المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: خطوة نحو تعزيز السيادة الرقمية تحقيقا للاستقلال التكنولوجي    حوادث المرور: وفاة 44 شخصا وإصابة 197 آخرين خلال الأسبوع الأخير    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    ملابس جاهزة: اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    جامعة بجاية، نموذج للنجاح    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    قسنطينة: افتتاح الطبعة الخامسة للمهرجان الوطني "سيرتا شو"    الطبعة الرابعة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي : انطلاق منافسة الفيلم القصير    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: حضور لافت في العرض الشرفي الأول للجمهور لفيلم "بن مهيدي"    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    كأولى ثمار قمة القادة قبل يومين : إنشاء آلية تشاور بين الجزائرو تونس وليبيا لإدارة المياه الجوفية    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    وسط اهتمام جماهيري بالتظاهرة: افتتاح مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    سوناطراك توقع بروتوكول تفاهم مع أبراج    الجزائر تحيي اليوم العربي للشمول المالي    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مِن أُصول الأندلسيين و المغاربة بِمِنطقة الجلفة
نشر في الجلفة إنفو يوم 26 - 11 - 2018

الحمد لله ربّ السّموات و الأرض و مَا بينهما و ربّ المشارق، الّذي زيّن السّماء الدُّنيا بِزينة الكواكب، و حفظها مِن كُلِّ شيطان مَاردٍ. لا يَسَّمَّعون إلى الملأ الأعلى و يُقذفون مِن كُلِّ جانبٍ. دُحورًا و لهم عذابٌ وَاصبٌ. إلّا مَنْ خَطِف الخَطْفَةَ فَأتْبَعَه شِهابٌ ثاقِبٌ، و الصّلاة و السّلام على مولانا و إِمامنا و قُدوتنا و شفيعنا و حبيبنا مُحمّدٍ، و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحابته أجمعين، و على مَن سلك نَهْجَهم، و تمسّك بِدربهم، إلى يوم الدِّين. ثمّ أمّا بعد :
إنّ مِنطقة الجلفة كانت قبل الفتح الإسلاميّ، كباقي مناطق المغرب الأوسط، تحت سِعاية و سيطرة البربر، و قد يكون هؤلاء البربر قد عَمَرُوها و أنشَأوا فيها، و ذرَأوا فيها، مَا كان صالحًا لِحال حياتهم و مَعاشهم، و مع تعاقب الدُّهور و تطاول القُرون عليها، و وُقوعها غير مَا مرّة تحت سيطرة الفِنيق و الوندال و اليُونان و الرُّومان، لم يبق مِن تَرِكاتهم و آثارهم شيءٌ ظاهرٌ، و لا ذِكرٌ واضحٌ، إلّا مَا تجلّى في أنسالهم و بَقَايَاهم، الّذين أنكروا هاته النِّسبة، و هذا الانتماء، و قالوا نحن عربٌ أدارسة أشرافٌ، و قد تأثّروا بِمن وفد عليهم و حلّ بِديارهم، في القُرون الإسلاميّة الأخيرة، و تحديدًا بِأولاد سِيدي نايل الحَسَنِيِين، تأثّر المُعجب المفتون، أو تأثّر المغلوب المهزوم.
و لم تكن أبدًا هاته المِنطقة مُنفكّة عن الأحداث و المُجريات الاجتماعيّة و السِّياسيّة و غيرها، الّتي وقعت على أرض المغرب الأوسط، لاسيما منه بِقاع السُّهوب و شبه الصّحراء، و إن لم يكن لها حُضورٌ فيها، فأقلّه أنّها كانت تمرّ بِها القوافل و الرّواحل و الجمّالة و الأبّالة و الجوّالة و السُّفّار و المُتنقّلون و التُّجّار و السُّفراء و السُّيَّاح، بِالإضافة إلى الإرساليات و البعثات الّتي بلا ريبٍ كان لها هُتوعٌ إِليها و وُفودٌ عليها و مُرورٌ بِها... في جميع الجِهات (شمالاً و جنوبًا و شرقًا و غربًا)، و شهدت فُتوحات و غزوات و معارك و توسّعات و صِراعات و خُصومات و انشطارات و تحالفات و نُفوذًا و سيطرة و سُلطانًا، مِن لدن الفتح الإسلاميّ، و مِن قبله بِفتراتٍ و بِحقبٍ زمانيّة مُتعاقِبة، و مِن بعده، و إلى نُزول الغُزاة الفرنسيين الكفرة الفجرة، بِأرضها الطّيّبة الّتي امتزجت امتزاجًا كُلِّيًّا كاملاً صالحًا، بِالإسلام و العربيّة...
