طمع مرور الأيام الرمضانية، ومع مشاهدة بعض الحصص التلفزية في القنوات الجزائرية العامة والخاصة، لاحظنا قلة المنتج الوثائقي والدرامي الذي ينقل للمشاهد الخصوصيات الثقافية الشعبية الجزائرية. هناك - بين قناة وقناة - نجد الحضور المكثف للكاميرا المخفية، مع تتابع الحيز الزمني الخاص بالطبخ والأكلات ومشاهد الأسواق وأسعار الخضر والفواكه، مع هجمة الومضات الاشهارية بصورة غريبة تتجدد مع كل رمضان. لكن ماذا عن الحصص التي تقترح طبقا تراثيا شعبيا؟ لقد وجدنا بعض الحصص فقط وعددها قليل جدا، منها برنامج «الحديث قياس» الذي يعده ويقدمه الشاعر عرون أحمد، وبإخراج لرشيد نكاع، ويقدم في قناة الباهية، حيث يقدم الشاعر جملة من الأمثال الشعبية والحكم الجزائرية الخالدة، في ديكور تراثي شعبي جميل، وننصح الجميع بمشاهدته، لما فيه من نصائح شعبية وردت في أمثال الأجداد وكلماتهم العميقة، ونحن نحتاجها في هذا العصر المتطور والمتغير، في ظل سيطرة التكنولوجيا وكثرة المشاكل والانشغالات اليومية وتحديات العصر التي تحتاج لحكمة لمواجهتها والتفاعل معها... وتقترح قناة سميرة تي في على المشاهد الجزائري والعربي برنامجا ثقافيا تراثيا عنوانه «قعدتنا جزائرية»، تقدمه منال غربي بلباسها التقليدي المتنوع بتنوع مناطق الوطن واختلاف الموروث الشعبي فيه بين تنوعات ثقافية كثيرة، فيها الشاوي، القبائلي، الوهراني، القسنطيني، المزابي، الترقي...وغير ذلك من الثقافات الشعبية. وقد شاهدنا عددا خاصا بالتراث الشاوي، حيث استضاف البرنامج التراث المادي واللامادي لمنطقة غنية بكل منتوجها الثقافي، في الألبسة والأغنية وفي المأكولات...، فكان الطرف الشاوي بأنغامه المميزة وبحضور ساحر لفرقة الرحابة، وبمشاركة جمعية التراث الشاوي وجمعية سواعد الإحسان لبلدية عين فكرون بأم البواقي. ومن الأعمال الدرامية التي لفتت الانتباه بتسويقها لملامح ثقافية شعبية جزائرية، نذكر المسلسل الكوميدي «دشرة زكي»، على قناة دزاير تي في، سيناريو سفيان لعيشي وتمثيل زينب عراس وسمير عبدون وصونيا بشلوخ وفوزي صايشي... وهذا العمل الفني يمزج الاداء الكوميدي لبعض الشاهد مع تناول قضايا اجتماعية تقليدية، وأخرى عن صراع القيم بين التقليد والتجديد في قرية جزائرية هي نموذج مصغر لكل القرى الجزائرية. إن هذا المسلسل قريب من العائلة الجزائرية، واستطاع الممثلون التعبير عن أبعاد القصة بكلمات شعبية جزائرية مفهومة، فيها رائحة المكان الجزائري، ونلاحظ في الحوارات وفي الديكور وفي اللباس علامات الهوية والشخصية والذاكرة. ونشير كذلك لعودة قنوات التلفزيون الجزائري العمومي لكثير من البرامج والحصص والمشاهد السينمائية التي رسخت في ذاكرة المشاهد، في ظل نقص الأعمال أو غيابها، تزامنا مع الحراك الشعبي، وفتح ملفات التعاملات المالية مع شركات الإنتاج الخاصة التي كانت تأخذ أموالا طائلة مقابل أعمال تافهة وسطحية، ولا جماليات فيها. ونثني على حضور فترات زمنية للتسويق للفنون الشعبية الجزائرية بكل تنويعاتها من الشعبي، للمالوف، للأندلسي...خاصة بعد زمن أذان المغرب وأثناء الإفطار، كما برزت قناة بور تي في هنا على وجه التحديد، فتحها المجال الزمن الأكبر للأغنية الشعبية الجزائرية، فلطاقمها الإداري المشرف على البرمجة السبق وطنيا في خدمة التراث الجزائري والتعريف به. في الختام هذه بعض المشاهدات لبعض من البرامج الرمضانية التي احتفت بالتراث الشعبي الجزائري، وإننا نجدد الدعوة لضرورة فتح قناة خاصة تهتم بتراثنا الثقافي، وتعيد علينا كل ما هو من الزمن الجميل، بكل المنتجات الفنية والحصص والرسوم المتحركة والبرامج الدينية والثقافية...وليكن اسم القناة «دزاير زمان»، كما فعل أشقاؤنا العرب في قنواتهم، ومنها القناة الامارتية «دبي زمان» والمصرية «ماسبيرو زمان»...فهل يستثمر أصحاب المال والأعمال في هذا الميدان؟