطلاقاً من فلسفة التشاؤم لدى شوبنهاور· وتستخلص عبر فصول الكتاب العناصر البيوغرافية والفلسفية والأسلوبيّة التي تجمع بينهم، وتقدّم قراءتها الشخصيّة الناقدة لأبرز أعمال بعضهم، أمثال: المسرحي صموئيل بيكيت، الفيلسوف إميل سيوران، الروائيان ميلان كونديرا وايمره كيرتش، والروائية وعازفة البيانو الفريدة يلينيك وغيرهم... الكتاب قراءة جريئة ومختلفة، لا تتردّد في الخروج على الإجماع النقدي الذي يحظى به هؤلاء الكتّاب· واللافت أن معظم الكتاب البارزين أو (الأساتذة) كانوا من كتبة واقع اليأس والقنوط، لكن لم يسأل أحدنا، لماذا هم على هذه الصورة؟ هل لأن حياتهم على هذا النحو أم لأنهم يعتبرون طريق اليأس نمطاً أدبياً بمنأى عن حياتهم السواداوية، فأبرز كتاب العالم يبحثون عن سوداوية هذا العالم ويطرحون سؤال الوجود قبل كل شيء·
تحيل الكاتبة نشأة الفكر العدميّ إلى عوامل عدة من بينها تزعزع المسلمّات اليقينية حول مكانة الإنسان ودوره في الكون، مع مطلع الحداثة في القرن السابع عشر، ثم (أزمة الذكورة) الناجمة عن تحرّر المرأة وتحولات أدوار الجنسين الاجتماعية، وأخيراً ما تسببت به الحرب العالمية الثانية من فظائع قادت إلى أزمة أخلاقية وروحية كبرى في أوروبا المعاصرة· وتربط الكاتبة حالة العدم بالمناخ السياسي المحيط، فكثير من العدميين ولدوا في أنظمة نازية أو شيوعية، أو عانوا في مرحلة الطفولة قيوداً اجتماعية أو دينية أو أيديولوجية، أو هم نتاج عائلات مفككة·
تبدو الكاتبة محقة في استنتاجاتها، وهذا أمر بديهي، فالعصر الحديث دمره الجنون في مختلف المجالات، وتهاوت القيم إلى درجة اليأس· كونديرا مثلاً، حتى عندما ينظر إلى العريّ على البحر يصفه بطريقة يجعل القارئ يشمئز منه، وغيره يصف معدة الإنسان بتفاصيلها لدرجة القرف، وكل شيء في هذا الإطار له علاقة بسؤال الوجود والمعرفة· ربما هو بيان أيديولوجي فردي يكتبه كل روائي أو فيلسوف على طريقته، فهل يشعر أساتذة العدمية بالغواية بسبب كتابتهم، هل يحسبون أنفسهم من نجوم الساحة الأدبية أم يحتقرون هذه الأفكار؟
تقول هيوستن إن ثمة خاصية معينة قد تدفع الكتاب إلى الحرمان من معنى الحياة كقوة خلاقة في عملهم وحياتهم الخاصة، وتخوض سجالاً حاّداً ضدّ الرؤية العدميّة الأحادية للعالم، من موقع نسوي يرفض الجذرية السوداوية، لصالح وعي نقدي جدلي ينحاز إلى الحياة بتناقضاتها كافة، بأفراحها ومآسيها، ومن دون أن يسقط في فخّ التبشير بالأوهام الزائفة والأحلام الجميلة والآمال الخادعة·
تهاجم المؤلفة الفكر العدمي الذي يستعيد قيماً دينية ثنائية من الثقافة الغربية القديمة، مثل التعارض الجذري بين الجسد والروح، والانتقاص من قيمة الجسد والإنجاب، والمبالغة في الإعلاء من قيمة الروح، وكره المرأة بوصفها تجسيداً للحياة الحسيّة· ولا تتردّد في كسر أحد التّابوهات النقدية التي فرضتها البنيوية والشكلانية اللتان سيطرتا على الآداب في فرنسا، ألا وهو الربط بين حياة الكتّاب وتأثيرها (المحتمل) في مضمون كتاباتهم وشكلها· وهي ترجع عودتها إلى المنهج البيوغرافي إلى التشابه الكبير الذي وجدته بين السير الذاتية المختلفة لهؤلاء الكتّاب والمسلمات العدمية في أعمالهم·
كتاب هيوستن مثير للاهتمام لأنه يتناول موضوعاً أصبح مهماً وجاذباً في عالم الكتابة، فالروائية تمشي (عكس السير) إذا جاز التعبير، بمعنى أنها تحاول القول إن التفاؤل وحب الحياة يمكن أن يكونا أدباً جيداً، وليست العدمية وحدها· كذلك تشدّد في أكثر من موضع على أنها لا ترفض التعبير عن الألم واليأس في الأعمال الفنية، بل أن يتم تحويلهما إلى نسق فلسفي أحاديّ يتأسس على القطيعة بين الإنسان والعالم وبين الإنسان وأخيه الإنسان، فيتمّ التنكر لكل ما يمثل صلة حقيقية بالآخرين كالأمومة والأبوة والصداقة، والعواطف الإنسانيّة· وفي سياق محاججتها ضدّ الفكر العدمي، تعرض المؤلفة لأعمال الكاتبة الفرنسية شارلوت ديبلو والكاتب النمساوي جان أمري بوصفهما نقيضين لأساتذة اليأس، حيث ظلا على إيمانهما بالحياة بالإنسان على رغم ما تعرّضا له في معسكرات الاعتقال النازيّة من ألوان العذاب·
والسؤال الذي يطرح على هامش الكتاب، هل نقرأ العدميين لأننا نحب العدم أم لأن هؤلاء الكتاب يحاولون الإجابة عن مواضيع لا نعرفها؟ علينا أن نبحث في أسباب اندفاع الجمهور إلى قراءة كتب العدميين، قبل أن أن نتناول حياة هؤلاء الكتاب، فالكتابة أولاً وأخيراً هي انعكاس لواقع ما، وهي مهما كان لونها فيها شيء من معرفة، سواء كتبها شوبنهاور أم فريدة يلينك· الراجح أن الثقافة العدمية هي نتاج زمن مصاب بالجنون في مختلف مجالاته·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.