و قد بُنيت عليها أسبطة (أصبطة) و أعرشة و باشلات و براطيل (براطل) و حذاءات و خِيام و سباطات و سُرَادِقات و كرفانات و مقاصير، و رُبّما دُورٌ و جوامع و صوامع و بيعٌ، ضاع و تلف أكثرها، و عَفَرته عوادي و غِيَرُ الدّهر و عُرام الزّمن، و قد رأينا لَصِيفًا شاهدًا و مُتحدِّثًا عنها، بِصوت خافتٍ مُتردِّدٍ، غفله الكثيرون مِن أهل مِنطقتنا، و مِن مناطق مغاربيّة أُخرى، و تخطّاه المُؤرِّخون و المُثقّفون و الكُتّاب و البَحثة و أهل الشّهادات العُليا المزعومة و مُنتسِبو المعاهد و الجامعات و الكُلِّيّات و مَا أكثَرَهم في هذا الزّمان.
و آهلة مِنطقة الجلفة الواسعة المُترامية المَرأى و المَشهد، اليوم هُم بِلا ارتيابٍ أمشاجٌ و أحباشٌ (حُباشة) بين الأدارسة و الهِلاليين[1]و البربر[2]الّذين يترجّح عِندنا أنّهم مِن زّناتة و البتر و الكُوميّة، و المُوريسكيين المَوَاركة[3]، و هُم قِلّة جِدًّا، و الغلبة في هاته الآهلة و السّاكنة كما لا يخفى هِي بين الأدارسة الحَسَنيين الأشراف، و عرب هِلال بن عامر، و الأدارسة أكثر صُلْبًا و وَلاءً.
و لا يُخامرنا شكٌّ، أنّ هذه المِنطقة نعني الجلفة وفد و ورد عليها، في زمنٍ مَا الأندلسيون في رحلاتهم إلى أرض الجنوب، و إلى السُّودان الكبير[4].. إلى بلاد الزِّيبان و السُّوف و الطّاسيليّ و الأَهَقار و الفزّان، و إلى أغاديز (أغاديس)، و إلى الواحات و التّوات و الأزواد و تُومبوكتو (تمبكتو)، حيث مجمع طُرق القوافل الآتية مِن تِيرس و تِيشيت و ودان و ولّاتة و شَنْقيط، و إلى فُوتا تُورُو، و هي مِنطقة تقع على ضفّتي نهر السِّينغال، و تُعرف الآن بِكوركل، و إلى كانم، و برنو، بِغانا (غانة)، و إلى بُحيرة تشاد العجيبة، و مَا إليها[5]، و ذلك في أثناء تجاراتهم و أسفارهم و مَأمُوريّاتهم، و في أثناء طلبهم لِلعُلوم و الفُنون و المعارف و الصّنائع و الثّقافات، و نشرهم لِتعاليم الإسلام و فضائله، و بثّهم لِلِّسان العربيّ المُبين و فِقْهه و بيانه.
كما حلّ بِرُبوعها المغاربة (المراركة)، في أثناء توجّههم إلى الشّرق[6]، حيث مصر و الشّامّ و الحِجاز و نجد و العراق و بلاد فارس، في قصدهم لِلحجّ و العمُرة و الزِّيارة و السِّياحة و التّعارف و الاستكشاف، و في أسفارهم العِلميّة و العَمليّة و الدّعويّة، و في باقي أحفالهم و مقاصِدهم الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و السِّياسيّة، و غيرها، و هي كثيرة جِدًّا.
و بعض هؤلاء المغاربة قد سَكنوا بعض قُراها الّتي كانت ظاهرة فيها، في ذلك الحِين، و استقرّوا بِها، على غِرار (بِالتّرتيب الألفبائيّ) : حاسي بحبح في القرنين الأخيرين، و حدّ السّحاريّ (الصّحاريّ)[7]، و زكّار، و زنينة (الإدريسيّة حاليًا)، و الشّارف، و عمورة، و عين الإبل، و المجبارة، و مسعد الجميلة ذات الحدائق و البساتين الغنّاء[8]... و سكنوا أيضًا القُرى و البلدات المُجاورة لها الّتي كانت قائمة حِينها، و التّابعة لِمِنطقتها الواسعة تعريضًا، كَأولاد جلّال و الدِّيس و بُوسعادة و سِيدي خالد و وادي مزي، و هي اليوم تابعة إداريًّا، لِبعض الولايات المُجاورة، و هي بِلا شكٍّ قُرى ضاربة في التّاريخ عُمرًا طويلاً. و وقعت لهم مُصاهرة و نسبٌ فيها، و اختلطوا مع ساكنتها و انتسبوا إلى أُصولهم مُجاورة و مُصاهرة ة مُشاركة و ولاءً، و عَمَروها و شيّدوها بِمعارفهم و حِرفهم و صنائعهم، حتّى غدت في عِداد الحواضر و المُدن.
و على هذا يأتي بِناء الحواضر، و على هاته الشّاكلة تتمّ نشأتها و عِمارتها و نموّها و ازدهارها و تطوّرها، و بِهذه الطّريقة جاءت حركة العُمران فيها، كما جرى في حواضر البِلاد العربيّة المعروفة، على مِثال الإسكندريّة و بِجاية و البصرة و بغداد و تلمسان و تُونْبُوكتو و تُونس و تِيطوان و حلب و دمشق و شَنْقيط و صنعاء و طرابلس و طنجة و عنّابة و فاسٍ و القاهرة و قسنطينة و القيروان و مرّاكش و مكناس و المهديّة و الموصل، و غيرها بِعديدٍ.
