بيان مشترك يترجم إرث مشترك من النضال والتضحية    الجزائر تحتضن الدورة السابعة للجمعية العامة لجمعية الهيئات الإفريقية    الزيارة تعزز قنوات التعاون والتبادل بين الهيئات الدستورية    تم إطلاق عملية صرف المنحة السياحية عبر 5 بنوك وطنية    الرد على طلبات المكتتبين يوم الأحد المقبل    استمرار التطبيع الرسمي المخزني المخزي    قطاعنا "يرافق الأسر في الوقاية من تبعات هذه الآفة"    وفاة 4 أشخاص وإصابة 290 آخرين    موجة حر على العديد من ولايات الوطن    قرار يعكس انفتاحا ماليا و تحكما في ادارة الصرف    الأمم المتحدة، تحذر من الحرمان الجماعي من الغذاء    المجازر المروعة في غزة واستهداف دور العبادة    مشروع واعد" يضاف إلى خارطة البنية التحتية للقطاع    الاستفتاء, الحل الوحيد لضمان حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    إنشاء مجلس وطني للخبراء الجزائريين في مجال الإسمنت الأخضر..مصنعان جديدان للإسمنت الأخضر بالجلفة وغليزان    نهضة صناعية عسكرية بجميع المقاييس    مكافحة الفساد في إفريقيا: الجزائر تحتضن الدورة السابعة للجمعية العامة لجمعية الهيئات الإفريقية    المدير العام للحماية المدنية يشدد على ضرورة مرافقة الفلاحين خلال مرحلتي الجني والحصاد    تطوير الاقتصاد الأخضر في الجزائر : إطلاق سوق كربون طوعي ونظام رقابي في مجال تسيير النفايات    سعداوي يستقبل الفريق الوطني المشارك في منافسة الأولمبياد الدولية للرياضيات بأستراليا    مهرجان الجزائر الدولي للفيلم : فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الثانية عشرة    تظاهرة "تلاقي"..تأكيد على تثمين التراث المعماري الجزائري وتفعيل مخططات الحماية    الأسبوع الثقافي لخنشلة بالجزائر العاصمة : فرصة لاكتشاف ثراء المنطقة وتنوعها الثقافي    عمارة نائباً لرئيس الاتحاد العربي    انطلاق التسجيلات الأولية لحاملي البكالوريا الجدد اليوم    توقيع خمسة عقود دولية لاستكشاف المحروقات    تفعيل التعاون الدولي في شكليه الأمني والقضائي    أطفال غزّة يموتون من الجوع    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    هذه حقوق المسلم على أخيه..    تخصيص فضاءات مجانية للفلاحين بأسواق "ماغرو"    ربط 281 مستثمرة فلاحية بالكهرباء منذ 2021    الحروش وعزابة تستفيدان من محطة محول كهربائي    اجتماع طارئ اليوم لمجلس الجامعة العربية    فضائح الفساد تتوالى في السجل الأسود لنظام المخزن    مخطط الكيان الصهيوني لتهويد الحرم الإبراهيمي استفزاز لمشاعر المسلمين    مهرجان الجزائر الدولي للفيلم يفتح باب الترشح    إطلاق البطاقة الذّهبية الكلاسيكية في حلّتها الجديدة    دعم مبادئ الاقتصاد الدائري وإعادة الاعتبار للبيئة    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    "الخضر" يواصلون العمل بحماس استعدادا ل "الشان"    بطولة افريقيا للأمم للمحليين 2024 : الأمين العام ل"الكاف" موسينغو أومبا يشيد بالتحضيرات الخاصة بالدورة    بكالوريا 2025: تنظيم لقاءات وطنية للإعلام والتوجيه لفائدة التلاميذ حول المعاهد العليا للفنون والتراث    ألعاب القوى/البطولة الافريقية: المنتخب الجزائري ينهي المنافسة ب21 ميدالية    رحلة في تاريخ وهران    ميسي ينثر سحره    سطيف تحتضن الألعاب الإفريقية المدرسية    فروع بنك الجزائر معنية بصرف منحة السفر    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    بهجة متجوّلة تنصب خيمتها في قلب عنابة    الرئيس الزيمبابوي يزور مقر مجمع صيدال بالجزائر العاصمة    الطبعة 16 تمزج بين الأصالة والطاقة الشبابية    معرض للحج والعمرة بوهران    محرز يقود الأهلي السعودي لفوز    رئيس الجمهورية يجري لقاءه الإعلامي الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية    أفشوا السلام بينكم    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عَدْوَى الفساد في المجتمعات!
