تجاوز الماء حدود المعقول•• تسلل دون مقدمات وبلا استثناء إلى بيوت أقل ما يقال عنها إنها توابيت قديمة نخرتها الشقوق وحجور العناكب والفئران والجرذان والجنادب•• لم نسمع أي عويل أو صراخ الكل كان يواجه مصيره لوحده مطأطأ الرأس تتملكهم عزائم مشتركة إزاء هذا المصير المحتوم••• ولا أحدثكم عن بيتنا الذي لقي أسوأ مصير فغرفه صارت أحواضا مربعة••• لم تسلم لا طاولة التلفاز ولا زرابي الزمن الجميل بل إن الكل حمد المولى على أن الكهرباء لم تنقطع مثل باقي الأيام وإلا كان الصراع على أشده وكان الكارثة أكبر ••• صعد الناس مضحين بأفرشة نومهم ومسلمينها إلى حضرة الماء صاحب الشأن العظيم في هذه الدقائق وصاحب السلطة الكاريزماتية دون منازع•• ظلت المطر في سقوط مبرح رغم كل محاولات المواجهة وهروب الأشخاص بأجسامهم، كان الصغار يحتمون بغطاءات بلاستيكية وكان لهم في ذلك نوع من اللذة الممتزجة بخوف كبير•• تسمروا يشاهدون خالايا البرق وهي تنعكس فوق الماء المتسارع• مكنتنا إذا جهودنا المبذولة من وقاية أجسادنا مجتهدين بكل ما نملك لعدم تمكن هذا المصاب من إفساد حاجياتنا••• رافعين بكل ما وقعت عليه عيوننا إلى أدراج بعضها البعض••• وهكذا أحسسنا إلى متى كنا مشدودين إلى ثقافة الأرض أكثر••• حتى النوم كان من المفروض أن نتعاطاه فوق الأسرة وليس فوق أغطية رقيقة البنية، ونأكل على طاولات سامية الأرجل وفق طرائق الإنجليز ••• فتخيلوا معي حتى الصحون كانت تسبح مثل الزوارق التائهة وسط بحيرات استوطنت قبيل ساعة فناءاتنا؟! وأن المرافق الأخرى ومن منطق العصر لابد أن تنضد في جدران حتى نتقي حقا شر كل زاحف وزاحفة؟ لماذا يا ترى ما نزال نستعمل كراسي جلوسنا من فصيلة (طابوري) بلا مسند وهي الآن أيضا جُرفت إلى وجهات مجهولة؟! لماذا وجدت سجادة الصلاة في رواق البيت تحلق كبساط الريح نحو الخارج؟! لقد غرقت بخيوطها الحواشي مثل فرس البحر كانت السجادة من صنع تركي لم ينتبه إليها أحد وهي تواجه هذا المصرع ••• كل هذا وقفت عليه لحيظاتما دخلت في عراك مع هذا التسونامي المصغر وكأني به أتحداه؟!• خرجت إلى الشارع الرئيسي أساعد بعض الجيرة في بناء رصيف جديد من القوالب الإسمنتية وهي ما تركه أحد المقاولين المكلف من طرف البلدية لتهيئة هذه الشوارع••• وفعلا نجحنا في تشييد رصيف إضافي بغية محاصرة هذا السيلان الذي مايزال حيا نشطا••• كنا نرص الحجارة وكأننا وسط باخرة نواجه إعصارا في محيط ما؟! كان أحد الصبية من خلفنا يقول لآخر "بيت شيخ البلدية لم يتعرض إلى هجمات الماء••• لأنه مبني فوق هضبة؟! وكل ما هو أسفل ها هو مصيره"••• بعد ثلاث ساعات أو أكثر سكت كل شيء••• عادت الحياة إلى مجراها العادي••• أخرج الناس الماء من بيوتهم بالصحون والطاسات والدلاء، أخرست المطر خيوطها واحتستها تربة الطرقات بصرف آلي؟ تناولنا سحورنا في اليوم الحادي عشر بالتمر والحليب رفقة نفر من أصحاب المقاهي••• وقد تمنيت في قرارة نفسي أن لا يكون هذا التمر الطيب هو كمية من الصندوق الذي خطفه المراهقون من سيارة التاجر قبيل ساعات؟! صلينا في الطابق الأول لمسجد عمر بن الخطاب وكان صوت الإمام منخفضا بلا ميكروفون وفي الختام أمر سعادته بأن الجميع مدعو صباحا إلى المشاركة في حملة تطوعية لتنظيف الزرابي وغسلها في الأسفل لأن صالة المسجد الكبرى امتلأت بالوحل وبعض الأحذية الممزقة••• والحجارة؟! طلع النهار الخريفي علينا وقد كنت بصدد الخلود إلى سويعات من النوم وذلك بعد جهد حربي لا شك فيه قام به الجميع••• وبينما أنا أطالع كتابا عن حياة أو سيرة الصحابي الجليل أبو عبيدة الجراح، انقطعت الكهرباء في هذه الأثناء وظلمت الغرفة••• لم أدر بعدها ماذا حدث بالتمام بعد أن أحنيت رأسي على المخدة فقد غطى النعاس على كامل جسدي المنهك•••