خلال السنة الماضية تراجع العجز في الميزان التجاري بأكثر من ستة مليارات دولار أمريكي، وهذا الرقم يشيع حالة من التفاؤل لدى المتابعين لحالة الاقتصاد الجزائري الذي يواجه وضعا صعبا بسبب تراجع أسعار النفط، وبحسب القراءة الأولية فإن هذا التراجع يعود إلى سببين أساسيين وهما فرض قيود على الاستيراد، وإلى انتعاش سعر برميل النفط في معظم فترات السنة الماضية حيث تجاوز عتبة الثمانين دولارا. أرقام أخرى للجمارك الجزائر تنبئ بشيء مختلف تماما حيث ارتفعت قيمة استيراد الحبوب ودقيق القمح الصلب واللين بأكثر من 11 بالمائة، كما بقيت واردات الحليب في مستويات مرتفعة تصل إلى مليار وأربعمائة مليون دولار، في حين أن التراجع الطفيف في فاتورة استيراد بعض المواد مثل السكر والقهوة وحتى الحليب ومشتقاته يعود إلى تراجع أسعار هذه المواد في الأسواق الدولية. أهم ما يجب الانتباه إليه هو أننا لا نفعل شيئا من أجل تقليص فاتورة استيراد مواد استراتيجية مثل القمح رغم أن الحديث لم يتوقف منذ سنوات طويلة، حتى قبل أن تنخفض أسعار النفط، عن ضرورة التقليل من الاعتماد على الخارج لسد حاجاتنا من هذه المواد، ولا نعلم على وجه التحديد سبب الفشل في تطوير زراعة القمح بنوعيه الصلب واللين، المعلوم هو أن كل العوامل الطبيعية مناسبة لإنتاج هذا النوع من المحاصيل، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن المشكلة تكمن في السياسات التي سيرت قطاع الفلاحة، ولعل الدفع نحو إنتاج نوع معين من المحاصيل هو الذي يؤدي إلى عدم القدرة على تحقيق اختراق حقيقي على مستوى خفض فاتورة الاستيراد. ما يقال عن القمح ينسحب أيضا على الحليب الذي بقي يشكل مصدر صداع للحكومات المتعاقبة، ولم نجد إلى اليوم مخرجا من هذه الوضعية التي تضع ملايين الجزائريين أمام حالات متكررة للندرة مع ما قد تمثله من مصدر للاضطرابات الاجتماعية. مسألة تقليص العجز في الميزان التجاري يجب النظر إليها ضمن تصور شامل لنهوض اقتصادي يبنى على قواعد قانونية واضحة ومستقرة، ويسير وفق خطط واضحة توضع على أسس علمية وتأخذ في الاعتبار حقيقة الوضع القائم والإمكانات المتوفرة، أما اختزال الأمر في تقييد الواردات لخفض العجز في الميزان التجاري فسيبقينا رهائن المنطق القديم الذي أوصلنا إلى هذا الوضع والذي بني كليا على سعر برميل النفط.