المغرب : 8 نقابات تتمسك بالتصعيد وتعلن شل المستشفيات العمومية في مايو المقبل    مسؤولون أمميون ينتقدون فشل المجتمع الدولي في إنهاء الإبادة الجماعية بغزة    إجراء اختبارات أول بكالوريا في شعبة الفنون    العرباوي في كينيا    رفع سرعة تدفق الأنترنت إلى 1 جيغا    تسخير كل الإمكانيات لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    صيرفة إسلامية : المنتجات المقترحة من طرف البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    تقدير فلسطيني للجزائر    هنية يُعبّر عن إكباره للجزائر حكومةً وشعباً    العالم بعد 200 يوم من العدوان على غزة    صورة قاتمة حول المغرب    5 شهداء وعشرات الجرحى في قصف صهيوني على غزة    العدوان على غزة: الرئيس عباس يدعو الولايات المتحدة لمنع الكيان الصهيوني من اجتياح مدينة رفح    مولودية الجزائر تقترب من التتويج    تيارت/ انطلاق إعادة تأهيل مركز الفروسية الأمير عبد القادر قريبا    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنّين    أمّهات يتخلّين عن فلذات أكبادهن بعد الطلاق!    سنتصدّى لكلّ من يسيء للمرجعية الدينية    برمجة ملتقيات علمية وندوات في عدّة ولايات    المدية.. معالم أثرية عريقة    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فرصة مثلى لجعل الجمهور وفيا للسينما    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    الجزائر تُصدّر أقلام الأنسولين إلى السعودية    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    استئناف حجز تذاكر الحجاج لمطار أدرار    بعد الإعلان عن خفْض الفوائد البنكية على قروض الاستثمار: قرارات الحكومة تريح المستثمرين    سونلغاز تفتح أزيد من 550 منصب شغل بولايات الجنوب    بعد مسيرة تحكيمية دامت 20 سنة: بوكواسة يودع الملاعب بطريقة خاصة    3 تذاكر ضاعت في نهاية الأسبوع: الثنائي معمري يرفع عدد المتأهلين إلى دورة الأولمبياد    لموقفها الداعم لحق الفلسطينيين قولا وفعلا: هنية يعبر عن إجلاله وإكباره للجزائر    الفريق أول السعيد شنقريحة يؤكد: يجب التيقظ والاحتراس و تنفيذ المهام بدقة وصرامة    تهيئة عدة شوارع للقضاء على مظاهر الترييف: 110 ملايير لربط 1300 سكن بالكهرباء في الطارف    وزيرة التضامن كوثر كريكو: الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنين    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    موجبات قوة وجاهزية الجيش تقتضي تضافر جهود الجميع    لأول مرة في الجزائر: «اتصالات الجزائر» ترفع سرعة تدفق الانترنت إلى 1 جيغا    القضاء على إرهابي بالشلف    تخوّف من ظهور مرض الصدأ الأصفر    تسجيل تلاميذ السنة الأولى بالمدارس القريبة من إقامتهم    إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار    "العايلة" ليس فيلما تاريخيا    عائد الاستثمار في السينما بأوروبا مثير للاهتمام    "الحراك" يفتح ملفات الفساد ويتتبع فاعليه    مواجهة كل من يسيء للمرجعية الدينية ولثورة نوفمبر    سارقا أغطية البالوعات في قبضة الشرطة    راتب بن ناصر أحد أسباب ميلان للتخلص منه    أرسنال يتقدم في مفاوضات ضمّ آيت نوري    مدرب ليون الفرنسي يدعم بقاء بن رحمة    العثور على الشاب المفقود بشاطئ الناظور في المغرب    قسنطينة: دخول "قريبا" فندق سيرتا العمومي حيز الخدمة بعد إعادة تهيئته    15 جريحا في حوادث الدرجات النارية    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن هذه الدنيا المشغولة بكرة القدم..