و ليس بين أيدينا مَا يُثبت مَا ذكرناه و جِئنا بِه كِتابةً[9]، على وجه التّحديد و التّخصيص، و على وجه الكِفاية و المَزيد، لكن لدينا مراجع تاريخيّة عامّة و خاصّة، و رحلات منسوخة مِن قِبل أصحابها، أو مِن قِبل تلامذتهم، بِالإضافة إلى بعض الدِّراسات و الكِتابات الواقعة في حيّز التّاريخ و الأدب الجمعيّ و التّوثيق و السّماعات و الرِّوايات المنقولة و صِيغ الإعلام[10]، استقرأنا في كُلِّها، و استشففنا مِنها مَا جِئنا بِه، في هاته القالة الّتي نخالها أنّها ستقذف العَجَب و الإعجاب، في قُلوب القُرّاء و المُتتبّعين، لِمنشورات إنفو جلفتنا (جلفانا)، سواء أكانوا على خطِّنا، أم كانوا على خِلافة بِالكُلّيّة، أو في بعض جُزئياته.
و إنّا لَنعلم أُسرًا و عوائل، هُم مِن أُصولٍ مغربيّة، و حتّى مِن أُصولٍ أندلسيّة، و هُم مُنضوُون و مُنتمُون إلى عُروشٍ نائليّة و هِلاليّة، و لا ينقطعُون و لا ينفصلُون عنها، نَسبًا و مُصاهرة و ولاءً، و يسكنُون مِنطقة الجلفة مُنذ أمدٍ، تعرف أكثرهم مِن خِلال تركيبة ألقابِهم و أسمائِهم و كُناهم، و طبيعة عاداتهم و تقاليدهم، و خطائط ألوانهم و أجسامهم، و مِن خِلال مظاهر عُمرانهم و بُنيانهم، و مَا لَهم مِن حِرفٍ و صنائع و إبداعات و مُنتجات. و إنّه لَيُضيقهم بِشدّة ذِكرهم في هذا الموضع[11]، و لو ذكرناهم و عَددناهم عدًّا[12]، لَأعلنوا علينا حربًا عوانًا جهلاً مِنهم و رمونا بِكلِّ مذمّةٍ و نقيصةٍ، و قالوا إنّكم تطعنون على الأنساب و تُفرِّقونا الأرحام هكذا رأسًا و إنّكم تتكلّمون رجمًا بِالغيب، و تسبّوننا و تحتقروننا. و مَا كان أبدًا هذا قصدنا، و لا هُو ملمح سبيلنا، و لا هُو مِن أدبيات خطِّنا الّذي ألفناه مُنذ زمنٍ، في كتاباتنا و مقالاتنا و أبحاثنا، عبر الجرائد الورقيّة و الإلكترونيّة، و مِنها الجلفة إنفو (أنفو) الرّسميّة المُعتمَدة .
و لقد أردنا مِن هذه المقالة، أن نُبيّن أنّ بِقاع الجلفة المُختلفات، قد ثوى فيها و جحا أقوامٌ كثيرون، مِن مُختلف الأجناس و الأعراق.. مِن البربر الأحرار الأبطال، و هُم السّكّان الأصليون لها، و مِن عرب الحجاز الوافدين عليها (الأدارسة و الهِلاليين)، و رُبّما أيضًا مِن عرب سُليم بن منصور (السّلميّة)، و قَطنتها نِسبة (قلّت أو كثرت)، في القُرون الأخيرة الّتي تطاول عليها العُمر، مِن واردي المغرب الأقصى (العُدوة)، و الأندلس قبل سُقوطها عليها، في أثناء زِياراتهم و جولاتهم و رحلاتهم و إرسالياتهم و بعثاتهم و استكشافاتهم، و كان أكثرهم مِن أهل التِّجارة و الحِرف و الصّنائع و البدائع، و مِن أهل العلم و الأدب و التّصوّف. و هربت إليها أخرى (أي نِسبة) مِن المُوريسكيين المواركة أصحاب الحَضارة و المَدَنيّة و الفَرْهدة، الّذين تركوا بِلادهم الرّائعة، إكراهًا و قسرًا و غصبًا عنهم، و فرّوا مِن ويلات حربٍ شعواءٍ عشواءٍ همجيّة عنيفة حقيرة، أعلنها عليهم القُوط الملاعين، و أيّدهم عليها الصّليبيون الحاقدون، بعد تسليم مدينة غِرناطة، و هي آخر معاقل دولة بني نصر، أو بني الأحمر، الإسلاميّة، في أرض الأندلس (أسبانيا و البُرتغال)، يوم 23 