المُغتربون يتدفّقون على الجزائر    الجامعة الجزائرية تشهد اليوم وثبة نوعية    سانحة للترويج للوجهة السياحية الجزائرية    مشروع استراتيجي لتعزيز الاقتصاد الوطني    اختتام المرحلة النهائية بوهران    هذا موعد السوبر    وزير المالية يشيد بدور الجمارك    لاناب تكرّم ياسمينة سلام    المسيلة : تدشين عديد الهياكل الشرطية التابعة لأمن دائرة بوسعادة    المسابقة الوطنية الكبرى للقفز على الحواجز نجمتين وثلاث نجوم من 16 إلى 19 يوليو بوهران    كأس إفريقيا للأمم للريغبي 2025: انهزام المنتخب الجزائري أمام ناميبيا (7-21)    قطاع السياحة يستهدف استقطاب 4 ملايين سائح مع نهاية 2025    بومرداس : اللجنة الوزارية المكلفة بتحضير موسم الاصطياف 2025 تعاين شواطئ الولاية    السيد بوجمعة يؤكد عزم الجزائر على تفعيل كافة آليات التعاون الدولي لتعقب جرائم تبييض الأموال    برنامج ثري لتنشيط الأسبوع الثقافي لولاية المغير في إطار مهرجان الفنون والثقافات الشعبية بوهران    وزارة التربية : انطلاق فترة تقديم طلبات النقل للأساتذة ومديري المؤسسات التربوية غدا الاثنين    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة الى 58026 شهيدا و 138520 مصابا    المغرب: أرباح فاحشة لشركات المحروقات على حساب اقتصاد البلاد ومصالح المواطنين    منع دخول المراقبين الدوليين إلى الصحراء الغربية المحتلة مؤشر واضح على عدم احترام حقوق الإنسان    أبو النجا: الكيان الصهيوني يسعى لاحتلال التاريخ... والمقاومة الثقافية واجب حضاري    أمطار رعدية مرتقبة اليوم الأحد على ثلاث ولايات جنوب البلاد    الصالون الدولي للسياحة والأسفار: منصات رقمية جزائرية تراهن على التكنولوجيا لاستقطاب السواح والترويج لخدماتها    الجزائر تستعد لاحتضان الأولمبياد العالمي للروبوت بمشاركة 35 دولة    تقديم العرض الأولي لفيلم "دنيا" بالجزائر العاصمة    موسم الاصطياف: وصول 80 طفلا من أبناء الجالية الوطنية بالخارج إلى عين تموشنت    كاراتي دو/البطولة الوطنية: تتويج نادي مولودية الجزائر باللقب    ضرورة إضفاء التوازن على الشراكة الاقتصادية بين الطرفين    الالتزام بأقصى درجات الحيطة والحذر والتقيد بالتدابير الوقائية    الجمارك تمثل خط الدفاع الأول في حماية الاقتصاد الوطني    روسيا : لافروف يجتمع مع زعيم كوريا الشمالية ويشيد بعلاقة "أخوة لا تُقهر"    طُلب مني أن أغيّر موقفي من قضية الصحراء الغربية    قرار انضمامي إلى فاينورد كان موفقا    التنديد بزيارة العار ل"أئمة" إلى الكيان الصهيوني    السكة الحديدية.. هندسة جديدة للخريطة التنموية    صورة جزائرية ضمن أحسن 10 صور في مسابقة عالمية    توزيع مياه مجهولة المصدر بعنابة    انضمام الجزائر إلى "أسيان" ورقة رابحة لترقية الصادرات    تحذير من انتشار أمراض سرطان المعدة والقولون    تحذير من فيروس "أر أس في"    أطفال يبيعون كل شيء.. والأولياء في قفص الاتهام    