نشر في الجزائر نيوز يوم 16 - 06 - 2014

ما الذي جعل مواطنا من مدينة الرياض يتناوش ذات يوم مضى من عام 2010 مع آخر من مدينة الدار البيضاء حول صفقة تحويل جوزيه مورينو مدرب الأنترناسيونالي إلى فريق "المرينقي" ريال المدريد، وليست هي المناوشة الوحيدة التي حدثت عرضيا على هامش كرة القدم بل على متنها أيضا وهي رياضة عولمة وسحر وأيديولوجيا وخدعات إعلانية وألقاب..
مع هذه الرياضة وعبر الإنترنت وغير الإنترنت يتناوش المهووسون، المصلوبون على أعمدة الغرام -غرام كرة القدم- حول كل شيء صارت تؤطره، وتؤسطره هذه الرياضة، الشاغل الرئيس فيها اللاعب والمتفرج ولصانع اللعب هو المال، التحويلات، صفقات الكسب، ثمن البقاء في الأقسام الأولى وثمن الهبوط إلى الأقسام الدنيا، عندما قام النادي المدريدي بخطف النجوم من كل الهويات والسحنات والألوان لم يكن له من هم سوى إحراز سداسية اللقب وإعلاء الفانيلة البيضاء والزرقاء سموات سانتياغو برنابيو الأب الروحي لمدينة الرياضة والرفاه والفرح البريء العاصمة مدريد، جيء بكريستيانو رونالدو وريكاردو كاكا وكريم بن زيمة وهيغواين على النادي وليسوا هم الضيوف بل السحرة وليسوا هم اللاعبين بل الفاتحين وليسوا هم السحرة فقط والفاتحين فقط بل هم ملايين الأوروات التي يتلاعب بها الرؤساء في النادي وسماسرته وأرباب شركاته، بحثا عن الفرجة -الأقل- مضمونية للاعبين الخائفين، الوجلين، المرعوبين من أزمة القدم المشلولة أو سن اليأس الثلاثينية، والباقي هو لهؤلاء من غير اللاعبين.
في هذا العام، عام 2010، لم تنفع النجوم وأقدامهم رغم أنهم جاؤوا من البرازيل والأرجنتين وفرنسا والبرتغال ولا المدرب العجوز "بيلغريني"، لقد كان حالهم وحال النادي كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، خفَّي حٌنين وكرة من هواء ويد صفَّقت كثيرا ولم تلمس الذهب وحصاده، إن مال الريال الوفير، الإمبراطوري خاب ونكص على عقبيه، خاسرا الدنيا والآخرة، دنيا الناس، وآخرة الخواتيم المرصعة بما يلمع كل ما يلمع، شعر كريستيانو، ابتسامة كاكا، وخجل بن زيمة..
سواء كان المواطن من الرياض أو من الدار البيضاء أو من ممفيس أو مكسيكو أو الهانولولو وهو يحتار في صفقة تحويل المدرب جوزيه مورينيو، فإن مبعث الحيرة كامن في فلسفة خطرة دخلت ملعب كرة القدم ولم تخرج منه، يمكنك شراء النجاح والناجحين، ينبغي أن يشعر الجمهور الرياضي أن جيبك بصحة وعافية وأن جيبك معبأ بالمزيد وأن الحل بيدك وداخل رأسك..
قبل سنة من هذا أبطل النادي البرشلوني الحكاية المدريدية ونسجها، فلقد كانت السداسية له وكان غوراديولا مدربه - أسعد رجل في العالم- وهو النادي الأقل سرقة للصورة والومضة واللمعة والنجومية السريعة.
وأبلغ من الحقيقة -هذا العام- شيء آخر فال "الأف سي برشلونة" تقدم قليلا عن غريمه محرزا البطولة وتأخر عن وعده بالسادس المتوالي، إذ انفتحت الشهية للأنترناسيونالي الإيطالي بمدربه المتوقد مهارة وتكتيكا جوزيه مورينو..
