يرى التشكيلي، كاملي إدريس، أن «الفن التشكيلي، نافذة كغيرها من النوافذ التي يطّلع من خلالها الجمهور على قضايا مجتمعه، وأداة رئيسية، بها يساهم الفنان في رقي بلده والنهوض به في شتى المجالات؛ فالأمر ليس مجرد لوحات ترسم وتعرض بل هو رسالة نبيلة.. قال الفنان كاملي ل»الشعب»، إن «الفن التشكيلي من خلال الأعمال التي قدمها الفنانون الجزائريون، لسان المقاومة، ووسيلة هامة من وسائلها التي تصدى بها الجزائريون للاحتلال، مشيرا إلى أن هذا الفن كان يحمل الرد المناسب على الفنانين المستشرقين الذين كانوا يكرّسون بأعمالهم للاستيطان والتبعية لفرنسا..». واعتبر أن «مسؤولية الفنان ورسالته، تكمن بأن يساهم في وعي المجتمع بفنه المتنوع والمتعدّد، خصوصا وأن التشكيل يندرج ضمن الفنون البصرية؛ مما يتيح للفنان أن يقدّم أعمالا تساهم في تهذيب السلوك من خلال تنمية الحس الجمالي لدى الفرد، الذي يكاد ينعدم بسبب التلوث البصري الذي عرفته البيئة المحيطة بنا..». الحفاظ على ذاكرة الشعب وصرّح أن «الفن التشكيلي في الجزائر ليس وليد الساعة، بل هو موغل في التاريخ؛ حيث عرفت الساحة الفنية العديد من الفنانين التشكيليين حتى منذ الحقبة الاستعمارية، ساهموا في الحفاظ على ذاكرة الشعب الجزائري وأصالته وانتمائه إلى حضارته العربية الإسلامية، التي تميزت عبر العصور بفنونها وإبداعاتها، كما استطاعوا أن يتركوا لمن يأتي بعدهم ميراثا عظيما اعترف بعظمته الداني والقاصي، وترك بصمة عن الفن التشكيلي الجزائري في كل المحافل التي قصدها هؤلاء للتعريف بإبداعاتهم الفنية المتنوعة». واستشهد الفنان بأربعينيات القرن الماضي؛ حيث برز نضال الفنانين التشكيليين في الثورة التحريرية المظفرة في مواضيع عديدة لها صلة مباشرة بالوطن، الذي كان يرزح تحت نير الاحتلال الفرنسي، وقد اتخذ اتجاهات فنية مختلفة، وفق تعبيره. واستعرض المتحدث ذاته مجموعة من الأسماء بغرض التأكيد على أصالة الفن التشكيلي الجزائري وعمقه وتوغله في التاريخ، وعلى رأسهم عميد الرسامين محمد راسم، «وهو من رواد المدرسة التقليدية، وأول من استفاد من التراث الفني العربي الإسلامي، حيث تأثر بالفن الإيراني؛ وبرع في فن المنمنمات والزخرفة»، كما قال. واستنادا إلى نفس المصدر، فقد جاء من بعده الفنان محمد تمام الذي ذاع صيته؛ يضيف المتحدث فبرع في التصوير والزخرفة العربية الإسلامية وفن المنمنمات، مشيرا إلى أنه تتلمذ على يد الفنان محمد راسم ليواصل مسيرته الفنية، إضافة إلى الفنان مصطفى بن دباغ والذي هو الآخر أبدع في فن الزخرفة الإسلامية ودافع من خلال أعماله عن أصالة الشعب الجزائري. وأضاف المتحدث «كما برز أيضا كل من عمر راسم في الخط العربي والزخرفة الإسلامية ومحمد إسياخم الذي برع في الفن التجريدي، واستطاع أن يخرج الفن خارج حدود البلد بمشاركته في باريس عام 1951م، كما اعتبر الأب الروحي للفن الجزائري، ومحمد خدة وفارس بوخاتم الذين ظهرت أعمالهم في اتجاهات فنية أخرى