المحرّم 897 ه، المُوافق 25 نوفمبر 1491 م، سلمًا و ليس حربًا، في اتفاقيّة مشهورة، بين السُّلطان أبي عبد الله مُحمّد الثّاني عشر، المعروف بِأبي عبد الله الصّغير، آخر مُلوك دولة بني الأحمر بِالأندلس، و بين فيرديناند ملك أسبانيا آنذاك، و احتوت هذه الاتفاقيّة سبعة و ستِّين (67) بندًا، تنصُّ صراحة على وُجوب حفظ حُقوق و واجبات المسلمين، و حفظ أملاكهم ، و ضمان حُرية دِينهم و مُعتقدهم و مَا يمتلكون. و قد امتدّ مجيئهم إلى عِدّة جِهات، مِن القُطر الجزائريّ[13]، و أجمع الباحثون و المُهتمّون لِشّأن المُوريسكيين في الجزائر، أنّهم سكنوا مُعظم البِلاد الجزائريّة[14]، في (بِالتّرتيب الألفبائيّ) : آزفون (أزفون)، و أرزيو، و بِجاية، و بريشك، و البُليدة، و بني صاف، و تلمسان، و تنسّ، و تيارت، و الجزائر العاصمة، و جيجل، و الدّاموس، و دلّس، و سطيف، و سكيكدة، و شرشال، و الشّلف، و عنّابة، و عين تموشنت، و الغزوات، و قالمة، و قسنطينة، و القُلّ، و القليعة، و مازونة، و المديَّة، و مرسى الحجّاج، و مُستغانم، و المسيلة، و معسكر، و مليانة، و مِيلة، و ندرومة، و وهران. بِالإضافة إلى بِلاد التّوات و الزِّيبان، و جنائب التُّراب الجزائريّ، و الواحات (الأغواط، و غارداية)، و هذا مَا يُؤكِّد مِمّا لا مجال فيه لِلشّكّ و الرّيب، أنّ هؤلاء المُوريسكيين كان لهم وُجودٌ و مسكنٌ و ظَعَنٌ، بِمِنطقة الجلفة ؛ فقد أقاموا و أناخوا و بَجَدوا بِتيارت و الزِّيبان و المسيلة و المديّة و الواحات كما أشرنا آنفًا، و كُلّها مُحيطة بِالمِنطقة المذكورة كما لا يخفى، بل إنّ بعض أجزاء هاته البُلدان هِي تابعة لِهذه المنطقة معنويّا و اجتماعيًّا، فكيف لا يكون لها نصيبٌ مِن بقايا المُوريسكيين (المواركة)[15] ؟؟.
و يتفق أيضًا هؤلاء الباحثين و المُهتمِّين بِالدِّراسات الأندلسيّة قبل و بعد السُّقوط، أنّ سُكّان الصّحراء الجزائريّة، و الّتي مِنها الصّحراء القبليّة الّتي هِي الآن واقعة قطعًا في حيّز تُراب أولاد سيدي نايل، كانوا كغيرهم مِن سُكّان الصّحاري المغاربيّة، لهم روابط و علاقات و تواصلات متينة مع الأندلسيين، و في جميع مناحي الحياة المشهودة، السِّياسيّة و الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و المعرفيّة و الثّقافيّة، و غيرها، و حدث بينهم تزاورٌ و تصاهرٌ، و ربطت بينهم أرحامٌ و وشائج، و جرت في مَا بينهم تحالفات و مُعاهدات، مِن لدن القُرون الأُولى لِلدّولة الأندلسيّة، و حتّى زوالها، و قد بقي بينهم تعاونٌ و تعاضدٌ و تناصرٌ و تساندٌ و تضافرٌ، طِيلة السّنوات الّتي أعقبت ذلك الزّوال المشؤُوم، ممّا جعل بعض المُوريسكيين يتّجهون إلى الصّحراء المُشار إليها، و يجدون فيها جميل التّرحاب و كريم الاحتفاء مِن أهلها، و يجعلونها مُستقرّهم الدّنيويّ، في بِلاد الإسلام و العرب، و يعمرونها و يُشيِّدونها و يزهونها، بِأعمالهم و أفضالهم، و بِما يُحسنونه مِن عُلومٍ و حِرفٍ و مِهنٍ و صنائع و بدائع، و هذا مَا يُعزِّز مَا ذهبنا إليه، مِن أنّه يُوجد بقايا مِن هؤلاء المَوَاركة قطعًا بِجهتنا الجلفاويّة (الجلفيّة).
