تحتل مواقع التواصل الاجتماعي، حيزا واسعا من اهتمامات الأفراد ويومياتهم الصيفية الطويلة، حيث لا يختلف اثنان، أن السواد الأعظم من المجتمع، يقضي معظم وقته في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، بالدرجة الأولى، سواء للتفاعل أو استقصاء الأحداث، حيث حوّلت هذه المنصات الالكترونية التفاعلية، العالم بأسره إلى قرية صغيرة فعلا لا قولا، ولو أن أفضالها على التواصل بين الناس والتعرف على ثقافات المجتمعات، قد غلبتها وطغت عليها مساوئ عديدة متعدّدة، على غرار جرائم الاحتيال والنصب الالكتروني، والمحتويات التفاعلية لمؤثرين أكثر ما يهمهم، الكسب والربح خلف مشاهدات الملايين من المتابعين. في هذا الحوار، تبرّر المختصة النفسانية، اكرام عبد الرحماني، وتحلل معضلة الاستخدام السيء لمواقع التواصل الاجتماعي، وآثارها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع، وتنبّه عبر ارشادات ونصائح ثرية إلى ضرورة الحدّ والتحكّم من استعمالها المفرط في الحياة اليومية للأفراد. - «الشعب": على الصعيد الشخصي، ماذا تمثل لك مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي؟ اكرام عبد الرحماني: مواقع التواصل الاجتماعي استعملها أكثر في اللقاءات التعليمية (زوم) والتواصل مع بعض الزملاء، وأحيانا مشاهدة برنامج أو فيلم، حيث أعتمد عليها على الصعيد المهني، لتبادل الخبرات والتجارب والاحتكاك المهني، ومعرفة المستجدات العلمية من الدراسات والأبحاث المتصلة بمجال عملي كمختصة نفسانية. - هل تعتقدين أن جائحة كوفيد 19 وما تبعها من اجراءات للحجر الصحي، تسببت في انغلاق الأفراد على أنفسهم وبذلك انغمسوا في حياة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي؟ كانت لجائحة كورونا أثرا كبير على جميع المجتمعات والمجالات، وتسببت في الفتور الأسري، كما أوجدت شرخا اجتماعيا، كما من مسبباتها الانغلاق وانقطاع صلة الرحم، وتحول هذا السلوك إلى عادات سيئة استمرت حتى الوقت الراهن. - طفت إلى الواجهة الالكترونية ظاهرة التفاعل مع محتويات تفاعلية، أبرز ما تتضمنهم سرد وقائع اجتماعية أو أسرية أو الأحوال الشخصية لمؤثرين وصناع محتوى غير هادف، تتبعه شريحة كبيرة من المجتمع، ما تفسيرك لظاهرة التعاطي والتفاعل مع هذه المحتويات؟ المؤثرون وضعوا كل تفاصيل حياتهم أو بالأحرى ما اصطنعوه في مواقع التواصل، ما جعل العديد من المتابعين وخاصة المراهقين يحاولون تقليدهم لدرجة النمذجة، واعتبارهم كقدوة، حيث وصل التقليد والمقارنات حتى للمقبلات على الزواج والتفاخر بالمظاهر، مقابل الظروف الاجتماعية المتباينة، ما يصل بهم إلى تراكم الديون على الآباء أو الأزواج، كما تحوّلت إلى وسيلة للربح السريع أو الطرق غير الشرعية للتجارة. - هل يمكن أن يتعرّض المتابع لهذه المحتويات إلى ما يسمى بالإدمان الالكتروني وما هي أعراض هذا الأخير وسلبياته؟ كثرة الاستعمال والمداومة على استخدام المواقع الاجتماعية، تؤدي إلى الادمان الإلكتروني، ومن الادمان الالكتروني إلى ادمان المواقع الاباحية، والادمان السلوكي. إضافة إلى اكتساب معارف من مصادر مغلوطة ومن ثقافات مختلفة، خاصة الغربية، التي تهدّد بطمس الهوية، خاصة في سنّ المراهقة، لما تتمتع به هذه المرحلة العمرية من خصوصية، كونها تعايش أزمة هوية، ففي آخر المرحلة، قد يتخذ هوية لا تشبهه، أو يتبع ثقافات غربية. كما نجد أن الأبناء يكتسبون تربية جنسية خاطئة، من مصادر مختلفة الديانات، نتيجة عدم وجود الحوار داخل الأسرة وأيضا انعدام الرقابة الوالدية،. - كثيرا ما نلاحظ انغماس الأشخاص بمواقع التواصل الاجتماعي، ماهي الأضرار النفسية والجسدية وحتى الاجتماعية التي يُحتمل أن تنجم عن هذه الظاهرة؟ الأضرار النفسية والجسدية والاجتماعية تبدو متداخلة، حيث يسهر الفرد ساعات طويلة وهو منشغل بالمواقع، فيحدث له الأرق نتيجة عدم القدرة على إفراز هرمون الميلاتونين (هرمون النوم) بطريقة كافية، تدفعه إلى النوم بشكل طبيعي، وذلك بفعل الضوء الأزرق المنبعث من الهواتف الذكية. فالأرق وقلة النوم، تسبّب في تأخر أو تغيب الأشخاص عن العمل والدراسة، ومنها حدوث مشاكل في الدراسة أو العمل، تؤدي إلى ضغوطات نفسية وتراكمات، قد تتحوّل إلى اضطرابات نفسية وجسمية كإصابات السكري والغدد وضغط الدم والقولون العصبي، كما تسبب كثرة الغيابات والتأخرات في الفصل من العمل أو المدرسة، ومنه البطالة، والأسوأ اللجوء إلى المخدرات وانواع الانحراف السلوكي الذي يصل به إلى الاكتئاب والوسواس القهري وغيرها من الأمراض النفسية. - ما رأيك في التغيير الذي طرأ على حياة الكثير من الأفراد بسبب الادمان على مواقع التواصل الاجتماعي - خاصة أيام العطل لدرجة أنها أصبحت بديل عن رحلات النزهة والاستجمام، وإن حدث هذه الأخيرة نجد المتابعين لهذه المواقع متصلين بها دائما حتى وقت النزهة؟ كثرة الاهتمام بالمواقع بدل النزهة، نزع منا المتعة الحقيقة بالواقع، وجعلنا نركز على الافتراض ولانستمتع بالمحسوس والملموس والطبيعة، ومنه الشعور بالملل والروتين والفراغ الذي يؤدي أيضا إلى اللاهدف وعدم معرفة الهوايات والميولات، ومنه حتى الادمانات والانحرافات والعدوانية وكل انواع الإجرام. - ما البديل الذي ترينه مناسبا للتخلص من حالات الإدمان على متابعة مثل هذه المحتويات، والنصائح التي تقدمينها لرواد مواقع التواصل الاجتماعي؟ نشر الوعي أكثر بنفس الوسيلة وهي مواقع التواصل الاجتماعي، فتح مرافق ترفيهية تعليمية تربوية مجانية أو بمبالغ معقولة، مع توفير النقل خاصة في المناطق النائية أوالصحراوية، مع ضرورة إعادة نظر الآباء في طريقة معاملة الأبناء، كون الماديات ليست هي الواجب الوحيد للآباء، فابنك يحتاج لاحتواء، من خلال تشارك كل من الأب والأم في المهام، مما يترك أثرا طيبا للأبناء، كما لابد من تفادي استعمال المواقع بكثرة أمام الأبناء، خاصة في مراحل مبكرة من عمرهم، كونهم في مرحلة التعلم بالنمذجة. - اليوم نحن أمام ظاهرة الاستغلال السيء للأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ماذا بعد أن تنفذ برامج الذكاء الاصطناعي إلى يوميات الأشخاص؟ مثلما يوجد استغلال سيء، يوجد عدة تسهيلات وايجابيات، وفوائد تساعد الشخص، من بينها الذكاء الاصطناعي الذي لوحظت لحدّ الآن إيجابياته.