تطرح مسألة تفعيل دور حركة عدم الانحياز في إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية، في ظل تنامي التلامسات الخطيرة على حدود القوى الكبرى، ما يجعل دعوة الرئيس تبون في قمة أذربيجان إلى ضرورة أن تكون فاعلا أساسيا إلى جانب منظمة الأممالمتحدة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ذات أهمية في السياق الدولي الراهن، حسبما أكد الدكتور مبروك كاهي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية. أبرز كاهي في تصريح ل»الشعب» أنّ الدعوة التي جاءت في كلمة رئيس الجمهورية، والتي تلاها نيابة عنه الوزير الأول في عاصمة أذربيجان، ضمن أشغال القمة لمجموعة الاتصال لحركة عدم الانحياز، لتحمّل الحركة مسؤولياتها التي أنشئت من أجلها، في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، الذي بات مهددا أكثر من أيّ وقت، مع تنامي التلامسات الخطيرة على حدود القوى الدولية الكبرى، سواء في وسط أوروبا في ظلّ الأزمة الروسية الأوكرانية، وتحوله إلى صراع بين الغرب الذي يدعم أوكرانيا ماليا وعسكريا وحتى معنويا، وروسيا التي تعتبر المسألة مسألة وجودية ومكانتها كقوة دولية، أو حتى التحركات الغربية المريبة التي ازداد نشاطها في بحر الصين الجنوبي، والذي اعتبرته الصين انتهاكا لمبدأ الصين الواحدة، وما قد ينجر عنه من تطورات خطيرة، إضافة إلى النزاعات الإقليمية ومسائل التحرر المعالجة في المنظومة الأممية، كالقضية الفلسطينية ونزاع الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو. وقال الأستاذ كاهي إنّ كلمة الرئيس تبون تتضمن في محتواها ضرورة تكثيف الجهود لمحاربة الظاهرة الإرهابية والجريمة المنظمة التي تذكي النزاعات الإقليمية، وتهدّد الأمن والسلم الدوليين. ومن جهة أخرى، أخذت مسائل التنمية وتعزيز التعاون بين أعضاء دول الحركة والشركاء الدوليين، حيزا وافيا من كلمة الرئيس تبون، من منطلق أنّ التنمية الحقيقية والتوزيع العادل للثروة العالمية، أساس حقيقي لحلّ مختلف المشكلات التي يعاني منها العالم، لاسيما الدول النامية ذات الاقتصاديات الهشة، والتي تأثرت كثيرا بفعل تداعيات وتبعات جائحة كورونا عارضا في خضم كلمته التجربة الجزائرية في تضافر الجهود في تصنيع اللقاح وتجاوز الأزمة، فاتحا المجال لنقل التجربة للدول التي ترغب في الأمر. وقال في السياق، إنّ الرئيس تبون أكد على أهمية استجابة حركة عدم الانحياز للتطورات الدولية الراهنة، وأن تكون فاعلا أساسيا إلى جانب منظمة الأممالمتحدة والمنظمات الأخرى التي تسعى للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وحلّ المشاكل بالطرق السلمية، واحترام سيادة الدول وعدم تهديد أمنها، فالحركية المتسارعة التي يعرفها العالم من تراجع لدور بعض القوى وتخلي أخرى عن واجباتها، تستدعي من حركة عدم الانحياز تفعيل ميكانزماتها، لتساهم في إعادة التوازن الدولي في عالم متعدد الأقطاب يتم فيه الاحترام والاحتكام للقانون الدولي في جميع المسائل، خصوصا بعد الخطابات شديدة اللهجة من القوى الدولية من تنصلها من اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة الفتاكة وتطويرها، بل والتهديد باستخدام السلاح النووي، وهي كلّها مسائل تقلق حركة عدم الانحياز، وتجعلها أمام مسؤولياتها التاريخية للحفاظ على السلام العالمي. ويعتقد الأستاذ كاهي أنّ الغرب يرى وجود حركة عدم الانحياز ضروريا في المنتظم الدولي، وكفاعل ثالث يمكن أن يكون حلقة وصل وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة، وتسهيل التواصل بينها، كما أنّ الغرب حسبه لا ينزعج من الحركة ما دامت لا تميل إلى أيّ طرف على حساب طرف آخر، فهي تسعى إلى الحفاظ على استقلاليتها وسيادة قرارها، ولذلك بات دور الحركة أكثر من ضروري لتكون المؤثر على الصعيد الدولي في ظل التحديات الأساسية التي تواجه العالم.