لا يمكن لحزب جبهة التحرير الوطني أن يتأخر أو تبقى عقارب ساعته متوقفة أو تشير إلى الخلف، ولذلك يجب النظر إلى عملية استحداث محافظات وقسمات جديدة في إطار رؤية شاملة، تهدف إلى مواكبة الحزب للمستجدات التي تعرفها الساحة السياسية وكذا المتغيرات التي يشهدها المجتمع. إن هذه العملية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للحزب وينبغي التعامل معها على هذا الأساس، باعتبارها ضرورة حيوية تفرضها مجموعة حقائق: أولها، إن التجديد مهمة مستعجلة، لا ينبغي الخوف منها أو التشكيك في أهميتها، خاصة وأن الحزب مدعو إلى أن يرافق التحولات الكبرى التي يعرفها المجتمع وأن يسبقها حتى يلعب دوره الفاعل والمؤثر في الأحداث. لذلك يجب أن يخوض الحزب معركة التجديد بإرادة قوية دون الالتفات إلى تلك الأصوات التي تحاول الطعن في العملية، ولعله لا اختلاف على أنه ليس هناك ما هو أخطر من الاستسلام لحالات أو وضعيات معينة، وكأنها قدر محتوم أو أن الاقتراب منها ومحاولة تغييرها مساس بالمحرمات أو المقدسات. ثانيا، إن الثابت الوحيد هو مصلحة الحزب، أما المتغير فهو الوسائل والأساليب والطرائق التي تمكن من الوصول إلى تحقيق تلك المصلحة، لذلك فإنه محكوم على الحزب بأن يجرى تحولات جذرية داخله، حتى يتجدد في تنظيمه وفي أساليب عمله وفي كيفيات تعاطيه للفعل السياسي. إن المجتمع الجزائري قد تغير وسيظل يتغير، ديمغرافيا واجتماعيا وفكريا، وكل حركة سياسية لا تطور مفاهيمها وأدواتها لتتلاءم مع المتغيرات محكوم عليها بالتراجع، إذ أن من لا يتغير يجرفه التغيير. ثالثا، إن هيكلة الحزب لا يجب أن تكون نسخة طبق الأصل عن التقسيم الإداري السائد، بل ينبغي أن تكون متوافقة ومنسجمة مع التواجد البشري للفئات الاجتماعية الأكثر تأثيرا في المجتمع. وليس هناك وصفة جاهزة وصالحة، يمكن تعميمها على كل المحافظات والقسمات، بل إن العملية تخضع لدراسة ميدانية لكل حالة، بما يضمن هيكلة مرنة، تساعد على انتشار الحزب وتوسيع قاعدته الاجتماعية. رابعا، إذا أثبتت التجربة أن اللجنة المركزية ينبغي ألا يتجاوز عدد أعضائها كذا عضو، من باب الجدوى والفعالية، فما المانع من إعادة النظر في هذه المسألة، وإذا كان الواقع يقول إن استحداث محافظات جديدة في ولاية كذا، سينعش حياة الحزب وينشئ حالة من التنافس ويقضي على الركود السائد، فلماذا لا تخاض التجربة بعد التحري والدراسة والمشاورة. وإذا كان وضع ولاية كذا، بالنظر إلى خصوصيات معينة، يقتضي أن يكون على رأس المحافظة أو القسمة أستاذا جامعيا أو مجاهدا كبيرا أو أحد الأعيان المشهود له بالحظوة والمكانة المرموقة أو شابا أثبت كفاءته وجدارته، فلماذا لا تؤخذ هذه العوامل بعين الاعتبار في إسناد المسؤوليات، خدمة لمصلحة الحزب أولا وأخيرا. إن استحداث محافظات وقسمات جديدة، يندرج في سياق عملية إصلاحية عميقة ترمي إلى عصرنة الحزب، كما أنها تهدف إلى إضفاء الحيوية والحركية على الهياكل، بما يضمن أن تكون تلك الوسائط متمتعة بالقدرة على التواصل مع الجماهير والانفتاح على المحيط العام، من خلال تحركات مكثفة ودائمة، تجعل المواطنين يشعرون بأن الحزب موجود بينهم ويعمل من أجلهم. تلك هي دوافع وغايات استحداث محافظات جديدة، وهي العملية التي ستتواصل بروية وثبات وفق رؤية واضحة، تهدف إلى أن يكرس حزب جبهة التحرير الوطني ريادته السياسية، باعتباره حزب الأغلبية والقوة السياسية والنضالية الأولى في البلاد وأيضا- وهذا هو الأساس- التشكيلة السياسية الأكثر ارتباطا بواقع الجزائريين وطموحاتهم.