ترسانة قانونية لانخراط الجمعيات في الحياة العامة أكد الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، أمس، حرص الحكومة على تجسيد الدور الفعال للمجتمع المدني، ضمن مقاربة «شاملة وتشاركية»، مفيدا بتمكينه من مختلف الأدوات القانونية ليرقى إلى مرتبة «الشريك وسلطة التقييم المضادة». وأشار في السياق، إلى أن مسار تطوير البلاد انطلق ولا يمكن تعطيله. تتجاوز رؤية السلطات العمومية للدور المنوط بالمجتمع المدني، الجانب التقليدي الذي يحصره في ذلك الشريك المتطلب لرعاية دائمة، إذ تعمل على تهيئته ليضطلع بمسؤوليات تتوافق وتحديات الدولة. هذه الرؤية، فصل فيها الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، لدى إشرافه على افتتاح الجلسات الوطنية للمجتمع المدني، بقصر الأمم بالعاصمة، والتي تنظم تحت رعاية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ومن قبل المرصد الوطني للمجتمع المدني. واستعرض بن عبد الرحمان، جملة من الإجراءات التي تمت خلال السنتين الماضيتين، في إطار تنفيذ الالتزام الثامن للرئيس تبون؛ إجراءات مكنّت فواعل المجتمع المدني من ترسانة ضخمة تمكنها من أداء دور مفصلي في تسيير الشؤون العمومية. ويمثل دستور 2020، بحسب الوزير الأول، القاعدة المرجعية، للمكانة الجديدة كليا للمجتمع المدني في الجزائر، إذ لم يكتف بإنشاء مرصد وطني كهيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية، وأعطاها مقاعد تمثيلية ضمن هيئات رقابية عليا. وقال المتحدث، إنه يضطلع بمهمة تكريس مصداقية وشفافية العملية الانتخابية، ضمن «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، المشكلة أساساً من ممثلين عنه»، ويساهم أيضا في تجسيد مبادئ الشفافية والحكم الراشد ومكافحة الفساد، «من خلال تمثيله المرموق ضمن تشكيلة السلطة الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته». وبموجب القانون، سيتولى رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، عبد الرحمان حمزاوي، اقتراح أعضاء عنه ضمن الهيئة، يشاركون في وضع الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته. وتعول السلطات العمومية- يضيف الوزير الأول- على المجتمع المدني في ترسيخ مبادئ الديمقراطية التشاركية التي يشكل ركيزتها الأساسية، لاسيما «في تسيير الشأن المحلي ومرافقة السلطات المحلية في اختيار المشاريع الجوارية التي تتناسب وأولويات المواطنين». وأفاد بإشراك كافة أطياف المجتمع في التشاور الوطني حول سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إطار التنمية المستدامة، «من خلال توسيع صلاحيات المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وإعادة بعثه وتفعيل دوره». فضاءات نشاط المجتمع المدني، لا تتوقف عند هذا، إذ يملك صفة الفاعل والشريك في إعداد النصوص القانونية، التي تعد أداة تأطير السياسات العمومية وتنفيذها بامتياز. بموجب آلية التشاور المسبق معه من قبل الدوائر المبادرة بمشاريع القوانين. وأكد الوزير الأول، إرساء تقاليد جديدة في إشراك فعاليات المجتمع المدني في بلورة القرارات الهامة، «حيث تقوم الحكومة دوريا بدعوة مسؤولي المنظمات المهنية من مختلف الفروع الاقتصادية وجمعيات معنية إلى اجتماعات وزارية مشتركة». وقال: «كما قمت شخصيا وكذلك الأمر بالنسبة لأعضاء الحكومة، بعقد لقاءات مع العديد من مسؤولي منظمات أرباب العمل والنقابات العمالية». ترسانة قانونية الوزير الأول، أكد أن الدولة رفعت السقف عاليا، وربما أكثر من المتوقع، إذ ترفض الإبقاء على المجتمع المدني داخل بوتقة «الجمعيات» التي تحتاج إلى كفالة دائمة يؤخذ بيدها من قبل المسؤولين المحليين. وذكر، في السياق، بالالتزام الثامن لرئيس الجمهورية الذي ينص على «بناء مجتمع مدني حر ونشيط، قادر على تحمل مسؤوليته كسلطة مضادة وأداة تقييم للنشاط العمومي في خدمة الوطن والمواطن». وتقع هذه المكانة، ضمن إرادة سياسية لتعزيز الحريات العامة وتقوية دعائم الممارسة الديمقراطية، إذ نص دستور 2020 على «حرية إنشاء الجمعيات، عبر تكريس نظام التصريح والنص على عدم إمكانية حل الجمعية إلا بموجب قرار قضائي، فضلا عن التزام الدولة بتشجيع الجمعيات، لاسيما الجمعيات ذات المنفعة العامة»، إلى جانب تعزيز الحريات النقابية وحق إنشاء النقابات ومنظمات أرباب العمل. دور حيوي في المقابل، وبالنظر لهذه الترسانة القانونية الضخمة، ينتظر من المجتمع المدني دور حيوي لا يقل أهمية عن واجبات المؤسسات الدائمة للدولة. وعليه يتوقع الوزير الأول أن المجتمع المدني يتواجد، اليوم، في حالة استعداد ملائمة، «إنه بلا شك أكثر استعداداً اليوم لتجديد العهد مع التحديات من أجل مساهمة أكثر فعالية ووقفة مماثلة لتعزيز القيم والثوابت الوطنية وتكريس المواطنة». وألمح إلى أن المسؤولية الملقاة على عاتقه تكبر بكبر إنجازات البلاد، خاصة مع «الإقلاع الاقتصادي الذي وضع رئيس الجمهورية لبناته الأساسية، وبدأت ملامحه تظهر جليا، باعتراف المؤسسات الدولية المتخصصة». ليشدد على مساهمته في إبطال مفعول الخلايا المقاومة للتغيير من خلال «بعض الممارسات والأفكار السلبية التي من شأنها تثبيط العزائم وإبطاء وتيرة تطور بلادنا وازدهارها في جميع النواحي». وبحسب الوزير الأول، فإن وعي السلطة التنفيذية بأهمية المجتمع المدني، جعلها تضعه ضمن أجهزة مكافحة الظواهر السلبية، على غرار «عصابات الأحياء، التمييز وخطاب الكراهية، جرائم الاختطاف (يمنحها القانون حق التأسيس كطرف مدني) والمضاربة غير المشروعة». وأشاد في السياق، بالحس العالي الذي أبدته مختلف فعاليات المجتمع المدني لمكافحة هذه الظاهرة (المضاربة) التي أراد مدبروها، «خدمة لأجندات معروفة، العبث بالقدرة الشرائية للمواطن وتقويض الجهود والإمكانات الكبيرة التي سخرتها الدولة في مجال دعم وتوفير المواد الأساسية». وحيّا القوى الوطنية الحية التي برهنت في العديد من المناسبات والمحن عن قوتها ونجاعتها، مشيرا إلى مساهمة الجمعيات النشطة والمتميزة «في تأطير ونجاح الهَّبة التضامنية التي مكنت من تخفيف وطأة الأزمة الصحية التي ألمت بنا لأكثر من سنتين، جراء انتشار وباء فيروس كورونا». وأوضح الوزير الأول، أن التصور الذي تبنته الحكومة في عملها، «نابع من قناعة راسخة وإيمان تام بالمكانة الراقية للمجتمع المدني، وهو ما يترجمه العمل على تكريس دوره كشريك فعلي وفعال للسلطات العمومية، على المستويين المركزي والمحلي».