إعلم أخي القارئ أنَّ العلم طريق الخشية من الله وليس وراء خشيته سبحانه إلا الفوز برضوانه قال تعالى: ”إنَّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ” [فاطر: 28]. واعلم أيضاً أن العلم ولا سيما الفقه في الدين مظنة إرادة الخير من الله قال صلى الله عليه وسلم: (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ))(متفق عليه). على أن طلب العلم ليس مقصورا على طلب العلوم الدينية فقط.. إذ السنن الكونية كلها من عند الله تعالى.. انطلاقا من هذه الزاوية فإن جميع العلوم علوم شرعية. وبالعلم يهتدي الناس، والهداية أجرها عظيم، ولقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قائلا: (( فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ))(متفق عليه). وإذا أردت أن تعرف طريق الجنة فهو طريق العلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ))( رواه مسلم). ولا غبطة إلا في العلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ))(متفق عليه). كما أن الخروج في طلب العلم خروج في سبيل الله، قال النبي المختار صلى الله عليه وسلم: (( من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله ))(أخرجه الطبراني في الكبير) بهذا الحديث ينشط الطالب الكسول ويستيقظ التلميذ الخامل إن كان في القلب إيمان. ولقد أورد أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه حديثا عظيما يحتوي على كنوز من الخير، إذ فيه بيان طريق العلم، وفيه بيان علاقة المتعلم بالملائكة بل وبالحيتان التي تسبح في البحار العميقة والسحيقة، وبيان الفرق بين العالم والعابد، بل في الحديث العظيم هذا بيان موقع العلماء من الأنبياء. لعلكم إخواني القراء قد عرفتم وعلمتم الحديث الذي أعني ؟ إنه الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ))(سنن أبي داود). من خلال استعراض وجيز للنصوص الشرعية يتضح لنا فضل العلم ومعلمه ومتعلمه. وحتى لا يفوتنا هذا الأجر العظيم وهذا الخير الكبير ينبغي أن نحذر من بعض آفات العلم: 1- عدم إخلاص النية فالتعلم أو التعليم من أجل الوظيفة فقط أو من أجل وجاهة أو استعلاء، أو من أجل أن يقال: فلان شيخ، وفلان دكتور أمر مغبته عظيمة، وعاقبته وخيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة )) (رواه أبو داود). 2- ومن آفات العلم كتمه وعدم إظهاره إما عجزاً أو كسلاً، أو بخلاً أو خوفا من قوي جائر، أو رغبة في عرض دنيوي زائل، قال صلى الله عليه وسلم: (( من تعلم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار ))( رواه الترمذي). 3- ولقد يظن بعض الناس أن تبليغ العلم لا يكون إلا إذا كان المبلغ ذا علم غزير، وهذا خطأ في التصور، وآفة في التفكير، فأنت يا أيها المسلم إن تعلمت خيرا وعلما فبلغه غيرك وعلمه إياه ولو كان يسيراً فهذا النبي يقول: ((بلغوا عني ولو آية)) (رواه البخاري).(مع شرط التأكد من صحة هذا العلم اليسير الذي تحمله). 4- ومن أعظم آفات العلم: ترك العمل به، فالعلم ثمرته العمل. 5- كذلك عدم الحكمة في تبليغ العلم، فإنها آفة خطيرة فيه والحكمة قدر زائد على العلم: ”يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً” [البقرة: 269]. ومن مظاهر عدم الحكمة في تبليغ العلم الجفاء والغلظة والفظاظة، والتعالي بالعلم والغرور به، وعدم إعطاء القوم ما يناسبهم من العلم من ناحية القلة أو الكثرة أو من ناحية الصعوبة والسهولة أو من ناحية الحال عموما، فلكل مقام مقال. ومن مظاهر عدم الحكمة كذلك التعصب للرأي. 6- الاعتماد على الكتب فقط دون الرجوع إلى أهل الإختصاص، وتعتبر هذه الآفة من آفات العلم في عصرنا الحاضر... 7- بعضهم يهمل الدقة في تبليغ العلم وهذا خطير، ولقد دعا النبي بالنضارة - وهي الحسن في الوجه والخلق - لمن كان دقيقا في أداء الأقوال عنه إذ قال صلى الله عليه وسلم: (( نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع ))( رواه الترمذي). 8- التكبر عن التعلم والسؤال فيما ينفعه، فيتعالى عن ذلك لاسيما إن كان من يريد أن يتعلم منه أصغر سناً أو أقل مكانة اجتماعية وهذا سوء فهم وتقدير. 09- هذا ومن أعظم آفات العلم النسيان، ولا يمكن التغلب عليه إلا بدوام المذاكرة والعمل بذلك العلم.