غالي يدعو الأمم المتحدة إلى الإسراع في تنفيذ التزامها    حلبة سباق السرعة لكل الفئات العمرية بالبليدة    عمورة يواصل الغياب عن تحضيرات فولفسبورغ    غوص في عرش العزلة الإنسانية    "الفالوجة" تبدع لحظات فلسطينية مؤثرة    20 موسيقياً يصدرون ألبوماً مشتركاً    دعاوى لتصنيف مواقع أثرية ومبان تاريخية    فضائل ذهبية للحياء    تلمسان ستصبح قطباً صحّياً جهوياً بامتيازّ    سيدي بلعباس: افتتاح فعاليات الطبعة 15 للمهرجان الثقافي الدولي للرقص الشعبي بحضور جماهيري كبير    نجاح موسم الحجّ بفضل الأداء الجماعي المتميّز    وزير الصحة: تلمسان على أبواب التحول إلى قطب صحي جهوي بامتياز    تكريم وطني للطلبة المتفوقين في معاهد التكوين شبه الطبي بتلمسان تحت إشراف وزير الصحة    موسم حج 1446 ه : بلمهدي يشيد بالأداء الجماعي للقطاعات المشاركة    من اندر الاسماء العربية    هذا نصاب الزكاة بالجزائر    جامع الجزائر : ندوة علميّة تاريخيّة حول دروس عاشوراء وذكرى الاستقلال    سورة الاستجابة.. كنز من فوق سبع سماوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث والتواصل الفلسفي العربي المعاصر (1)

التراث وتحديات العصر، التراث والتجديد، تراثنا كيف نعرفه؟ نظرة جديدة للتراث، من التراث إلى الثورة، نحن والتراث·· دراسات ومشاريع فكرية تجسد قلق البحث وسؤال الإبداع بتبني منهج معين باسم الحداثة أو نموذجا للتنمية دفاعا عن أيديولوجيا ما أو مناهج عديدة تكيفا مع قيم العصر، ولكنها نادرا ما فكرت في مساهمة المشتغل بالفلسفة في قراءة هذا التراث، أو على الأقل استثمار المحاولات الفلسفية العربية المعاصرة مثل الجوانية والتعادلية في دراسة نصوصه، وهنا اقتراح رؤية تؤمن بقيمة المحاولات الفلسفية العربية في تنوير وجودنا الثقافي قبل الانبهار بفلسفة الآخر، التي نعتقد بأهميتها ولكن قد تساهم بوعي أو بدون وعي في غفلتنا عن حقائق نعيشها، لأن ''الواقع ليس دائما ما كنا نعتقده، لكنه على الدوام ما كان يفترض أن نفكر فيه''·
إننا لا نجد اليوم مؤلفات فلسفية في مستوى كتب الكندي أو الغزالي أو ابن طفيل أو ابن رشد، لأن ''العالم العربي الحديث لم يتمخض بعد عن فيلسوف عربي كبير من طراز أفلاطون وأرسطو وابن سينا وابن رشد ولييتنز وسبينوزا وكانط وبرغسون، ومعظم من اشتهروا فيه حتى الآن لا يعدون في نظرنا إلا كواكب، خفاقة تستضيء بنور غيرها فتتلألأ دون أن تضيء العالم بأشعتها الذاتية إلا قليلا''· لكن التجربة الفلسفية العربية المعاصرة، استطاعت رغم ثنائية حركة خطابها: ''خطاب من أجل فلسفة الماضي، وخطاب من أجل فلسفة المستقبل''، أن تصحح كثيرا من التصورات المغلوطة، والأفكار غير العلمية، والأسئلة المزيفة·