حاصل المعنى ومبتغاه أن لكرة القدم متن وهامشه وإذا كان للمتن مشغليه، مدربيه، لاعبيه، سحرته وفراعنته، ملاكه وملائكته فإن الهامش صار يأكل في اليوم مقادير كبرى من اللهوي، التسلوي، الفرجوي الممهور بلمسات اللاعبين، بقذفاتهم، بانحراف مراوغاتهم، ومراوغاتهم المنحرفة، كل ذلك يسير حذو الآلاف مع المستديرة التي تعولمت واحترفت، تأطرت وتهيكلت وتعالت وتعالمت وتمنديلت .
يكرس المونديال هذا المنطق الذي يجعل الكبراء يعيثون في المال مالا وفسادا وثروة وذهبا وألماسا وفي الحين الذي يلتمع فيه نجم يصير أكثر خوفا من أن يغادر هو وعنفوانه وألقه في الوقت الباكر -في أزمة الثلاثينيات أو منتصفها- إن لم يملك شطارة في الكسب والاستزادة وعبقرية جني المال بعد مرحلة من الركض والرفس والهرولة والمناطحة.
إنني على شاكلة جان بودريارد الذي يقول إن تصنيع الصورة هو أهم من الحدث نفسه والحدث هو اللاعب وملعبه والكرة وهدفها، الهدف وشباكه وليس مهم كل هذا بل الاحتفالية الكروية التي بات يصورها بعضهم كأنها الحج مرة كل أربع سنوات إلى القارتين أو إلى كوريا الجنوبية واليابان أو إلى جنوب إفريقيا أو إلى استراليا ربما أو إلى قطر أو إلى بلاد من البلدان الأخريات اللواتي يبغين مجدا، أو رمزا، أو استرضاء الآلهة الأولمب كما تفعل اللحظة قطر الدولة الصغيرة جدا وهي تجمع حولها المروجين والمنشدين وكلاب الحراسة المتقولين وناثري الكلام وزخرفه حتى تتمكن من حظوة ومقام هما كل شيء في تاريخها، تحضر السياسة هنا بتوابلها وتركيبة السلاطة الاكزوتيكية أيضا تحضر ويحضر ما لا يأتي على خاطر ولا يطن على أذن من أقاصيص وروايات وكلام مثقفين.
عجت الكتابات بالفرح المونديالي وبيعت وابتاعت الصحف والمجلات الملاحق الخاصة واستقطبت الكرة كتَّابا مهرة كما جمهور وعامة راحوا يقتنون المواد الغزيرة الطافحة بالتفاصيل حول المعبودة، المؤلهة، الديانة الخفية، لقد جاوزت كرة القدم حدودها وخطوط دفاعاتها وتقدم المتن على الهامش معكوسا، إذ هي تلعب خارج الميادين لا داخلها وحيث يترك على بساطها العشبي بأمتاره المئة حفنة اللاعبين من فئات النجوم الصغيرة والكبيرة السهلة الانطفاء بينما تحرص مخازن الأندية والفرق على بيع القمصان بأرقام اللاعبين المفضلين وتحرص على الاستحواذ على إعلانات أهم وقنص صفقات مصاحبة لعمليات بيع وشراء مختلفة للبشر والبضائع والكرامات.
في الحكاية إنَّ إذن تلهو بنا كرة القدم، تلعب بالمال والسياسة والدين وبآلهة الأولمب وبأطفال البوكاجونيور وأطفال زيمبابوي وساحل العاج والسر الكبير يعرفه جوهافلانج وخليفته جوزيف بلاتير وميشال بلاتيني.
في أول البدء كان هناك مال وعرف المتابعون مصطلحا جديدا اسمه المال الديني والمال السياسي وهاهم اليوم يعرفون المال الرياضي..
المال الرياضي هذا كبر وتعاظم وأخذ في التمدد طولا وعرضا في اللعبة الغاوية، المثيرة للشهوات، المحرضة للإنفاق، لقد ازدهرت فنون صناعة الملاعب والألبسة الرياضية، كما ازدهرت الملصقات الترويجية وتريضت الصحافة فصارت الافتتاحيات كروية ومال اللاعبون بعد شقاء الملاعب وسنوات الصخب إلى التكوين وفنون القراءات النقدية في الماتشات الكروية وصار التعاطي مع الكرة عمل من أعمال الثقافة، وصقل لاعبون سابقون مواهبهم الكلامية وجودوا إلقاءهم في التعليق واشتغلوا على تسريحة شعر مختلفة وكرافتات زاهية الألوان حتى يضيفوا على المتن الأصلي الهوامش والتفاسير حول اللعبة المسحورة وصار للمباريات شرَّاح نصوصها ومدققي كلماتها ومفككي شيفراتها.
