هل شاهدت السَّيل وَزَبَده؟ هل رأيت فقّاعات تعلو وجه الماء؟ تتطاير .. وتتصاعد والماء يهدر هدير الفَحَل ! ثم ما يلبث السيل أن يختفي عن وجه الأرض بعد أن يمكث أياماً يَرتَوي منه الناس وتتبخّر تلك الفقّاعات! ويزول الزَّبَد .. ويختفي إلى الأبد فلا الزَّبَد بَقِي ولا السَّيل غير أن الزَّبَد تلاشى وذهب هو وأثره، فما نَفَعَه التَّعالِي! وأما السيل فتَطَامَن .. فنزل في جوف الأرض .. فاستقرّ في أودية لا تظهر للعيان يُنتفع به وقت الحاجة .. بل تنتفع به الأجيال. وحينما يحتاج الناس إلى الماء فإنهم يستنبطونه من داخل الأرض .. فينتفعون به. {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ). وهكذا الحق والباطل الباطل له جعجعة وجَلَبَة له صوت هدير بكل دعوى فجّة! يعلو وجه الأرض عُلوّ فساد يَذهب أهل الباطل .. ويزول باطلهم فلا يبقى لهم ذِكر حَسَن ولا أثَر نافِع {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} حينما ترى صولة الباطل تُراودك الظُّنون ويَظنّ المنافقون أنْ لا قيام للحَقّ (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا). هكذا يَرون صَولَة الباطل ولا تثريب على أعشى البصيرة إذا لم يَرَ نور الحقيقة ف (نور الحق أضوأ من الشمس فَيَحِقّ لخفافيش البصائر أن تعشو عنه) ! أما الْحَقّ فإنه يَسْرِي كما سَرى السَّيل لا يقف في وجهه سدٌّ مَنِيع، ولا حصن منيف . وإذا جاء نهر الله بَطَل نهر مِعقل! الْحَقّ ينتشر على وجه الأرض كانتشار ضوء النّهار لا تردّه يَد، ولا يحجزه منخل! بل يُضيء الأرض والسّماء لا تستطيع أمم الأرض مَنْعَه ولا ردّه. هذا هو: الْحَقّ ثابتٌ ثبوت الجبال الرواسي بل أرسى واضح وضوح الشمس في رابعة النهار بل أجلى باقٍ إلى قيام الساعة يَمكث في الأرض فلا يُمكن اجتثاثه هو في قُرآن يُتلَى هو في سُنة جارِية هو في عِلم تُنبش كنوزه .. وتُكتشف أسراره هو في مبادئ راسخة هو في قلب كل موقِن لا يَزيدُه المكر إلا صفاء ولا الكيد إلا جلاء ولا كثرة الطّعَنات إلا رسوخاً ولا تتابع الضربات إلا صلابة أما الزَّبَد فإنه سُرعان ما يزول .. وإن انتفش! وسُرعان ما يتلاشى وإن عَضَده السلاح والنار والحديد! رأى النبي {صلى الله عليه وسلم} صورة من صور الباطل .. فنفخها فطارت! قال عليه الصلاة والسلام: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذَهَب، فأهَمَّني شأنهما، فأُوحِي إليّ في المنام أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذَّابَين يَخرجان بعدي، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة. رواه البخاري ومسلم . هكذا هي فقّاعة الباطل .. تزول بالنّفخ .. وتطير في الهواء لا ثبات لها ولا استقرار. واليوم تظهر بعض هذه الفقّاعات في صورة كاتِب صحفي ! في هيئة مُتفيهق أعلامي! زادُه القِيل والقال يَكيل التُّهم ضد أسلافه ويتنكّر لمبادئه {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} ولا يهمّنّك شأنهم بل انفخ هذه الفقّاعات تطير .. إذ لا قرار لها!