وبهذا المعنى، يخطو المشروع الفلسفي العربي المعاصر خطوة إيجابية، ويحقق بعض مطامحه النهضوية لأنه ''لكي يجعل التيار الفلسفي مستمرا حتى نجد، مستقبلا، مذاهب فلسفية، حتى نصل ما انقطع، فليس أمامنا إلا الرجوع إلى بعض الجذور التي نجدها عند فريق من المفكرين والفلاسفة العرب''· وهذه الرؤية التي تجعل من الفلسفة ''نظاما فكريا ينشأ في عصر، ويقوم به جيل ويخدم مجتمعا ويعبر عن حضارة''، ستجعل درس الفلسفة يتميز بقدرة على التحرر مما هو جاهز، وقدرته على الانفصال والقطيعة· و''إذا أردنا ألا يظل الفكر تأويلا، هو أنه كيف تنفصل عن الأفكار، بما هي تيارات جارفة؟''، بهذه الروح الفلسفية تنتسب للعقل الحديث من خلال الكشف عن الجذور الابستمولوجية في تراثنا، وقراءة في منعطفات التاريخ الخطير كما يقول مالك بن نبي، ليس من قلة أشيائه، ولكن من فقر أفكاره· ومثل هذا الدرس ينبغي التفكير فيه، لأن المشكلة الجوهرية هي كيف ننتقل من استغلال وظيفة الفلسفة إلى استثمار التجربة الفلسفية؟ بهذه المواجهة نقترح قراءة جوانية، وأخرى تعادلية لنص تراثي للفيلسوف ابن طفيل، لا ندعي فيهما تشييد نهضة فلسفية بقدر ما نهدف إلى بحث الإمكانيات الفكرية للفيلسوف العربي المعاصر، وبذلك قد نتجنب تكرار مأساة الفيلسوف العربي القديم الذي ظل على هامش المجتمع، لأن طبيعة العصر الوسيط جعلت سلطة النقل مرجعية لكل تفكير·
1- ماهي الجوانية؟
استمد الفيلسوف عثمان أمين (ت 1978) الجوانية من خلال إطالة النظر في أمور النفس، ومتابعة التأمل في بطون الكتب، مع مداومة التعرف لتجربة الوقائع والمعاناة لشؤون الحياة، فهي ''فلسفة وخير من هذا طريقة في التفلسف، ولا أقول أنها مذهب لأن المذهب شأنه أن يكون مغلقا قد رسمت حدوده مرة واحدة· وحبست تأملاته في نطاق معين''، فهي ''فلسفة تحاول أن ترى الأشخاص والأشياء رؤية روحية، بمعنى تنظر إلى المخبر ولا تقف عند المظهر، وأن تلمس الباطن دون أن تقنع بالظاهر، وأن تبحث عن الداخل بعد ملاحظة الخارج، وان تلفت دائما إلى المعنى وإلى الكيف وإلى القيمة، وإلى الماهية، وإلى الروح من وراء اللفظ، والكم، والمشاهدة، والعرض، والعيان''·
بهذه الغاية يكون ''مفهوم الجواني أوسع جدا من مفهوم البراني·· والنظر الجواني يعتمد نظام الإمكانيات هذا، لأنه المسيّر الحقيقي للفرد والجماعة، وهو أعمق أثرا من نظام المتحققات: فقد ينتمي الفرد إلى طبقة أو طائفة أو فئة من نظام المجتمع يعرف واقعها، دون أن يكون منسجما معها جوانيا، أو وفقا للنظام إمكانياته الفردي''· مثل هذا الاتجاه المعرفي، يجعل من ''النظرة البرانية المألوفة هي مصدر الالتباس في فهم المشكلات الإنسانية العديدة''، وعلى ضوء ذلك يطبق الجوانية ''في عرضه للقضايا الفلسفية على اختلاف أنواعها''·
فاللغة العربية مثلا: ''تفترض دائما أن شهادة الفكر أصدق من شهادة الحس· وبتعبير فلسفي شائع لدى فلسفة العرب، وصياغتها، نقرر أن الماهية متقدمة على الوجود''· أما ابن خلدون يستهل كتابه بحديث عن أهمية التاريخ وفضله: ولأول وهلة نراه يبين الفرق بين النظرة البرانية والنظرة الجوانية إلى هذا الفن العتيق، ونفس الأمر يصدق على أخلاق الإسلام، والصوفية، والغزالي، وأدب العقاد، ورسالة الأمة الإسلامية·