نشر في الشروق اليومي يوم 14 - 09 - 2019

تُعَدّ مجلة “ساينتفيك أميركن” (Scientific American) الشهرية من أعرق المجلات العلمية حيث تم إصدارها عام 1845. وهي تنشر في كل الفروع العلمية والطبية، حتى تلك التي لها علاقة بالعلوم الإنسانية. وقد صدر في عدد سبتمبر الجاري مقالا بعنوان “عدوى الفساد” (The contagion of corruption) للباحث الأمريكي الإسرائيلي دان آرييلي Dan Ariely، الأستاذ بجامعة “ديوك” (Duke) الأمريكية. في بداية العهد تخصص الكاتب في الرياضيات والفيزياء، ثم تحوّل إلى علم النفس والاقتصاد السلوكي، وأصبح من كبار المتخصصين في هذا العلم. واشتهر بكتاباته حول الفساد بمختلف أشكاله وسلوك الإنسان؛ وكانت مؤلفاته من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة.
الفساد كبيره وصغيره يعيق التنمية
تعرض المقال إلى عديد الأبحاث التي جرت وتجري حاليا داخل المخابر الأمريكية وخارجها حول سلوك الإنسان بصورة عامة وتعامله من الفساد الصغير منه والكبير، وكذا كيفية تفشي هذا الداء في المجتمع. وخلاصة الكثير من هذه الأبحاث تؤكد أن عدم النزاهة يولّد عدم النزاهة، وهو ما يؤدي إلى الانتشار السريع في المجتمع لسلوك يتنافى مع الأخلاق.
تتصدر فضائحُ الفساد عناوينَ الصحف العالمية. فعلى سبيل المثال، اعترفت شركة البناء البرازيلية “أودبريشت” (Odebrecht) عام 2016 بأنها دفعت مبلغ 700 مليون دولار رشاوى للسياسيين والتكنوقراط في 12 دولة. لكن الأكثر انتشارا هو الفساد “البسيط” في المجتمعات، الذي يقتصر على مزايا صغيرة بين قلة من الناس. توضح بعض الإحصائيات الصادرة عام 2017 أن 1 من بين كل 4 -ممن شملهم أحد الاستطلاعات- صرح بأنه دفع رشوة لقاء خدمات عمومية خلال 2016. ويبدو أن هذا النوع من الفساد منتشر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يقدم المقال المثال التوضيحي التالي: تخيّل أنك توجهت إلى مقرّ بلديتك لطلب استلام رخصة ترميم منزلك، وقد كنت تقدمت بطلبك قبل أيام. فيقول لك الموظف إنه نظرًا للعدد الكبير من الطلبات التي تلقتها مصلحته، سيستغرق معالجة ملفك 9 أشهر لإصدار التصريح… ولكن، إذا دفعت 100 دولار، فسوف نعالج ملفك بسرعة. ستدرك في تلك اللحظة أن الأمر يتعلق بطلب رشوة للحصول على معاملة تفضيلية.
من الجائز أن تتوالى عندئذ في ذهنك سلسلة من التساؤلات: هل أدفع لتسريع الأمور؟ هل سيفعل بعض أصدقائي وأقاربي نفس الشيء في مثل هذه الحالات؟… ومع ذلك، ربما لا تتساءل عما إذا كان التعرض لمثل هذا الطلب سيؤثر في حد ذاته على اتخاذ قرار أخلاقي لاحق؟ هذا هو نوع الأسئلة التي يطرحها الباحثون السلوكيون في موضوع تفشي الفساد.
ويعقّب المؤلف بأن الفساد، كبيره وصغيره، يعيق دائما التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول. ذلك أنه يؤثر على الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ويُضْعف المؤسسات القائمة، ويتداخل مع مسيرة الديمقراطية في البلاد، ويُقوّض ثقة الجمهور بالمسؤولين الحكوميين وذوي النفوذ.
وما يثير القلق لدى الباحثين هو أن الدراسات الحديثة تفيد بأن مجرد التعرض للفساد يفسد الفرد في المجتمع ما لم يتم اتخاذ تدابير وقائية. فالفساد يسري كالمرض المعدي سرًا وجهرًا من شخص لآخر. ونتيجة لذلك تتآكل الأعراف والأخلاق الاجتماعية عندما تصبح ثقافة الغش والكذب راسخة… وقد يبلغ “الورم” حدا يستعصي التخلص منه.