قال الشّيخ أبُو مَدْيَن شُعيب بن الحَسن الإشبيليّ الأندلسيّ، ثمّ التِّلمسانيّ الجزائريّ (ت 594 ه / 1198 م) :
تَحْيَا بِكُمْ كُلُّ أَرْضٍ تَنْزِلُونَ بِهَا... كَأَنَّكُمْ فِي بِقَاعِ الأَرْضِ أَمْطَارُ
وَ تَشْتَهِي العَيْنُ فِيكُمْ مَنْظَرًا حَسَنًا... كَأنَّكُمْ فِي عُيُونِ النَّاسِ أَزْهَارُ
وَ نُورُكُمْ يَهْتَدِي السَّارِي لِرُؤْيَتِه... كَأنَّكُمْ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ أَقْمَارُ
و نحن إِذْ نقول ذلك، و ننسخه توثيقًا مِنّا، فإنّنا نُبيّن أنّ هذه المِنطقة (الجلفة)، لها تاريخٌ عميقٌ[16]، و لها امتدادٌ حضاريٌّ، و لها ارتباطات و روابط و وشائج، و لها ثقافات مُتعدِّدة، و لها حُضورٌ و مشاهد، و حصلت على أرضها جولات و صولات و مدٌّ و جزرٌ و تدافعٌ و إرغامٌ و إكراهٌ، و غيرها، و سار عليها الوافدون و الواردون شرقًا و غربًا، و شمالاً و جنوبًا، و عرفت جميع وُجوه التّعليم الأصيل، و تمسّحت بِمسوح التّحضّر الإسلاميّ العريق، و صارت عربيّة اللِّسان و الثّقافة، و هي مُؤهّلة في كُلِّ حِينٍ أن تتبوّأ مكانة لائقة، بين الحواضر العربيّة الإسلاميّة المشهورة.
هذه هي الحقيقة، فالجلفة بِها أجناسُ مُختلطون، فِيهم الحَسَنيون و الهِلاليون و البربر، و فيهم بقيّة مِن المَغاربة و المواركة، ألّفوا جميعهم نسيجًا اجتماعيًّا مُنسجمًا مُتناغمًا، و التحموا في مَا بينهم التحامًا كُلِّيًّا صافيًا، و هُم أهلٌ لِأن يكونوا أهل حضارة و مَدَنيّة و رُقيٍّ و سُؤْددٍ، و قد تناسل مِنهم أهل العِلم و الفِقه و السُّلوك و اللُّغة و الأدب و الشِّعر و التّاريخ و الفنّ، و القُرّاء و البَاحثون و المُحقّقون و الكُتّاب، و غيرهم ممّن اعتنى و اشتغل بِالعُلوم العصريّة و المَدنيّة.
و نردّ أيضًا على أولائك البُوم و الغِربان و السّطحيين و أنصاف المُتعلِّمين و أشباه المُتعلِّمين، الّذين وقعوا في شرك الشّهادات (و العِياذ بِالله)، و الّذين يزعمون أنّه لا تاريخ لِمنطقة الجلفة، إلّا مِن خِلال الوثائق و الكِتابات الفرنسيّة، و أنّه لا يُوجد مَا يُعتمد عليه في استكشاف و استنباط ما كان واقعًا عليها، مِن أحداثٍ و أحوالٍ و وقائع و مظاهر، قبل العهد الفرنسيّ عليها، و قد نسوا و تناسوا، و جهلوا و تجاهلوا كُتب الرّحلات و الخطرات و التّراجم و السِّير، و كتب التّاريخ بِأقسامه، و مِنها التّاريخ العامّ، و تاريخ المُدن الإسلاميّة، و الطّبقات، و الوفيات، و الفهرسات و المُعجمات، و كُتب الأدب عامّة، و فيها مَا فيها مِن الكُنوز و الفوائد و المنافع و المفارد و الشّرائد و الطّرائد و المُلح، مَا يُفيد و زِيادة، لو قرأوها و استقرأوها و استشففوا منها، لَجاءوا بِشيءٍ ممّا نقوله في الجلفة إنفو عن هاته المنطقة الأصيلة. و هؤلاء الموصوفون بِما وصفنا يحطّون على الأُصلاء مِن طُلّاب العِلم، و على العِصاميين بُناة أنفسهم، و هذا ديدنهم و مُرادهم الحقير، و نقول لهم كما قال الشّاعر :
نَفْسُ عِصامٍ سَوَّدَتْ عِصامًا... و عَلَّمَتْهُ الكَرَّ و الإِقْدَاما
هذه زفرات بَغَرَتها مُذكِّرتنا المعرفيّة و البحثيّة، و تَسَبْسَبت على لِساننا، و ترجمتها لُغةً أناملنا، جِئنا فيها بِشيءٍ نزرٍ جدًّا، لفتنا فيه الخاطر و النّظر، إلى أرومة المُجتمع الجلفاويّ (الجلفيّ) المبثوث و المُنتشر، عبر أرجاء مِنطقتنا المُترامية الأطراف، لِنُفيد بِها شيئًا قليلاً القارئ و الباحث و الكاتب، عِلمًا و شهادة مِنّا. قال الله تعالى : (وَ لَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله إِنّا إذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ) المائدة / 106. و قد أتى كلامنا فيها مُجملاً، و المُجمل في عُرف الأُصوليين يحتاج إلى البيان، و البيان في حِينه و مكانه، و قد ذكرنا فيها أنّ في هذا المُجتمع المُومى إليه أُصولاً مغربيّة، و أُخرى أندلسيّة (مُوريسكيّة)، مَا زالت بقاياهم و عقابيلهم إلى يوم النّاس هذا، و هُم قليلون بِموازاتهم مع التّأليفات الأخرى الموجودة فيه، و الممزوجة بين الأشراف و الهِلاليين و البربر. و كُنّا قد جِئنا على نفس السّمت، و على نفس الاستواء، بِمقالات أوردنا فيها، أنّ بِالجلفة أُسرًا عِلميّة[17]، و أنّه قد بُني و شُيِّد على أراضيها الطّيّبة رَباطات و زوايا علميّة، و محاضر و مَقارِئ و كتاتيب قُرآنيّة[18]، و أنّها عرفت رَواجًا لِلثّقافة الأصيلة[19] (الأثيلة)، و أنّها شهدت زمنًا جميلاً[20]، و أنّ بِها إجازات عِلميّة مُسندة، و إجازات ذات سندٍ، في السُّلوك و الوِرد، و أنّ بِها أعلى أسانيد الطّريقة الرّحمانيّة، الّذي انقطع، و انجفل عنه النّاس، و كان من المُفترض أن يُحَافَظ عليه، حتّى يتواصل بين الأجيال، فهو مكسبٌ ثقافيٌّ لِسكّان جِهتنا[21]، و أنّ فيها رجالات و صُلحاء و فُضلاء، و غيرها... أفدنا في ذلك كُلِّه و أبدعنا، و الحمد لله الّذي عليه التّكلان، و صلّى الله و سلّم على سيِّدنا مُحمّدٍ و على آله و صحبه أجمعين.
