كم من جهة، وكم من رأي، وكم من تكهن، راهن على فشل أشغال المؤتمر التاسع لحزب جبهة التحرير الوطني وهم يمطرونه بوابل الاتهامات، والهائل من التشكيك في نجاعة ما سيتمخض عنه سواء تعلق الأمر بالرصيد البشري أو تعلق بما يصدر من التأسيس والتنصيص . ولتبرير أكاذيب أوهامهم التي صدقوها وهرولوا خلفها، أحاكوا المؤامرة تلو الأخرى برغبة دفع مناضلي الحزب إلى الانسياق وراءها فالعمل بها والتعامل من خلالها .ولتبرير أكاذيب أوهامهم التي صدقوها وهرولوا خلفها، أحاكوا المؤامرة تلو الأخرى برغبة دفع مناضلي الحزب إلى الانسياق وراءها فالعمل بها والتعامل من خلالها . واستغلوا في ذلك ما تعرض له الحزب من مخاض عسير في فترة ما وهي الفترة التي تكون قد أتاحت الفرصة لكثير من المفاهيم الضحلة والأفكار المتردية والعقليات العدائية أن تدلي بدلوها في أمر لا يعنيها . وقد جهلوا أن طبيعة كل متحرك يتعرض للحواجز أحيانا وللهزات أحيانا، وأن الماء العذب يفسده الركود، فالمتحركون من المناضلين يعطون لأنفسهم الأحقية في أولوية العمل في داخل الحزب، وباسمه، وفيما حوله، وما ذلك إلا من أجل التمكين له سياسيا ونظاميا وتنظيما ليشد على مكانته في الساحة الوطنية والدولية ويعززها بالغالب في الأمكنة وفي الأزمنة. ليس من الضروري أن يرى غيري المؤتمر التاسع لحزب جبهة التحرير الوطني بالعين التي أرى، ولكن ليس حتما عليَّ أن أراه بنظر غيري لأن الضبابية ليست في الكأس إنما على زجاج نظارة غيري هذا . لقد حقق هذا المؤتمر على المستوى الداخلي من الانتصارات ما لم يحققه غيره من المؤتمرات التي سبقته، إذ أثبت أهله أنهم يرتبطون كليا وجزئيا بموروثهم في حزبهم وبمكتسبات تظل تشدهم إلى بعضهم بعضا وإن تنازعوا وتخاصموا. لا تعني التزكية هذه أن هؤلاء الناس يحملون رسالات من وحي السماء أو أنهم منزّهون عن الخطأ، إنما لوقوفهم صفا واحدا كلما لمسوا حيفا أو رأوا اعوجاجا أو شعروا بخطر يداهم حزبهم . لذلك نؤكد أن الخلاف حول مصلحة الحزب ظاهرة صحية ومفيدة لأنها وحدها التي تبين الخيط الأبيض من الأسود . وما يفتأ يعرف القاصِي والداني أن مناضلي هذا الحزب كثيرا ما ينقسمون لكن في النهاية يجتمعون حول كلمة سواء بينهم واحدة موحدة. ففي هذه المرة مثلا لا توجد ازدواجية في الخطاب حول دعم السيد عبد العزيز بلخادم أمينا عاما للحزب قبل انعقاد المؤتمر وأثناء فعالياته، إنما ما كان يثار هنا وهناك هو حول الأسلوب الذي سوف يتبعه السيد: الأمين العام وذلك ما تعودنا عليه وما هو منتظر في مثل هذه المحطة المؤتمرية . والسبب يرجع أصلا إلى أنه لا تكميم للأفواه في هذا الحزب ولا تقييد لحرية التعبير والنقد الذي صار بتقبله المناضلون في مسارهم النضالي عن أطيب خاطر، ويراه من يفتقر إليه أنه سلوك شائن أو غير حضاري . يتبين ذلك ويظهر في التفريق بين التنازل والتخلي والتخاذل وبين الترفع والامتثال والوقوف على القيم والمبادئ، وهي الأحكام التي يختلف فيها البشر وإن تطورت تجاربهم وارتقت مراتبهم وسمت أفكارهم، والخصوصية أن المواقف المبدئية عندنا لا يمكن أن تتجزأ، وذلك ما يسمن ويغني عن الوقوع في المطبات . إن نتائج المؤتمر التاسع وإن اعترتها بعض النواقص أظهرت أن حبل المحبة والأخوة في الحزب العتيد ما يزال قويا متينا لا يصدأ أبدا، ولا تفسد في الود بين مناضليه أية قضية، ولقد برز ذلك جليا واضحا في إيثار الكثير منهم لبعضهم بعضا. وعلى المستوى الخارجي أثبت بكل المقاييس أنه مؤتمر دولي وإقليمي وعربي، سواء من منطلق المشاركة المكثفة للعديد من وفود دول قارات العالم وتنظيماته السياسية . وأبرز ما في الأمر فحوى المداخلات التي ألقاها رؤساء الوفود، والتي نادت كلها بحياة الجزائر وحياة الحزب، وطلبت جلها من هذا البلد ومن حزبه أن يعملا على تغيير خريطة العالم الجيو سياسية بالعمل على نزع فتائل الفتن والحروب والهيمنة الأجنبية وتحرير الشعوب والوساطة بين الاخوة في كل بقاع العالم . من يتمعن في مداخلات الوفود ويتفحص فيما تتوخى وتتوسل، ولما تأمل وتترجى من حكمة الجزائر سلطة وشعبا وحزبا، يؤمن إيمانا مطلقا أننا ليس كغيرنا إنما نحن بلد ظاهرة، وحزب ظاهرة، وأننا الشعب الظاهرة ... !؟