تآكل الشخصية الأخلاقية
لنفترض أنك رفضت طلب ذلك الموظف في البلدية ولم تُرْشِه. يتساءل الباحثون في هذه الحالة: كيف ستؤثر تجربتك تلك على ردك إذا ما تعرضت مجددا إلى معضلة أخلاقية؟ وقد أجريت دراسات وتجارب مخبرية على الأفراد بحثًا عن إجابة لهذا السؤال ستنشر لاحقا. وقدم المقال وصفا دقيقا لتحضير تلك التجارب. وهكذا، انتهى المطاف بإحدى التجارب إلى تصنيف الأفراد إلى 3 فئات سمح بتقييم سلوكيات الأشخاص الذين تعرضوا للرشوة من الناحية الأخلاقية. وأظهرت تجارب أخرى أن تلقي طلب رشوة يؤدي إلى تآكل الشخصية الأخلاقية للفرد، مما يدفعه إلى التصرف بشكل غير نزيه في القرارات الأخلاقية اللاحقة.
ومما تم البحث في تفاصيله ضمن هذه التجارب دراسة مدى تأثير المعايير الاجتماعية في تشكيل السلوك غير النزيه. أما فيما يخص الانتساب إلى مجموعة معينة وتأثيرها الكبير على سلوك العضو فيها فوصفته التجربة كما يلي: عندما يلاحظ الأفراد عضوًا في مجموعتهم يتصرف بطريقة غير شريفة فإنهم يميلون إلى التصرف مثله بطريقة غير شريفة. وفي المقابل، عندما يكون الشخص الذي يتصرف بطريقة غير شريفة ينتسب لمجموعة ثانية فإن أعضاء المجموعة الأولى يتصرفون بشكل أكثر نزاهةً.
ولاحظ الباحث أن التجارب بيّنت بأن المعايير الاجتماعية تختلف أيضًا من ثقافة إلى أخرى: فما هو مقبول في ثقافة معينة قد لا يكون مقبولا في ثقافة أخرى. على سبيل المثال، في بعض المجتمعات التي تقدم الهدايا للزبائن أو للموظفين العموميين تعتبر هذه اللفتة عربون صداقة واحتراما متبادلا ضمن العلاقات التجارية، بينما تعتبره ثقافات أخرى رشوةً.
وهكذا، ففي البلدان التي يلاحظ فيها الأفراد أن غيرهم يدفعون رشاوى للحصول على معاملة تفضيلية، سرعان ما يتقبلون الوضع، ثم يعتبرون أن دفع الرشاوى مقبول اجتماعيًا. وبمرور الوقت، يصبح الخط الفاصل بين السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي خطا ضبابيًا! ويصبح السلوك غير النزيه هو الطريقة المتّبعة في تسيير الأعمال.
ولاحظ الباحثون أن ميل الناس إلى التصرف غير النزيه يتشابه في جميع البلدان. ذلك ما توصلوا إليه باعتبار عينة من السكان الأصليين في الولايات المتحدة وكولومبيا والبرتغال وألمانيا والصين. فلماذا نلاحظ اختلافات ضخمة بين الدول في مستويات الفساد والرشوة؟ لقد اتضح أنه على الرغم من أن النزْعة الفِطْرِية للأفراد في التصرف بصدق أو بطريقة أخرى متشابهة عبر البلدان، فإن المعايير الاجتماعية وصرامة تطبيق القوانين تؤثر بشدة على التصورات والسلوكيات البشرية.
هؤلاء الباحثون واثقون بأنه من الأهمية بمكان مواصلة التحقيق في الجذور النفسية للأضرار التي يلحقها الفسادُ بالمجتمعات في كل مكان. ومن تلك التساؤلات التي تحتاج إلى بحث عميق: ما الذي يؤثر على احتمال تقبّل الرشوة؟ ما هي عواقب الرشوة، وما هي آثارها الطويلة المدى؟ ما هي أنواع التدخلات التي ستكون أكثر فاعلية للحد من طلبات الرشوة وقبولها؟…
يعتقد عامة الناس أن الإجابات عن مثل هذه الأسئلة هيّنة ولا تتطلب جهدا، أما العلماء فيصرّحون بأنهم يجهلون الإجابة عنها لحد الساعة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.