هوامش
[1] كثيرٌ مِن مُفكِّري التّاريخ الإسلام، يرون أنّ الهِلاليين كانوا بِقصدٍ، أو بِدُون قَصدٍ أعداءً لِلحضارة و المدنيّة، فَعِند حُلولهم في بِداية القرن الخامس الهجريّ. القرن الحادي عشر المِيلاديّ، بِأرض شمال أفريقيا، دمّروا كثيرًا مِن المُدن الحواضر الّتي كانت موجودة و مُزدهرة، على غِرار (على التّرتيب الألفبائيّ) أشير و برشك و تُونس و تيهرت (تاهرت) و جِربة و سجلماسة و سدراتة و سُوسة و سيوسيرات (السِّيق) و طُبنة (بريكة) و القلعة و القيروان و المهديّة، و غيرها بأعدادٍ، و سكنوا الجِبال و التِّلال، و ساروا على طريقتهم الأُولى. و الله أعلى و أعلم.
[2] بربر المِنطقة المغاربيّة الكبيرة جدًّا، هُم صنهاجة و كتامة و البرانس و زّناتة و البتر و الكُوميّة. أو هُم صنهاجة و كتامة الّذين يُسمّون البرانس، و زّناتة و الكُوميّة الّذين يُسمّون البتر، و مِنهم ينحدر أيضًا الطّوارق (التّوارق) و التّبو.
و كثيرٌ مِن المُؤرٍّخين يرون أنّ صنهاجة و البرانس، هُم مِن أُصولٍ حِمْيَريّة. و قد وقع انقسام و انشطار كبيران، بين صنهاجة و كتامة و البرانس، و بين زّناتة و البتر و الكُوميّة، مِن أيّام الفتح الإسلاميّ، و مِن بعده الفتح الأمويّ، و حتّى سُقوط الدّولة الزّيّانيّة، سنة 957 ه / 1550 م، فقامت أمازيغ صنهاجة و كتامة و البرانس، بِمُقاومة ضدّ هذا الفتح، و عِند مَا تمّ إخضاعهم، ساندوا بِشدّة الإمام إدريس بن عبد الله (ت 177 ه / 793 م)، مُؤسِّس الدّولة الإدريسيّة (172 ه / 788 م 363 ه / 974 م )، ثمّ أيّدوا الفاطميين (297 ه / 909 ه 567 ه / 1171 م)، و شدّوا مِن أزرهم، و كانوا لِزعيمهم عُبيد الله بن مُحمّد المهديّ الشّيعيّ (ت 322 ه / 934 م) مُخلصين. أمّا أمازيغ زّناتة و البتر و الكُوميّة، فقد حالفوا بني أميّة في دمشق مِن قبل، و في قُرطبة مِن بعد، و كانوا لهم أكتافًا و بُناةً. لِلعلم أنّ فتح شمال أفريقيا (إفريقيا) ابتدَأ سنة 22 ه / 643 م، بعد فتح مصر الّذي كان سنة 21 ه / 642 ه، في خلافة عُمر بن الخطّاب (رضي الله عنه)، على يد عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، و دام إلى سنة 88 ه / 707 م، في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مَروان بن الحَكم (الدّولة الأمويّة)، على يد مُوسى بن نُصير، ثمّ تعاود لِمرّات عديدة ، في حديثٍ يطول، هذا مِن جِهة. و مِن جِهة يرى باحثون و مُؤرِّخون أنّ الدّولة الإدريسيّة (أو دولة الأدارسة)، هي نِسبة إلى إدريس بن إدريس بن عبد الله، ثاني مُلوك الأدارسة في المغرب الأقصى، الّذي تُوفّي سنة 213 ه / 828 م، و عُمره ستّة و ثلاثون (36) عامًا، و ليس كما يُروّج له في نظرهم أنّها نِسبة إلى والده المُشار إليه في متن هاته المقالة، و في نظرهم نظرٌ، و الصّحيح مَا ثبّتناه. و ليس بين أيدينا مَا يكفي لِإثبات مَن هُم الأمازيغ الّذين كانوا بِمِنطقتنا الجلفاويّة.. هل هُم مِن صنهاجة و كتامة و البرانس ؟ أم هُم مِن زّناتة و البتر و الكُوميّة ؟. و الله أعلى و أعلم.
