نجحت جامعة قسنطينة في إخراج الأدب إلى ساحة الاحتفال وإدخال "الزغاريد" إلى المعجم النقدي بمناسبة زيارة الكاتبة أحلام مستغانمي. وكانت ذات الجامعة قد أدخلت الزغاريد في تقاليدها خلال مناقشة الرسائل الجامعية، في إطار تخليص الجامعة من الصرامة الأكاديمية وتمكينها من المرح الذي تتيحه الأعراس. والظاهر أن الجامعة الجزائرية جارت المجتمع في اندفاعه نحو الفرح الجماعي الذي بات ينفجر بشكل هستيري في مناسبات غير مناسبة، و الفرح هنا لا يضر ولا يُحسب على من جاد به بل يُحسب له، وبالتالي فإنه سيغطي حتما على كل تقصير (كإنتاج الجامعة لطلبة لا يحسنون كتابة طلب عمل). وبالطبع فإن هذا الفرح أفرح الكاتبة التي انبهرت لما رأته من حب بجامعة قسنطينة ووصفته بحب القسنطينيين لها، وفي رد للجميل دعت النساء إلى حملة تطوعية لتنظيف المدينة من الأوساخ وحذرت المسؤولين من غضب أبطال روايتها الذين لن يقبلوا بالوضع الذي صارت عليه مدينتهم، بل أن الكاتبة الأكثر جماهيرية في الوطن العربي تعهدت في حوار لجريدة الخبر بشراء ألف قفة للقسنطينيات في مسعى لتدريبهن على نسيان "الصاشيات". هذا الجو السعيد خلّص الكاتبة من الأحزان التي تستدعيها كتابة الروايات وخلّص أساتذة بجامعة قسنطينة من التجهّم والوقار فراحوا يتسابقون لأخذ صوّر معها– تأبيدا للمجد-أو مصافحتها أو معانقتها، إن أمكن، في الوقت الذي تعالت فيه الزغاريد بقاعة "المحاضرات " الكبرى. وضع كهذا جعل المنظمين يتجنّبون المداخلات النقدية الأكاديمية المثيرة للكدر وكذلك فعلت الكاتبة التي لم تجد ما تقوله عن فن الرواية و قالت من باب التواضع للطلبة والأساتذة: أنتم أدرى برواياتي مني. نتعلّم من "حدث" ثقافي كهذا، أن قلب الأدوار الاجتماعية بما يخدم المنفعة العامة أمر ممكن إن توفرت النيات: بإمكان الروائي أن يقوم بدور البلدية، بإمكان الأستاذ الجامعي أن يقوم بدور "البرّاح"، بإمكان الطالبة أن تقوم بدور المغنية، بإمكان مسؤول في مؤسسة علمية تأدية دور متعهد حفلات.الأمر بسيط، و لا يتطلب سوى القليل من "الإقدام". ملاحظة لو أن أحلام مستغانمي، الروائية والمتخصصة في علم الاجتماع التي زارت كنّتها بمروانة بمناسبة زيارة جامعة قسنطينة أو زارت جامعة قسنطينة بمناسبة زيارة كنّتها ( لا يهم الترتيب)، لو أنها تخلّت عن الفرح قليلا و انتبهت إلى ما تعنيه زغردة طالبات أو أستاذات عند الحديث عن الرواية، لو أنها انتبهت إلى ما يعنيه تدافع أساتذة في أرذل العمر لأخذ صور معها، لو أنها انتبهت إلى ما يعنيه انتقال طقوس الزردة إلى الجامعة، لبكت ولكفّت عن طرح التساؤل عن سبب انتشار الأوساخ في المدينة التي لا تعرفها، المدينة غير الموجودة أصلا، المدينة التي استنزلتها من أثر مالك حداد الذي لم يكن ليقبل الزغردة على رواياته !