تبدو محاولة الإقتراب من عوالم الأديبة والأكاديمية الجزائرية آسيا جبار ''فاطمة إيمالاين'' والتفكير في اختراق حدودها المتشعبة والمتداخلة، مغامرة حقيقية نحو اللامنتهى، كما أنها خطوة محفوفة بمخاطر الدهشة والاستغراب الملفوفين برداء الشك واليقين· إنها فعلا معادلة صعبة ''أس-لوغاريتمية'' وذات أبعاد تتقاطع معالمها المجهولة وملامحها الجوهرية التي تحيلنا إلى أكثر من اكتشاف· وعلى الرغم من هذه المسافة المتوهجة والمسافرة في برزخ المستحيل ودروب اللامتوقع، إلا أن هناك شعورا جياشا يغري بمزيد من الغوص في عمق هذه التجربة المتميزة والمتفردة ببصماتها الخالدة غير المسبوقة من خلال تغلغلها المقتدر وتمكنها من جذورها وأوبارها وتحكمها التام في زمام سيقانها وأوراقها، كيف لا والمكان متقدم جدا بالقياس إلى الموقع الأدبي في الخارطة العالمية·· هذا المكان الذي أينع زهورا باركها قبل الداني· إن الحديث عن الشاعرة، القاصة، الروائية، المخرجة، الأستاذة، الأكاديمية، الباحثة، المؤلفة، الصحفية·· وغيرها من الصفات والمهام التي أدت أدوارها ولا تزال تؤديها هذه المبدعة الجزائرية التي استطاعت فرض نفسها وتصدرها لمناصب لم تتح لأكثر التجارب العالمية حضورا، بأمانة الاحتراف وثقة الاقتدار، ورطة وليس في المتناول، ومجرد محاولة كسب هذا الرهان ''الكتابة'' يجد المقبل ''الكاتب'' نفسه تائها في صحراء قاحلة بلا قرار نهائي ولا أثر لأي نقطة من نقاط الختام ''المؤتلف''، إنها حقا بداية فعلية لمسيرة كل شيء فيها ''مختلف''· هل نتوقف عند ''فاطمة الزهراء إيمالاين'' ونصافح بدايتها ''الضمأ ''1957 وكيف تمكنت تلك الفتاة الموهوبة التي قفزت على واقع قريتها البائس الذي يمنع تمدرس البنات بسبب التخلف والفقر المفروضين من طرف السلطات الإستعمارية مناصفة مع حال وواقع مجتمعها آنذاك، وكيف لجأت إلى تغيير اسمها ''آسيا جبار'' الذي توقع به أعمالها التي خطت طريقها نحو العالمية وصاحبها إلى الأبد، أم نتجاوز كل تلك المراحل التي اجتهدت فيها المتوجة بجائزة ''السلام'' في معرض '' فرانكفورت ''2002 بعد أن استحقت هذا التتويج إعترافا لموقعها في حركة الأدب العالمي ونظرا لمسيرتها الإبداعية والنضالية على مرّ عقود ستة كاملة من الجهد والعمل دون كلّ أو ملّ، استطاعت من خلال هذه المسيرة ''النضال'' التطرق إلى عديد القضايا المتصلة وذات العلاقة مع المواطنين والنساء، التحرر والاستقلال، الثقافة والتراث، العادات والتقاليد، الهوية والانتماء، ونتوقف عند اختيارها أول مغاربية وإفريقية تدخل قبة الأكاديمة الفرنسية ''مؤسسة الخالدين'' وتحجز لها مقعدا من بين الأربعين، هذا في الوقت الذي فشل فيه كل المبدعين العرب والأفارقة بما فيهم الروائي اللبناني المعروف ''أمين معلوف'' الذي لم تؤهله الأصوات المتحصل عليها لولوج هذه القامة السامقة بهيكلها وروحها ودورها في التاريخ الفرنسي منذ أن تمّ الإعلان عن تأسيسها من طرف ''الكاردينال ريشيليو ''1635 أيام حكم الملك ''لويس الثالث عشر''· أم نتجاوز كل ذلك أيضا ونتساءل عن قصة ''نوبل'' الجائزة العالمية التي رشحت لها عدة مرات وأخطأتها حتى السنة الفارطة رغم كل الميكانيك الإعلامي القوي الذي رجح فوزها· وهل هي بالفعل أهل لهذه الجائزة التي تحوم حولها شكوك ممزوجة بروائح سياسية وأيديولوجية في غاية التعقيد، أم أن ''آسيا جبار'' مجبرة على انتظار حدث هام ومفصلي في علاقة الكيان الصهيوني مع العرب مثلما حدث مع اتفاقية العار ''كامب ديفيد ''8791 وهي التي تحتفل هذه الأيام بعيد ميلادها الرابع والسبعين· يبدو أن ذلك غير ملائم التوقف عنده ''التساؤل'' بقدر ما نحن في حاجة لكشف ملامح هذه التجربة الحاضرة عالميا والغائبة وطنيا وعربيا لأسباب مجهولة، حتى أن أجيالا متلاحقة لا تعرف عن هذه القامة التي نحتت اسمها بمداد من ذهب في سجل الخالدين، سوى الإسم أو تكون قد وصلتها بعض الأحكام غير المنطقية وغير المؤسسة على قواعد موضوعية بعيدا عن الحقد الأيديولوجي والعقدة اللغوية، فتجربة مثل ''آسيا جبار'' جديرة بالتنويه والفخر والمتابعة ويجب أن تأخذ مكانتها ضمن السيرورة الطبيعية للمنحى العام المحلي (لأن من ترجمت أعماله إلى أكثر من عشرين لغة لا يحتاج إلى تعريف) وتجاوز كل خطوط النفي أو إدارة الظهر، وكما استطاعت هي وتمكنت من الإجابة عن سؤال ظل يؤرقها كثيرا ''شاسع أنت أيها السجن·· فمن أين ستأتيني أيها الخلاص··؟'' عبر روايتها الموسومة ''لا مكان لي في منزل أبي'' عملها الذي يعتبر سيرة ذاتية استحضرت فيها ماض سحيق وطفولة بكل ألوان الطيف التي ارتسمت على محياها ذات زمن غابر، فإنه من واجبنا أن نطالب مع سبق الإصرار ولا يهم الترصد من عدمه، بالكشف عن جوانب متعلقة بسرّ هذا التشتت وعدم وضع الأمور في نصابها، وكم هي الفرحة الكبيرة حين نقرأ ''آسيا جبار'' تستحضر بيئتها الأم ''الجزائر'' وتلامس أفقها في أعمالها التي سعت من خلالها إلى كتابة القرن العشرين كتابة مؤنثة بغربته وكينونته في آن واحد، دون أن تتخلى عن ذهنيتها الجزائرية وروحها، ولم تخن أبدا مبدأ الصراخ في وجه الصمت الخانق والقاتل للجاهز والمسلمات الذي أخذته على عاتقها منذ كانت تتدحرج في عقدها الثاني، لذلك فإنها تستحق فعلا تاج الحرية والمصالحة مع الذات· كيف لا وهي من تمقت كل التقاليد الرجعية التي تتسم بالظلامية والإنعزالية وحاربت كل ظواهر التقوقع والرجوع عبر روائعها المكتوبة والمصورة·