[3] هُم العرب المُسلمون الّذين بقوا في أسبانيا بعد سُقوط غِرناطة، و زوال حُكم المُسلمين عن الأندلس تماماً، و خُيّروا بين اعتناق المسيحيّة، أو ترك أسبانيا، فأبوا، و قاوموا، و صبروا، و مُورست عليهم ألوان التّعذيب و التّنكيل، فَهُجِّروا قسرًا مِن بِلادهم، و أُخرجوا مِنها تحت الضّغط الوحشيّ، و قصدوا عدّة جِهات، و مِنها شمال أفريقيا، و استقروا فيها. و الله أعلى و أعلم.
[4] السُّودان و تشاد و النّيجر و مالي و قطاعٌ من مُوريتانيا و السِّنغال، كُلّها تُسمّى بلاد السُّودان في عُصورٍ سابقة. و السُّودان الأصليّ هُو دولة السُّودان اليوم، الّذي كان تابعًا أزمانًا لِمصر، أمّا البقيّة فكانت تُسمّى السُّودان الفرنسيّ ؛ بِحُكم تبعيّة الاستعمار، و بعد استقلالها صارت لها أسماء معلومة. و الله أعلى و أعلم.
[5] يُنظر إلى مقالنا " طريق القوافل الرّابط بين السّاحلين (جنوبا و شمالا) بالمغرب الأوسط (الجزائر) و المارّ عبر منطقة الجلفة في زمن مُتقدِّم "، الّذي نُشِر عبر الجلفة إنفو (أنفو)، في تاريخ 06 أوت 2017 م. و الله أعلى و أعلم.
[6] يُنظر إلى مقالنا " طُرق المغاربة المُتنقّلين إلى الشّرق بولاية الجلفة "، المنشور في الجلفة إنفو (أنفو)، بِتاريخ 19 جويلية 2016 م. و الله أعلى و أعلم.
[7] هذه البلدة، حسب الرِّوايات الشّفويّة المُتداولة، كانت موجودة و قائمة، مُنذ دولة بني حمّاد (405 ه / 1015 م 547 ه / 1152 م)، و بِها قُصورٌ و قِلاعٌ، بِمُحاذاة جبل القعدة المعروف، اندثرت، و انمحى جُلّ معالمها، و بقي مِنها شيءٌ لافتٌ، يترنّح و يُطاول عواقب الزّمان. و قد سعاها و استهلكها سحاريّ أولاد إبراهيم، مِن بني راشد، مِن نسل الهِلاليين، و هي اليوم تحت مُلكهم. و الله أعلى و أعلم.
[8] إنّ مدينة مسعد كان بِها في زمنٍ مَا رواجٌ علميٌّ و أدبيٌّ و ثقافيٌّ و دعويٌّ واسعٌ، حتّى قِيل أنّها كانت غاصّة بِذلك، و برز فيها أعلامٌ و أفاضل مشهودٌ لهم، و شهدت بُطولات و تضحيات و بسالة، و عُرف سُكّانها بِطيب معشرهم و كرمهم و شهامة خُلقهم و طلاقة وُجوههم و سلامة لهجتهم، الّتي هي أقرب إلى وُجوه العربيّة. و لكن في السّني الأخيرة حدّدها بعضهم بِما جاء بعد سنة 1988 م حدثت لها نكسة، سبّبها لها الدّواخل و الوافدون عليها حديثًا، و هي تستحقّ أن تكون مِن خِيرة الحواضر النّائليّة بِلا مُدافعة. و الله أعلى و أعلم.
