تتصاعد يوما بعد يوم جرائم القتل في عنابة فأضحت أخبارها وتفاصيلها تزاحم أهم الانشغالات لدى عشاق مشاهد الموت والرصاص والدماء ..ولعل تفاقمها مرتبط بالأساس مع تأثير الأفلام والمسلسلات خاصة التركية التي يعرف الجميع أنها اكتسحت القنوات العربية والجزائرية بقوة حتى أضحت هذه الأخيرة في قائمة أكثر الدول ترويجا لها عن طريق المشاهدة وبالطبع فإن دخولها في السنوات الأخيرة أسهم وبشكل ملحوظ في خلق قيم إنسانية جديدة وتقاليد اجتماعية الواقع أنها تتنافى والقيم الأخلاقية العميقة على غرار المحبة والتسامح والإحساس بالأمان الاجتماعي ليتحول كل ذلك إلى جرائم أسبابها الانتقام والثأر والاغتصاب إلى جانب الحقد والغيرة وغيرها ..هذا وتفاجئنا الإحصائيات ليس فقط بارتفاع الجريمة كظاهرة ممقوتة في كل المجتمعات مهما اختلفت أديانها أو جنسياتها بل بالأساليب التنكيلية الجديدة التي يتم بها القتل ما يستدعي التوقف عند أهم المسلسلات خاصة التركية التي تروج للموت البشع من خلال مشاهد القتل والانتقام فها هي عنابة اليوم تزكي هذه الظاهرة العنيفة بفضل شهامة البطل «إيزيل»الذي حطم الرقم القياسي في المشاهدة ويتحول إلى هاجس كل الشبان حتى أن ثمة من يقلده شكلا ومضمونا أضف إلى ذلك الخيانات الزوجية التي فجرها أشقر تركيا الممثل «مهند» بعلاقته السرية مع زوجة عمه « سمر» ضاغطا من خلال السياق التراجيدي للمسلسل على متتبعيه للتعاطف مع قصته التي هي أصلا ممنوعة شرعا أو أخلاقا ..بدوره مسلسل «وادي الذئاب» نسج صورة جديدة عن الجريمة لدى المشاهدين ضعفاء التقدير مفادها أحقية الانتقام وتكوين عصابات واستغلال الأطراف البريئة من خلال اختطافها أو الضغط عليها وغالبا قتلها أيضا ..وفيما يبقى مسلسل «ما ذنب فاطمة» تقريبا الوحيد الذي يحاول إنصاف المرأة المغتصبة إلا أنه أسس بشكل أخر قيم انتقامية لدى المشاهدين تظهر جليا في الجزء الثاني عند توريط «مصطفى» في اختطاف فاطمة والضغط عليها وتخويفها بحيث تنتكس حالتها النفسية رغم انه كان في البداية ضد اغتصابها لكونه خطيبها الأول ..ومنذ أسابيع يدخل المسلسل الجديد «حريم السلطان» ليسقط ضحايا من الأطفال والمراهقات فقط بسبب تقليد بعض المشاهد على غرار الطفلة «أماني» من حي بوحمرة بعنابة التي فقدتها عائلتها لأنها قلدت مشهد انتحار فأودت بحياتها والشابة «مروى « من حي الصفصاف بنت العشرين التي قلدت مشهد بطلة تجرح ساعدها لتكتب بدمه رسالة حب لخطيبها المسافر فمزقت وريد قلبها وتودع كل من يحبها في زلة «موس» حلاقة قطع الوصل بينها وبين الحياة ..هذا وأمام هذا الزخم الخيالي المتبوع بجرائم حقيقية خرج مسؤولون من المجتمع التركي منتفضين ضد أفلام ومسلسلات وصفوها بغير المتطابقة مع قيم مجتمعهم وتم منع اغلبها عن البث وصودر بعضها إلا أن مجتمعاتنا العربية مازالت تدفع الضريبة لا لسبب سوى لغياب الرقابة وصمت المختصين النفسانيين والاجتماعيين ومنظمات حقوق الإنسان عن هذه الأفلام التي راح ضحيتها أشخاص وقيم ومصير عائلات بأكملها .