السؤال الأول: أنا مريض بمرض السكري منذ سنوات طويلة، كنت أصوم في البداية ولكنه تعذر عليّ في سنوات لاحقة أن أصوم وكنت أطعم بدلا عنه، واليوم أنا أستعمل حقنة الأنسولين، ومع انتظامي في أخذ هذه الحقن استقرت حالتي على العموم وأصبحت قادرا على الصوم، وأنا الآن أصوم رغم أن الطبيب نصحني بالإفطار. * سؤالي، هل أصوم في مثل هذه الحالة أم آخذ برأي الطبيب؟ وإن صمت واستعملت حقن الأنسولين هل أعد مفطرا أم أنها لا تفسد الصيام، وبارك الله فيكم. * - بداية لابد أن يعلم السائل أن الشريعة الإسلامية إنما جاءت لتصلح حال الناس في العاجل والآجل، ولذلك إذا كان في العبادة التي شرعها الله مضرة لبعض الناس فإنها تسقط عنهم لأن الحفاظ على البدن مقدم على العبادة، وتعرف المضرة بإخبار طبيب مسلم ثقة أو بالعادة المتكررة، فإذا أخبر الطبيب المسلم الثقة شخصا بأن رمضان يضره أو يؤخر برأه أو يزيد من مضاعفات المرض عنده فإنه يلزمه الفطر حفاظا على بدنه وما كان لله أن يتعبد الإنسان بعبادة تعذبه وإنه لغني عن ذلك، وقد يعرف تلك المضرة بالعادة، أي أنه سبق له أن جرب الصوم مرات عديدة ورأى فيه من الإرهاق والمشقة ما يجعله عاجزا عن مواصلة الصوم، وهذا إن كان يضره الصوم على مدار السنة فهو يدخل في عموم قوله تعالى: »وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين« أي يقدّم مدّا أو مدّين أو أربعة أمدادا عن كل يوم، على خلاف بين العلماء، وفي ذلك سعة تقدر بسعة أصحابها، وإن كان يقدر على الصوم أحيانا ويعجز أحيانا أخرى فهو مطالب بالقضاء متى قدر عليه في أيام السنة، وأما الأنسولين فإنها غير مفطرة ولا تفسد الصوم، فإن أمكن معها الصوم من غير مشقة ولا حرج ومن غير مضاعفات صام، وإلا فالفطر والفدية، والله تعالى أعلم وأحكم. * * السؤال الثاني: غضبت في أحد أيام رمضان إلى درجة كبيرة، وكان من نتائج ذلك أن تشاجرت شجارا عنيفا مع صاحب محل تجاري، لم يصل الأمر إلى استعمال اليد أو الضرب الجسدي، وإنما كان شجارا باللسان إلى درجة كبيرة، والآن ندمت على ذلك ندما شديدا، وأنا أسأل كيف أكفر عن هذا اليوم؟ وهل هو صحيح أم أنا مطالب بصوم يوم بدله حتى يكون كاملا. * - الخصام والمشاجرة ليستا من مبطلات الصيام سواء كان صاحبها محقا أو غير محق، والصيام صحيح في مثل هذه الحالة ولا إعادة على صاحبه ولا فدية. ولكن ليعلم أخي السائل، أن الله ما شرع الصيام على عبادة ليجوعوا ويعطشوا، وما يفعل الله بجوعهم وعطشهم (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم). (الحج 37). وإنما شرع الله عبادة الصوم على عباده لتزكو نفوسهم وترتقي أرواحهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم، إني صائم« (أخرجه إبن حبان والحاكم، وهو من صحيح الجامع الصغير). * ولعل أخي السائل يحفظ الحديث المشهور الصحيح الذي يعرفه كل الناس: »وإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإنه سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم...« (أخرجه البخاري ومسلم). * وهي نصيحة لأخي السائل ولكل قارئ أن يوطّن نفسه ويدربها على الصبر، ومن يصبر يصبّره الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يدرب الإنسان جسده على أنواع من الرياضة يصل إلى النتيجة المرجوة فيها ما صبر وداوم، فكذلك يصل المؤمن بعبادته إلى سمو الخلق ما جاهد نفسه وصبر على ما يُؤمر به. * * السؤال الثالث: حدث بين وبين أخي خصومة وحلفت حينئذ أن لا أدخل بيته ما حيَيْت ومرّ على ذلك عام كامل وكثير من الناس يحثّونني على أن أدخل بيته وأزوره، إلا أن اليمين تبقى مشكلة كبيرة بالنسبة إليّ، إلا أن ضميري بدأ الآن يؤنّبني ولكنني حائر ماذا أفعل، فما هو موقف الشرع من مسألتي هذه، خصوصا ونحن نعيش أيام رمضان، وبارك الله فيكم. * - ألم يعلم السائل الكريم أن إثم قطيعة الرحم أعظم من إثم الحنث، وأن صلة الرحم أعظم قدرا وأعظم بركة عند الله من الوفاء بيمين يطلقها الإنسان آثما في لحظة من لحظات الغضب ثم يرى جهلا أنه ألزم نفسه وقطع عليها أمرا لا يستطيع أن ينكثه؟! * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من حلف على يمين فرأى خيراً منها فليأتِ الذي هو خير وليكفّر عن يمينه« (رواه مسلم)، وليس لك أخي السائل بعد هذا الكلام من كلام فاحنث في يمينك وكفّر عنها وزر أخاك وارفع عن نفسك مقت الله وغضبه في قطيعة أخيك، وإن رمضان فرصة عظيمة لذلك، وهو فرصة مواتية ترق فيها النفوس وتسكن فيها الطباع، ووفّقك الله وسدّد خطاك وتقبّل منّا ومنك صالح الأعمال. * *