تنتشر ظاهرة الأواني المعبأة بالماء البارد الموجهة للاستعمال العمومي بشكل لافت للانتباه عبر ربوع الزيبان في فصل الصيف الذي يتزامن و ارتفاع درجة الحرارة بالمنطقة. و في واقع الأمر فإن المبادرات العفوية التي دأب عليها السكان المحليون في تعميم هذا النمط من الأواني التي تطفو بصفة مكثفة في الفترة الصيفية وليست لصيقة بها تعكس نية المواطن المحلي للإسهام في تقديم منفعة عامة دون انتظار الحصول على مقابل مادي نتيجة لهذا الفعل. وفي متناول المرء رصد نماذج من هذه الأواني التي تبدو كالفطريات أمام المساكن والمحلات التجارية على مستوى مختلف المناطق العمرانية و تتجلى في أشكال هندسية متنوعة و ذات أحجام متعددة منها صهاريج ضخمة نسبيا وصفائح و براميل صغيرة وضعت جميعا في متناول المارة. وعلى النقيض من هذه الصور التي تجعل من أواني الماء البارد ديكورا في الهواء الطلق يعمد عدد من السكان من ذوي البر و الإحسان إلى نصب هذه الأواني داخل المنازل موصولة بالحنفيات التي تثبت على الجدار الخارجي للمسكن بحيث يتيح مجرد تشغيل الحنفية تدفق كمية من الماء البارد التي تطفئ العطش. وفي نية هؤلاء السكان وفقا للانطباعات المعبر عنها أن الحرص على الاحتفاظ بجسم الجهاز خلف جدران المسكن يسمح لقاطنيه بما في ذلك عنصر الإناث بالتدخل لتغذية الجهاز بالماء من حين لآخر وتنفيذ أعمال التنظيف الدوري لأجزاء الجهاز وفوق ذلك تأمين الحماية اللازمة للجهاز من كل اعتداء مفترض وتفادي تشويه المنظر العام للفضاء الخارجي. مشهد مألوف ولكن.. و بالإمكان ملاحظة بكل سهولة عبر أرجاء الزيبان مشهد متكرر ومألوف لدى الزيبانيين لشخص أو أكثر من الجنسين ومن مختلف فئات العمر يلتف حول نقطة الماء أو ينتظر دوره للظفر بكمية من هذه المادة لإرواء عطشه ثم الانصراف نحو وجهته. ولا يخفي المتبرعون بعض السلوكيات المشينة من لدن فئة من الناس التي لا تتوانى في استنزاف كمية المياه المخزنة بالجهاز من خلال عدم الاكتفاء بتناول الجرعات الضرورية واللجوء إلى المبالغة في استهلاك الماء إلى درجة ملء قارورات وحتى صفائح وسكب الماء على أجزاء من الجسم. مبرد الماء والقربة وجهان لعملة واحدة و تسود منطقة بسكرة خصائص المناخ القاري التي يطبعها الجفاف والحرارة المرتفعة صيفا إذ تتعدى عتبة الأربعين درجة مائوية الأمر الذي يضاعف من حاجة الإنسان إلى استهلاك الماء لتعويض الكميات التي يفقدها الجسم نتيجة خروج كمية كبيرة من العرق إلى غير ذلك. وفي سياق مقاومة الإنسان الزيباني للظروف المناخية القاسية وبعد تلاشي في زحمة الزمن شريحة المتطوعين الذين سخروا أنفسهم لسقي الناس بالماء وذاعت على أفواههم عبارة " برد يا عطشان" استفحلت حديثا ظاهرة أدوات الماء البارد الثابتة التي أملتها الحاجة أيضا و وجدت صداها لدى أناس خيرين لا يدخرون جهدا في تقديم خدمة مجانية. ويرى الباحث الاجتماعي عبد الكريم ثابت أن الانخراط الإرادي في خدمة الصالح العام دون شك سلوك إيجابي من صميم روح المواطنة ويعكس قراءة صائبة لاحتياجات الذات الجماعية ومؤشر على حالة التضامن بين أفراد المجتمع في النهاية. وبالنسبة لرئيسة جمعية ترقية التراث المحلي الآنسة هند حيزية فإن تهافت أهل الزيبان على توفير الماء البارد للمارة بواسطة الجهاز بغض النظر عن كون المستفيدين من قاطني المنطقة أو عابري سبيل لا يعدو أن يكون مجرد إعادة بعث نسخة عصرية لعادة متأصلة على مدار الأجيال تتمثل في" القربة" المصنوعة من جلد الماشية التي تؤدي الوظيفة نفسها. يبدو أن أجهزة الماء البارد التي تبوأت مكانتها المرموقة بكل جدارة ضمن فسيفساء الأشياء التي تتزاحم عبر الأنسجة العمرانية و انزلقت إلى تفاصيل السلوكيات اليومية للزيبانيين توجه دعوة مفتوحة لكل شخص يشعر بالظمأ لأخذ جرعة أو أكثر من هذه المادة الحيوية لجسم الكائن الحي.