كتب أحدهم في جريدة "الاتحاد" الصادرة في "أبو ظبي" عن حال المجتمع الجزائري اليوم، حيث نقل عن الأكاديمي الجزائري الدكتور "صالح بلحاج"، وهو متخصص في العلوم السياسية، قوله "في الجزائر حاليا قدر كبير من التحديث وقليل من الحداثة"، على اعتبار أن التحديث هم المظاهر الخارجية والتقنية للحضارة، بينما الحداثة تقتضي "تحولات عميقة في البنى، وأنماط السلوك الثقافي للمجتمع"• يستنتج هذا الكاتب من كلام الدكتور "صالح بلحاج"، أن "المجتمع الجزائري من أكثر المجتمعات العربية محافظة وتجانساً في المجال الأخلاقي، وأن الأخلاق الإسلامية هي السائدة في الحياة العامة وداخل الأسرة الجزائرية، هذه الأسرة التي تظل محافظة حتى بين الجدران الأربعة"• أن يقول أكاديمي جزائري عن الجزائريين، إنهم يشكلون مجتمعا محافظا على الأخلاق الإسلامية، أمر صحيح في الجملة إلى حد بعيد بالمقارنة مع المجتمعات العربية، لكن ما راعني في الموضوع، أن هذا الكاتب ينقل عن الأكاديمي الجزائري، "أن أفراد الأسرة الواحدة لا يستمعون إلى أغاني الإذاعة الجزائرية، ولا يشاهدون أفلاماً أو مسلسلات تلفزيونية معاً"• من قال إن الجزائريين لا يستمعون إلى الأغاني أو لا يشاهدون البرامج الجزائرية معا ؟ ربما يصدق هذا الوصف على بعض العائلات الريفية في المناطق الداخلية، أقول ربما، لكن هذا الوصف لا مصداق له عندما ينسب إلى الجزائريين بالجملة• قد يكون الجزائريون أكثر محافظة بالمعنى الروحي للمحافظة، من الشعوب العربية الأخرى، لكنهم لا يزايدون على أحد في هذا الجانب، كما أنهم ليسوا معقدين من أي مفردة تنفتح عليها في العادة جميع الشعوب العربية والإسلامية على غرار بقية شعوب العالم• تدل التجارب والدراسات الأنتروبولوجية على أن الإنسان الجزائري لا يقبل المزايدة عليه في ثقافته وعاداته وتقاليده، وقد رأينا كيف حاول الإسلاميون في الجزائر أن يطرحوا نموذجا جديدا للسلوك اليومي، إمتد حتى إلى أفراح الناس وأحزانهم، من خلال ما سمي ب"الزفاف الإسلامي" كبديل للعرس التقليدي الجزائري، و"اللباس الإسلامي" متمثلا في "الحجاب" بالنسبة للمرأة و"القميص" بالنسبة للرجل، و"النشيد الإسلامي" كبديل للغناء، كما تحدثوا عن "البنك الإسلامي" و"الاقتصاد الإسلامي" وغير ذلك من المفردات التي ما استطاعت أن تصمد أمام صراحة الإنسان الجزائري، ونفوره النفسي من جميع أنواع النفاق والأقنعة الاجتماعية، حتى وإن لبست لبوس الدين• أذكر في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، حيث راجت موجة المقرئين البكائين في صلاة التراويح، أن إحدى النساء من قريباتي، ذهبت تصلي وراء أحد هؤلاء المقرئين، فصدمت لأنها ما استطاعت أن تفهم قراءته لكثرة بكائه من جهة، ولأنها لم تتمكن من التركيز على صلاتها لعويل النساء من حولها• لكنها أكدت لي بفطرتها في اليوم الموالي (والنساء يعرف بعضهن بعضا)، أنه لا توجد إمرأة في ذلك المسجد، كانت تبكي لتأثرها بقراءة الإمام، وإنما المسألة وما فيها أن إحداهن تذكرت والدها أو زوجها المتوفى، والأخرى تذكرت حظها التعيس، والثالثة تذكرت إبنها الغائب وهلم جرا•