لم تعد اللعبة هي الأصل بل شؤونها وشواغلها وأشجانها، فالفريق الفرنسي بمدربه الأسبق الكوميدي، المسرحي، المعتوه ريمون دومينيك أرهق الصحافيين بأكثر من لازم في إدارته وإشرافه على فريق الزرق إن بأسلوبه في التصريح الصارم، المباغت، أو في قرارته ذات النبرة الجلفة، المتحدية وهو بذلك مدرب يشتغل على صورته وراهنها لقد فاز فوزا مرا على ايرلندا الشمالية بلمسة يد تيري هنري وترك الأخير في الفريق لرمزية بقائه، إذ نال الكأس العالمية في 98 مع زيدان- وألزم سمير ناصري نجم الأرسنال البقاء في بيته بعد مخاصمة تافهة مع هذا الأخير كما عاش مهاجمه فرانك ريبيري فوضى حواسه وزوغان مشاعره، إذ نحا في علاقة طائشة مع ابنة ليل ساقطة من فرنسا، زد على ذلك هزيمته الأخيرة في مباراة تدريبية مع منتخب الصين وهي بالذات الأشجان وأشباهها التي تصيغ الخطاب الكروي في نزقه اليومي، في طيشه وانفالته، في انفالته وتهاويه بين الحفر والأخاديد بين الفسق والمجون بين خفة الكائن وهلهلته.
ليس فقط التسويق لأغراضه هو الجاري والمستمر، ففي عالم الكرة -الما بعد حداثية- ذات الأبعاد الصناعية المصنعة يتم التسويق أيضا للصور على ما يتفضل شرحه وفلسفته المفكر جان بودريارد بل الصور ومنجزاتها، الأشكال ومخابر التلوين التي تتستر خلفها، يجب أن تتابع باحترام وانتباهية وعصرنة هذا الذي تقوم به المنظومة الاتصالية الحالية مع الكرة -هامشا ومتنا- إنه عصر كرة القدم الملغوم، المفخخ وهو الذي يسمح بتمرير كافة العناصر والنشاطات الإنسانية فيه فتكون هي الوعاء للاقتصاد والدين والسياسة والجنس والأدب والطب العقلي ومعارف الصحة العامة والبيئة والإعلام والدفاع والمخابرات.
إن الجزيرة الرياضية -في الوسط العربي- بباقاتها المتنوعة صارت اليوم تلعب برؤوس العرب وتشدهم بخواطرها ويطلب رضاها مثقفوا الرياضة وأهل التحليل وشراح اللعبة والسابقون في ميادينها كلاعبين ومدربين وكانت هي فطنة، ذكية، متذاكية، إذ من الأهمية بمكان أن تكون قطر حاضنة للكأس الذهبية في 2022م فذاك ما يؤشر على الرسائل الغامضة التي تحب الدوحة أن تبعثها وهي التي أحضرت إلى استوديوهاتها نخبة الرياضة من العالم المتحضر الأبيض من أمثال غاري لينيكر، وكوستاكورتا، ومايكل لاودروب ويوهان كرويف وأريقو ساكي وغيرهم من عرب أنجزوا العلامة والأثر المونديالي -وفي محافل كروية أخرى- كالحارس المغربي زاكي بادو، وعلي بن عربية الجزائري والتونسي نبيل معلول.
من الأول إلى العشرة ستبقى اللعبة سلطانة القلوب يتعالى متنها على هامشها ويكسب هامشها على خط التماس أكثر تماما كجوزيف بلاتير والمدرب خوزيه مورينو..
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.