مختلفة. فنانون جسّدوا نضالهم خلال الحقبة الاستعمارية وأوضح كاملي إدريس بأن «هؤلاء وغيرهم، جسّدوا نضالهم خلال الحقبة الاستعمارية، من خلال إبراز أصالة الشعب الجزائري وانتمائه الحقيقي إلى حضارته العربية والإسلامية، وعبّروا عن رفضهم للخضوع للمحتل، بل إن منهم من ناضل على الجبهتين الفنية والعسكرية مثل الفنان فارس بوخاتم الذي التحق بصفوف جيش التحرير سنة 1957م، وكرس فنه لإظهار الحياة اليومية للمجاهدين، وقد تجسّد في سلسلة من اللوحات حملت اسم المعارك». واسترسل حديثه قائلا، إن الفنان بوخاتم أصيب عند عبور خط موريس؛ مما أوحى له برسم لوحة عرفت ب»مذابح موريس» التي توجد حاليا في المتحف المركزي للجيش الشعبي الوطني الجزائري، كما ساهم في تزيين المنشورات الخاصة بجيش التحرير آنذاك وغيرها من الأعمال الفنية، التي تشهد له بالكفاح والنضال في سبيل تحرير الوطن. وذكر أن قافلة الفنانين توالت؛ حيث برز بعد الاستقلال العديد من الأسماء، واستمرت حركة الفن التشكيلي بخطى ثابتة في حمل رسالة الأوائل ومواصلة مسيرة أسلافهم في النهوض بالفن، مؤكدا أنه إذا كان همُّ الفنانين الأوائل هو الدفاع عن الوطن، والمساهمة في تحريره من خلال الأعمال الفنية المختلفة، فإنه يقع على عاتق فناني الاستقلال ما هو أكبر، لأن التحديات اختلفت والظروف تغيرت. وأردف: «مسؤولية الفنان بعد الاستقلال، تكمن في المساهمة بفعالية في رقي البلاد وتطوّرها والحفاظ على قيمها وثوابتها، فكما كانت الثورة التحريرية والنضال المسلح ملهمين للفنانين التشكيليين في السابق، فبالتأكيد سيجد الفنانون الحاليون فيما يجري من حولهم من أحداث وما تطرح أمامهم من أفكار ملهما لهم في أعمالهم الفنية المختلفة، هؤلاء الذين استطاعوا بعزيمتهم رغم التحديات.» وتابع: «هذا ما يعني بالفعل رغبة الأجيال أن يواصلوا المسيرة بهدف تطوير الفن وفتح الأبواب مشرعة أمام الإبداع، ونذكر منهم - على سبيل المثال لا الحصر لأن القائمة طويلة الفنان جحلاط أحمد من معسكر والفنان إبراهيم عبد الجبار من الجلفة، والفنان توفيق لبصير من المسيلة، والفنان عبيد بوزيدي من واد سوف والفنان رويبي جمال من خنشلة والفنانة حورية بوعزة من المسيلة وغيرهم كثيرون..». وفي الختام، جدّد الفنان التشكيلي كاملي إدريس التأكيد على مساهمة الفنانين التشكيليين في نقل أصول الفن إلى الأجيال الصاعدة، التي ستعمل هي الأخرى على المحافظة عليه وتطويره، وبالتالي استمرار حركة الفن في الجزائر، والذي يعتبر حسب المتحدث أحد أهم روافد الثقافة الوطنية التي تعمل على النهوض بالبلد، «خصوصا في المجال الثقافي الإبداعي، وعلى إبراز الهوية الوطنية من خلال التظاهرات التي تقام في المناسبات الوطنية، التي تسجل حضورا قويا للفنانين للتعبير عن ارتباطهم بوطنهم وتاريخهم الذي سيخلد من خلال لوحاتهم، والتي ستكون مرجعا للأجيال القادمة ولما لا في أبحاثهم، وكذلك التوعية بالواقع بإبراز انشغالات المجتمع»، وفق تعبيره