إن هذه الفلسفة تشمل أيضا ما ترجمه من أعمال لسائر الفلاسفة، وخاصة ديكارت، لأنها ''فتحت أمامه باب الديكارتية على مصراعيه، ومكنته من أسرارها فصار يجول في رحابها، وكأنه أحد أتباعها المتعصبين''، لأنه وجد أن نظرة الفيلسوف الفرنسي ''تقوم على الدفاع عن بداهة العقل في كل قول، وكل معرفة وكل يقين، والدفاع عن النور الفطري الذي هو مناط كرامة الإنسان''·
مما سبق ذكره، يوضح شرعية القراءة الجوانية لفلسفة ابن طفيل، لأن لغتها العربية ''بطبيعة بنيتها وتركيبها تعين الذهن الإنساني على أن يسلك الطريق الطبيعي في تحصيل المعرفة، وأعني بذلك أنها يقينية على الانتقال انتقالا مسيرا مما هو معطى وما هو ظاهر إلى ما هو خفي وباطن· ومنطق التفكير في اللسان العربي منطق صاعد أعني أنه يسير دائما من الأدنى إلى الأعلى ومن البراني إلى الجواني''·
2- جوانية حي بن يقظان
تبدأ رسالة ابن طفيل على أساس التمييز بين المعرفة البرانية والمعرفة الجوانية، لأن موضوعها هو ''من أسرار الحكمة المشرقية''، وهي تعبر قبل كل شيء عن حالة نفسية ''ولقد حرك مني سؤلك خاطرا شريفا أقضى بي·· إلى مشاهدة حال لم أشهدها قبل''· لهذا لا ينبغي أن نقف عند ظاهر ألفاظها، لأن الفيلسوف العربي لم يجد ''في الألفاظ الجمهورية، ولا في الاصطلاحات الخاصة أسماء تدل على الشيء الذي يشاهد به ذلك النوع من المشاهدة''·
هذه الطريقة في توجيه القارئ عند ابن طفيل، تتشابه مع رؤية عثمان أمين الفلسفية التي تنبه منذ البداية، ''أن هذا الكتاب الصغير لم يكتب إلا للقراء الجوانيين حقا· ومعنى هذا أن القارئ الذي يقف عند حرفية الألفاظ وظاهر العبارات دون أن ينفذ إلى فهم ما بين السطور، لن يصبحني في هذه الرحلة الفلسفية''· ومثل هذه المسألة تدفعنا إلى السؤال التالي: أليس ابن طفيل هو أحد المعبرين عن تاريخ الفلسفة الجوانية؟
إن الجوانية فلسفة ''لا تعرف الوقوف، ولا تريد الانغلاق، وهي محاولة للتعبير عن إيمانها العميق بضرورة الميتافيزيقا، وكرامة المعرفة، وسلطان الأخلاق''· وهذه الفاعليات ميزت الفلسفة اليقظانية في جميع مراحل أسئلة نظريتها في المعرفة: (حي) بمفرده في الجزيرة - لقاء (حي) ب (أسال) - دعوة (حي) قوم (سلامان)·
يبدو أن التجربة الفلسفية، تجربة ذاتية لأن الحقيقة تكمن دائما وراء المظهر الخارجي· لهذا لم ينجح (حي) في إقناع قوم (سلامان)، لأنه ينبغي ''التفرقة بين طريقين في المعرفة مختلفين جدا: أحدهما، طريق الرؤية الحدسية، بالتعاطف القلبي والمشاركة الروحية، المؤدية إلى الجوهر الصافي والموصلة إلى ما سماه الغزالي باسم المشاهدة الحسية أو التحليل المنطقي المؤديين إلى التفرج على الأشياء أو ملاحظتها من الخارج''· هذا المنهج كان أسلوب (حي) في معرفة ذاته وموضوعات العالم الخارجي، فهل معنى ذلك أن نص ابن طفيل لا يحتمل قراءات أخرى؟ ··· يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.