[9] مِمّا يُؤسف عليه حقًّا أنّ ثقافة المغرب الأوسط، و بِخاصة مِنه بِقاعنا الجلفاويّة (الجلفيّة) الرّحيبة، مبنية مُعظمها على المُشافهة و النّقل السّماعيّ بِالرِّوايات الغير مضبوطة و الغير دقيقة و الغير مدروسة بتَاتًا، و لم تعرف النّسخ و الكِتابة و التّدوين إلّا لِمامًا، و مَا كان موجودًا مِن كُتبٍ و قراطيس و ألواحٍ و رسائل، في المكتبات العامّة و الخاصّة و هي قليلة جدًّا الّتي كانت محفوظة، بين زواياها و أهل الأدب و العلم فيها، في ذلك الحِين، نهبته فِرنسا الحاقدة، و أحرقت مَا تبقّى مِنه، في شِعارها الحقير الدّنيء الّذي رفعته.. " سِياسة الأرض المحروقة " ، هذا مِن جِهة. و مِن جِهة أُخرى الّذين كانت لهم أسمعة و أخبارٌ و مرويات و حِكايات صحيحة، و تواريخ مضبوطة، و لطائف و فرائد و نُتفٌ محفوظة، و لهم إلمامٌ بِالأحداث و المُجريات التّاريخيّة، و رُبّما لهم أسانيد و إجازات، لم ينسخوا ذلك كُلّه و يُدوِّنوه و يجمعوه، و رحلوا عنه و تركوه عُرضةً لِلإهمال و اللّامُبالاة، فذهب شَذَرَ مَذَرَ، نتيجة لِقلّة التّقدير و الإدراك و المعرفة بِماهية الأمور و مآلاتها. و قد أدركنا في العُقود الأخيرة نفرًا مِنهم، تلهّوا عن ذلك كُلِّه، و جعلوه ظِهريًّا، و تسابقوا إلى حُطام الدُّنيا، حتّى داهمهم الفوت بغتة، و لا يأتي إلّا بغتة، و هُم لا يشعرون، و مِنهم مَن لا يزال على قيد الحياة، و لكن لا حياة لِمن تُنادي. و الله أعلى و أعلم.
[10] على طريقة المُحدِّثين، في صِيغ التّحمّل، كقولنا : (أَعْلَمَنا فُلانٌ (ثقة عِندنا) أنّ فُلانًا (موثوقٌ) حدّثه...). و الله أعلى و أعلم.
[11] بعضهم يُقرّ بِذلك صراحة في مجالس خاصّة. و الله أعلى و أعلم.
[12] سنذكرهم إن أرادوا و أحبّوا ذلك لقبًا لقبًا و إسمًا إسمًا، في قابل الزّمان، عبر منشوراتنا الورقيّة. و الله أعلى و أعلم.
[13] كما كان لهم توجّهٌ بِدرجة أكبر إلى المغرب الأقصى (العُدوة) و تُونس، و بِدرجة أقلّ إلى مصر و الشّامّ و تُركيا و جنوب أُوروبا، و إلى مُوريتانيا و مالي و النّيجر و باقي بِلاد السُّودان الكبير. و الله أعلى و أعلم.
[14] يُنظر مقالنا " المُوريسكيون في الجزائر "، الّذي نُشر في الجريدة الإلكترونيّة الجلفة إنفو (أنفو)، بِتاريخ 06 جانفيّ 2017 م. و الله أعلى و أعلم.
[15] يُستحسن أن يكون هُناك بحثٌ و دِراسة خاصّة، حول وُجُود المُوريسكيين بِمِنطقتنا (الجلفة)، تقوم بِه الجِهات المُختصّة، و ليكن المخبر الّذي يُعنى بِالشّأن التّاريخي و الاجتماعيّ المحلِّيّ لِولاية الجلفة، لَدى جامعة زيّان عاشور الكبيرة. و الله أعلى و أعلم.
[16] بِالنّسبة لِعاصمة المِنطقة مدينة الجلفة فيعود تأسيسها إلى 1861 م، أو قبلها بِقليلٍ، و ذلك حسب الوثائق و الشّهائد الّتي بِحوزتنا. و الله أعلى و أعلم.
[17] يُنظر إلى مقالنا " مِن الأُسر (العوائل) العلميّة بولاية الجلفة "، المنشور في الجلفة إنفو (أنفو)، في تاريخ 29 جويلية 2016 م. و الله أعلى و أعلم.
[18] يُنظر إلى مقالنا " الزّوايا الجلفاويّة (الجلفيّة)... النّشأة و التّاريخ "، الّذي نُشِر عبر الجلفة إنفو (أنفو)، بِتاريخ 17 مارس 2016 م. و الله أعلى و أعلم.
[19] يُنظر إلى مقالنا " الثّقافة الأصيلة بِمِنطقة الجلفة : مشائخٌ أقاموا الدُّروس و المجالس و الحلق العلميّة... و وُجوهٌ اعتنت بنشر الكُتب و بيعها بداية من أربعينيات القرن الماضي "، المنشور عبر الجلفة إنفو (أنفو)، بِتاريخ 19 ديسمبر 2017 م. و الله أعلى و أعلم.
[20] يُنظر إلى مقالنا " مِن الزّمن الجميل في تاريخ الجلفة... الباشاغا سي يحيى بن سي السّعيد بن عبد السّلام بن لحرش "، المنشور عبر الجلفة إنفو (أنفو)، بِتاريخ 19 ديسمبر 2017 م. و الله أعلى و أعلم.
[21] يُنظر إلى مقالنا " تاريخ العُلوم العربيّة الإسلاميّة بمنطقة الجلفة... و ذِكرٌ لِلإجازات ذات السّند المُحصّلة من طرف أهل العلم و الفضل بالمنطقة "، المنشور عبر الجلفة إنفو (أنفو)، بِتاريخ 11 نُوفمبر 2017 م. و الله أعلى و أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.